بغداد | يستمرّ مسلسل سقوط صواريخ «الكاتيوشا» في العراق. آخر النقاط المستهدفة خلال الأيام والساعات الماضية توزعت ما بين العاصمة بغداد ومدينة البصرة و«معسكر التاجي» (شمال غرب العاصمة) و«قيادة عمليات نينوى» (شمال البلاد). مواقع ترتبط بنحو مباشر أو غير مباشر بالمصالح الأميركية. في بغداد مثلاً، يقع المنزل المستهدَف على ضفة نهر دجلة قبالة السفارة الأميركية. في البصرة، أيضاً، الهدف هو شركة «إكسون موبيل» (النفطية) الأميركية. أما «معسكر التاجي» ومقرّ «قيادة عمليات نينوى»، فيضمّان عدداً من المستشارين الأميركيين.هذا المسلسل، الذي تتتابع حلقاته في سياق توتر إقليمي تعيشه المنطقة على خلفية التصعيد الأميركي ضدّ إيران، لا يُقرَأ أميركياً إلا من زاوية أنه رسائل إيرانية تُضاف إلى رسالتَي «الفجيرة» و«خليج عُمان». صحيح أن لا تبنّي واضحاً لتلك العمليات من قِبَل جهة مُحدّدة، إلا أن الأميركيين لن يتلقّوا تطورات كهذه راهناً إلا على أنها إشعار بأن مصالحهم «تحت النار»، وأن «جرعة الإيلام قابلة للزيادة». يعرب مصدر أمني رفيع، في حديث إلى «الأخبار»، عن اعتقاده بأن الفاعل «يريد إيصال رسالة ما، من دون أن يعلن ذلك، لأن التبنّي يحمل محاذير كثيرة»، مضيفاً أن التفسير الأميركي لما يجري، أن ثمة «ضربات جدية، واعتداءً إيرانياً عل مصالحنا»، آملاً أن يظلّ الأمر مقتصراً على «العمليات النفسية بين الجانبين»، تفادياً لتداعيات أكثر خطورة على العراق.
من جهتها، ترفض فصائل المقاومة الرئيسة تحميلها المسؤولية عن الحوادث الأخيرة، فيما تؤكد مؤسسة «الحشد الشعبي» أنها ملتزمة قرارات الحكومة. في هذا الإطار، تؤكد مصادر مقربة من نائب رئيس «الهيئة»، أبو مهدي المهندس، أن «الحشد والفصائل الكبرى يرفضون أي اتهام مماثل»، مُوجّهةً أصابع الاتهام «إلى طابور خامس يحاول زعزعة الاستقرار، وجهات فردية غير منضبطة تحاول الاستثمار في هذا التوقيت المربك»، من دون أن تستبعد وقوف الأميركيين أنفسهم وراء بعضها، لأن «عدداً من الصواريخ التي استُعملت ليست للحشد أو الفصائل... إنها أميركية بامتياز». هنا، يوضح المصدر الأمني أن «الصاروخ الذي سقط على المنطقة الخضراء (19 أيار/ مايو الماضي) أُطلق من مكان قريب لأحد مقارّ العصائب»، مضيفاً: «إذا سلّمنا جدلاً أن العصائب هي الجهة المنفذة، فمن غير المعقول أن تُطلقه من مكانٍ كهذا»، خاتماً بأن «من نفّذ أراد تمويه نفسه». بدورها، تصف مصادر فصائل المقاومة، التي سبق أن رفعت جاهزيتها تحسّباً لأي مواجهة ممكنة مع القوات الأميركية لحظة تصاعد نبرة التهديدات، الوضع الراهن بالـ«مستقر». وإذ تبدي حرصها على استقرار البلاد، فهي تؤكد أن «برنامجنا العملي يدعو إلى رفع مستوى الوعي الجماهيري بالمخاطر الأميركية في المنطقة... وتبنّي خطاب الساحة الواحدة لمواجهة تهديدات واشنطن».
على المقلب الحكومي، تتبنى مصادر مقرّبة من رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، رواية «العناصر غير المنضبطة»، من دون أن تنسبها إلى أي جهة. رواية تتّسق ومساعي الحكومة إلى النأي بنفسها عمّا يشهده الإقليم، وتجنيب العراق تبعات التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران. وفي هذا السياق، بدا لافتاً البيان الذي أصدره عبد المهدي مساء أول من أمس، وحاول من خلال تثبيت وقوفه موقف «التوازن» في خضمّ التطورات الأخيرة. إذ شدد على «منع أي قوة أجنبية من العمل أو الحركة على الأرض العراقية من دون إذن»، و«منع أي دولة من الإقليم أو خارجه من التواجد على الأرض العراقية، وممارسة نشاطاتها ضد أي طرف آخر»، فضلاً عن «منع عمل أي قوة مسلحة عراقية أو غير عراقية خارج إطار القوات المسلحة»، و«منع أي قوة تعمل تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة من أن تكون لها حركة أو عمليات أو مخازن أو صناعات خارج معرفة وإدارة وسيطرة القوات المسلحة». وعليه، سارعت «قيادة العمليات المشتركة» إلى تكليف جميع الأجهزة الاستخبارية بجمع المعلومات، وتشخيص الجهات التي تقف خلف إطلاق الصواريخ والقذائف على عدد من المواقع العسكرية والمدنية في بغداد والمحافظات.