تصعّد واشنطن ضغوطها على الحكومة العراقية، بهدف دفعها إلى تقييد فصائل المقاومة، بما يضمن تحييد الأخيرة عن أي مواجهة مستقبلية مع إيران. ضغوط ليست الادعاءات الأميركية في شأن انطلاق طائرات مسيّرة من العراق باتجاه السعودية خارجة من سياقها، وخصوصاً أنها تترافق مع حملات كلامية على الفصائل، بشكل يظهر معه كأن البعض يسعى إلى «إيجاد ذرائع لواشنطن لعمل ما في العراق».مساء الـ 17 من حزيران/ يونيو الجاري، انعقد في «قصر السلام» الرئاسي، وسط العاصمة العراقية بغداد، الاجتماع الدوري الثالث للقيادات السياسية، بحضور كل من رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي. لم يغادر البيان الذي صدر عن الاجتماع حدود العموميات، التي يظلّ في إطارها أيضاً ردّ مصادر مقرّبة من رئيس الوزراء على سؤال «الأخبار» حول ما دار بين المجتمعين، إذ تقول إن الأخيرين شددوا على «مراعاة خصوصية الوضع الوطني، وتغليب مصلحة العراق والعراقيين»، وأكدوا دعمهم الحكومة في متابعة التقيّد بهذه السياسة، و«التصدّي لأي طرف يتعمّد الخروج على مبادئ العمل الوطني الموحّد».
وحده النائب السابق عن محافظة صلاح الدين، مشعان الجبوري، أطلّ ليعقّب على بيان «اجتماع قصر السلام» بالقول إن الأميركيين قدّموا لعبد المهدي «أدلة من شأنها إدانة طرف عراقي» في عملية استهداف مضخّتي نفط تابعتين لشركة «أرامكو» السعودية (وسط المملكة) أواسط أيار/ مايو الماضي.
لا تنفي ثلاثة مصادر، تواصلت معها «الأخبار»، أحدها من وزارة الخارجية وثانيها مقرّب من عبد المهدي وثالثها في قيادة «الحشد الشعبي»، حديث رئيس الوزراء خلال الاجتماع المذكور عن اتصال وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، به في 15 حزيران الجاري، ليبلغه بأن واشنطن «تمتلك أدلة تثبت تورّط جهات عراقية في قصف» مضخّتَي «أرامكو»، و«انطلاق الطائرات المسيّرة (التي استُخدمت في العملية) من منطقة جرف الصخر (60 كيلومتراً جنوبي غربي بغداد)». وبالنظر إلى تمركز «كتائب حزب الله» في تلك المنطقة، فإن واشنطن تحمّلها بالتالي المسؤولية (وفق قناة «سي أن أن» الأميركية، شنّ الجيش الأميركي هجوماً سايبرانياً على الكتائب في الأيام التي تبعت إسقاط الطائرة المسيّرة الأميركية من قِبَل الحرس الثوري الإيراني، بهدف شلّ شبكات الاتصالات الخاصّة بها). جواب عبد المهدي للوزير الأميركي كان مطابقاً لما قاله قبل يومين في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، إذ أشار إلى أن «كل أجهزتنا الاستخبارية وكل قواتنا لم ترصد ولم يثبت لها هذا الشيء».
مصادر الجيش اليمني: لسنا في حاجة إلى من يقصف بدلاً منّا


لكن الحديث الرسمي عن الموضوع لم يقتصر على ما ورد في مؤتمر عبد المهدي، بل إن البيان الشهير الذي أصدره الأخير في 18 حزيران/ يونيو (راجع «الأخبار»، عدد 3786)، والذي شدد فيه على منع «عمل أي قوة مسلحة عراقية أو غير عراقية خارج إطار القوات المسلحة، ومنع أي قوة تعمل في إطار القوات المسلحة من أن تكون لها حركة أو عمليات أو مخازن أو صناعات خارج معرفة وإدارة وسيطرة القوات المسلحة»، لا يبدو خارجاً من هذا السياق. إذ توضح المصادر نفسها أن كلام بومبيو عن منطلق الطائرات المسيّرة هو الذي كان في خلفية بيان رئيس الوزراء، وليس الرميات الصاروخية الأخيرة التي استهدفت قواعد أميركية في العراق، وخصوصاً أن الأميركيين قدموا للجانب العراقي ما ادعوا أنها «أدلة دامغة» على انطلاق الطائرات المسيرة من أراضي الرافدين. وعلى رغم أن بغداد «لم تقتنع بتلك الأدلة، وخصوصاً أن المراصد لم تسجل مرور طائرة كهذه، إلا أن السفير الأميركي، ماثيو تولر، أصرّ صبيحة 18 حزيران/ يونيو على عرض ما زعم أنها أفلام وصور تدعّم حديث بومبيو»، الأمر الذي اضطر عبد المهدي، على ما يظهر، الى اتخاذ خطوة كلامية من شأنها امتصاص ضغوط الولايات المتحدة.
في ردّها على تلك المزاعم، تنفي مصادر «الحشد» وفصائل المقاومة الاتهامات الأميركية، التي تورد على سبيل تفنيدها أن «المسافة المفترض أن تجتازها الطائرة هائلة (أكثر من 938 كيلومتراً)، ما يطرح سؤالاً حول هذه الطائرة الخارقة». كذلك، تنفي مصادر الجيش اليمني واللجان الشعبية حديث بومبيو جملة وتفصيلاً، مؤكدة أنه «غير صحيح»، متسائلةً: «كيف يمكن أن تنطلق المسيّرات من العراق؟!». تضع المصادر عينها ادعاءات واشنطن في سياق «استحقار العقل اليمني... فنحن لسنا في حاجة إلى مَن يقصف بدلاً منّا»، داعيةً الأميركيين إلى «الكشف عما يسمّونها أدلّتهم»، معتبرة أن الولايات المتحدة تسعى من خلال ذلك إلى «ابتزاز العراق، لتحييده عن المعركة... ولجم عمل فصائل المقاومة». وهو ما تذهب إليه أيضاً مصادر الفصائل، إذ لا تستبعد أن تكون «الدلائل مفبركة، حتى تأمن واشنطن جانب أي جهة عراقية قد تدخل في معركة» مستقبلية مع إيران، لافتة إلى أن بعض الجهات العراقية تحاول تحميل فصائل المقاومة المسؤولية، «وتنخرط في هجمات إعلامية علينا»، وكأنها تسعى إلى «إيجاد ذرائع لواشنطن لعمل ما في العراق».