بعد يومين على استهداف «معسكر الشهداء»، التابع لـ«الحشد الشعبي»، في منطقة آمرلي (شمال شرق محافظة صلاح الدين)، صدرت نتائج التحقيق الرسمي في الواقعة. تُبيّن النتائج، الصادرة عن «لجنة التحقيق المركزية» في «الحشد»، أن «الانفجار لم يكن استهدافاً عسكرياً بطائرة مسيّرة أو صاروخ موجّه، بل حريقٌ لوقود صلب نتيجة خلل داخلي». اللجنة، التي ضمّت ممثلين عن مديريات الأمن والاستخبارات والصواريخ وهندسة الميدان وخبراء متفجرات وطائرات مسيّرة، ناقضت بحديثها ذاك التلميحات المكثفة التي أوردتها وسائل الإعلام العبرية عقب الحادثة إلى مسؤولية إسرائيل عن «الغارة» المفترضة. أما «الحشد» فبدا محرجاً في كيفية نفي الرواية الحكومية الأوّلية، التي تحدثت عن قصف بطائرة مسيّرة. وهو ما ينفيه قيادي بارز في «الحشد»، بالاستناد إلى معطيات اللجنة التي عاينت مكان الحادث، وخلصت إلى ما يلي:- أولاً: لم يكن هناك قصف جوي، وفق ما يثبته تسجيل لكاميرا بعيدة عن مكان الحادث، يوضح أن ما جرى انفجار أرضي، وليس انفجار قذيفة أو صاروخ.
- ثانياً: من خلال التسجيل أيضاً، لم يُلاحظ أي شيء يسقط من السماء، لا طائرة ولا صاروخ.
وعليه، يبيّن القيادي، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن الحادثة وقعت نتيجة عبث بالموارد الموجودة (لم تتحدّد كيفيته إلى الآن)، موضحاً أنه كانت هناك شاحنة مُحمّلة بوقود صلب، يُستخدم في محركات الصواريخ، وبمجرّد العبث به ينفجر، والمعطيات تشير إلى أنه قد تمّ العبث به بالفعل. لكن، ما سرّ وجود حطام طائرتين مسيّرتين في المكان؟ يوضح القيادي أن ثمة جهة داخل «الحشد» «قصّرت» في حفظ مخازنها، وبهدف التهرب من المسؤولية عمدت إلى إحضار حطام طائرات مسيّرة إلى المكان، ومن ثم تفجيرها هناك. ويلفت إلى أن خبراء المسيّرات، لحظة معاينتهم هذا الحطام، خلصوا إلى الاستنتاج التالي: إن كانت الطائرة المسيّرة قد أُسقطت فإنها ستقع من علوّ، وتتجزأ إلى ثلاثة أجزاء، ولا تتهشّم؛ وإن كانت قد انفجرت في السماء، فستسقط في المكان عينه. لكن حطام الطائرة هذه يشي بأنها قد هُشّمت على الأرض، خصوصاً أنه وُجد على بُعد مسافة من مكان الحادث.
أبلغ تولر، عبد المهدي، بأن بلاده وإسرائيل ليستا على علاقة بما جرى


قيادة «الحشد»، وأثناء اجتماعها الأخير، درست خيارات تخريج الحادثة، بعدما أحرجتها الرواية الحكومية الأوّلية التي نشرتها «خلية الإعلام الأمني» (الرسمية). وفي هذا الإطار، لا تستبعد مصادر سياسية مطلعة أن يكون بعض الأشخاص أميركيي الهوى في «الخلية» عمدوا إلى ترويج تلك الرواية، بهدف تأليب الرأي العام العراقي ضد «الحشد»، وتخويف الأخير من تداعيات اتخاذ موقف عملياتي من الاشتباك الأميركي ــــ الإيراني.
إزاء ذلك، كان «الحشد» أمام خيارين: إما أن «نكذب ونقول إن الحطام الموجود هو لمسيّرة أسقطناها، أو نقول الحقيقة ونبسّط الموضوع». حصل «الحشد» على موافقة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، على الخيار الأخير، ليتم إصدار البيان، والاعتراف بما جرى، وفقاً لما يشرحه القيادي نفسه لـ«الأخبار»، مشدداً على أنه لو كان الأمر عبارة عن غارة أجنبية «لما سكتنا عنه، بل لأعدنا ضغطنا النيابي لتشريع قانون إخراج القوات الأميركية». لكن، وبما أنه «ليس هناك من دليل علمي على أنها طائرة (مهما كان نوعها/ مصدرها)، فقد اعتمدنا الصدق».
رواية «الحشد» يقابلها حديث مكثف في الإعلام العبري عن أن الحادثة تحمل طابع الحوادث الأولى التي ابتدأت بها إسرائيل مسار ضرباتها في سوريا، وأنها قد تمثل مؤشراً إلى أن تل أبيب بدأت خطواتها العملياتية في اتجاه منع تحول العراق إلى «سوريا 2»، لناحية قيام إيران بتأسيس بنية عسكرية استراتيجية هناك. ورافق ذلك ترويج مواقع إسرائيلية مختصّة بالشؤون العسكرية لادعاءات عن «تخزين عشرات صواريخ فاتح 110، ذات الدقة العالية، في معسكرات الحشد الشعبي، في وقت راقبت فيه قوات الدفاع الإسرائيلية عن كثب ذلك، وأبلغت الولايات المتحدة عن التهديد. وبدعم من قوات الأخيرة الجوية، تم القضاء على التهديد».
لكن مصادر سياسية مطلعة أفادت «الأخبار» بأن السفير الأميركي في بغداد، ماثيو تولر، أبلغ عبد المهدي أن بلاده وإسرائيل ليستا على علاقة بما جرى. وفي هذا الصدد، ترى مصادر «الحشد» أن تل أبيب تحاول «ركوب الموجة»، والاستفادة من المناخ الإعلامي، من دون أن تستبعد سعيها إلى «تهيئة الأجواء لأي ضربة قد تقع مستقبلاً». مع ذلك، يصف مصدر أمني عراقي الرواية الحكومية الثانية بأنها محاولة لـ«حفظ ماء الوجه»، وسعي إلى «تأجيل المواجهة».