في مشهد كمّل الصورة التي ظهّرتها زيارة حسن روحاني لبغداد في شهر آذار/ مارس الماضي، استهلّ عادل عبد المهدي جولته الإقليمية الأولى من طهران، حيث تم التشديد على تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، ورغبتهما في تطوير علاقاتهما. على أن الأبرز في الزيارة كان موقف المرشد الإيراني الداعي إلى تصعيد الضغوط على الأميركيين في العراق، وهو ما من شأنه إعادة قانون إخراج القوات الأجنبية إلى الواجهة، بعدما بدا أنه دخل مرحلة جمود.مساء أمس، ومن مدينة مشهد (شمال شرق العاصمة طهران)، ختم رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، زيارته إلى الجمهورية الإيرانية. في توقيتها ونتائجها، حملت الزيارة دلالات عديدة، أبرزها عودة العراق إلى قلب المشهد الإقليمي، في ظلّ «حاجة دول الجوار إلى دوره في تقريب وجهات النظر»، بتعبير مصدر مطّلع على حراك عبد المهدي، الذي أعلن أنه «بحث مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، قضايا المنطقة، وتطابق المواقف حول القضية الفلسطينية، وأهمية اعتماد الحوار والحلول السلمية لإنهاء النزاع في اليمن، وإبعاد الحروب والأزمات عن المنطقة». وفيما تحفّظت المصادر الرسمية على الإدلاء بتفاصيل في شأن ما دار خلال المباحثات، أكد مقرّبون من رئيس الوزراء أن «اللقاءات ناقشت كل شيء... وهي استكمالٌ لما جرى في بغداد مطلع شهر آذار/ مارس الماضي».
الموقف الأبرز جاء خلال لقاء عبد المهدي بالمرشد الإيراني، آية الله علي خامنئي، الذي دعا ضيفه إلى «القيام بما يدفع الأميركيين إلى سحب قواتهم من العراق في أسرع وقت ممكن»، محذراً من أن الأميركيين أينما مكثوا عسكرياً لفترة طويلة في بلد ما، «كانت عملية إخراجهم محفوفة بالمصاعب». خامنئي وصف الحكومة والبرلمان الحاليين في العراق بـ«غير المرغوب فيهما من قِبَل الأميركيين، ولذلك فإنهم يخطّطون لإزاحة هذه المجموعة من المشهد السياسي». توصيف يجلّي حرص طهران على تظهير اصطفاف بغداد إلى جانبها وحلفائها، في مقابل محاولات واشنطن تصدير عبد المهدي على أنه في صفها. أما رئيس الوزراء نفسه، فهو لا يزال يحاول التموضع في موقع وسطي، الأمر الذي عبّر عنه في اللقاء نفسه بالقول إن «نهج الحكومة قائمٌ على تقوية المشتركات، وتعزيز فرص التعاون مع جميع دول الجوار، وعدم الدخول في محور على حساب أي دولة، ورفض سياسة المحاور والرغبة في إقامة علاقات تخدم جميع شعوب المنطقة».
اتفاق مبدئي مع العراق على تطوير حقلَي نفط نفت شهر وخرمشهر الحدوديين


وفي ما يتصل بنتائج الزيارة، أشار بيان صادر عن مكتب عبد المهدي إلى أن الجانبين تابعا «حُسنَ تنفيذ ما اتفق عليه في بغداد، وإضافة المزيد من الاتفاقات لتحقيق التعاون والتقارب في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية»، إلى جانب «تنفيذ الاتفاقيات حول شط العرب، ومدّ سكة الحديد بين البصرة والشلامجة، والربط الكهربائي، وتسهيل تأشيرات الدخول، وبناء المدن الصناعية، وغير ذلك من أشكال التعاون»، والتأكيد على ضرورة «عقد لقاءات بين المسؤولين الأمنيين حول قضايا الحدود والتهريب والمخدرات».
بدوره، شدّد وزير الصناعة والتعدين والتجارة الإيراني، رضا رحماني، على ضرورة تنفيذ الاتفاقيات التجارية بين إيران والعراق، ورفع قيمة التبادل التجاري بين البلدين إلى 20 مليار دولار سنوياً، بحدود عام 2021، مشيراً إلى أن الجانبين اتفقا على تعيين ثمانية مواقع لمدن صناعية حدودية مشتركة في جنوب العراق و«إقليم كردستان»، إضافة إلى مذكرات تفاهم لإنشاء بنى تحتية، وتعزيز طرق التجارة والنقل البري والترانزيت. أما وزير النفط الإيراني، بيجين زنكنة، فأعلن التوصل إلى اتفاق مبدئي مع العراق لتطوير حقلَي نفط نفت شهر وخرمشهر الحدوديين. وقال إن «مستحقات إيران من تصدير الغاز الى العراق تبلغ حوالى مليار دولار، والبنك المركزي الإيراني سيتابع عملية الحصول على مستحقاته»، في موقف يعكس الحاجة الإيرانية إلى الحصول على عملة صعبة، في ظلّ العقوبات الأميركية المفروضة على الجمهورية الإسلامية.
يذكر أن زيارة طهران تشكل فاتحة جولة إقليمية لعبد المهدي، تشمل كُلّاً من أنقرة والرياض، على أن تتبعها زيارة للعاصمة الأميركية واشنطن، في خطوة تثبّت نية بغداد بناء ما تعتقد أنه «علاقات متوازنة» مع جميع الأطراف، في مسار يبدو صعباً حالياً في ظلّ الانقسام الحاد في المنطقة من جهة، والنظر إلى العراق من قِبَل أطراف عديدين كساحة لتصفية الحسابات.