واضحاً كان دونالد ترامب في تصريحه الأخير. أكّد بقاء قواته في العراق لـ«مراقبة إيران». التصريح «استفزّ» القوى السياسية العراقية. دفع مجدّداً بتحركها البرلماني إلى إصدار قانونٍ يفرض على الحكومة الاتحادية إخراج القوات الأجنبية من البلاد، في جدولٍ زمنّي محدد. حراكٌ يأخذ طابع «مقاومةٍ دبلوماسية»، تتنصّل من خلاله القوى من أي التزامٍ بمواجهةٍ ميدانية، رغم احتفاظ فصائل المقاومة بحقّها في مقاومة الاحتلال الأميركي. «قرار المواجهة ما زال مؤجّلاً، لكنّه خيار مطروح»، تقول تلك القوى التي ترمي في خطوتها «الكرة في ملعب» عادل عبد المهدي، واضعةً إيّاه أمام تحدّي «حسم التموضع»، في رفضٍ واضحٍ منها لخطوة إمساك «العصا من الوسط»، وتكرار سيناريو حيدر العبادي، الرافص لـ«المساس» بالانتشار الأميركي.في الثالث من آذار المقبل، يفتح البرلمان العراقي أبوابه مجدّداً، مطلقاً بذلك «الفصل التشريعي الثاني» من عامه الأوّل. تحدياتٌ «بالجملة» أمام ممثلي الشعب الـ328، أبرزها الاحتلال العسكري الأميركي. بات هذا الأمر الاستحقاق الرئيس للكتل الكبرى عموماً، وخصوصاً كتلتي «سائرون» المدعومة من زعيم «التيّار الصدري مقتدى الصدر (54 نائباً)، و«الفتح» بزعامة الأمين العام لـ«منظمة بدر» هادي العامري (49 نائباً)، إلى جانب حلفاء الأخير في «تحالف البناء» من «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«المشروع العربي» بزعامة خميس الخنجر، وآخرين (يبلغ عدد هؤلاء أكثر من 40 نائباً). مجموعهم يبلغ أكثر من 140 نائباً، وهو عددٌ كافٍ لطرح قانونٍ ومن ثم مناقشته فإقراره لاحقاً، وهذا ما برز أمس، مع إعلان «سائرون» عن «جمع 100 توقيعٍ نيابي، لتشريع قانون إخراج القوّات الأجنبية خلال الجلسات الأولى، من الفصل التشريعي الثاني»، ودعوة الكتل إلى «الإسراع في هذه الخطوة، بعيداً عن الضغوطات الخارجية والداخلية».
«سائرون» تصدّرت الحراك النيابي القائم لإخراج القوات الأجنبية المنتشرة على طول الجغرافيا العراقية. عديد تلك القوات يربو على 20 ألفاً، وفق تقديراتٍ ميدانية حكومية وغير حكومية، غير أن بغداد تلتزم بإعلان واشنطن أن عديد القوات المنتشرة تحت عنوان «التحالف الدولي» (على اختلاف جنسياتها)، لا يتجاوز 10 آلاف عسكري، للولايات المتحدة الأميركية «حصّة الأسد» منها بأكثر من 6 آلاف جندي. هذا الحراك، سبق أن أعلن عنه رئيس الكتلة صباح الساعدي، أواخر الشهر الماضي، في بيانٍ أوضح فيه مقترح القانون المرفوع إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. يدعو المقترح إلى «إنهاء الاتفاقية الأمنية (صوفا، المعنية بتنظيم عملية الانسحاب الأميركي من العراق)، وإلغاء القسم الثالث من اتفاقية الإطار الاستراتيجي (المعنية بتنظيم عملية التعاون العسكري والأمني بين العراق وأميركا) الموقعتين بين العراق والولايات المتحدة» عام 2008.
يعدُّ نوّاب «الفتح» قانوناً مماثلاً يتلاقى مع المقدّم من قِبل «سائرون»


ما سُرّب خلال اليومين الماضيين أن القانون المقدّم من «سائرون» يتضمن 9 مواد؛ تلزم المادة الأولى بـ«تبليغ خطي لإنهاء العمل بالاتفاقية الأمنية فور نفاذ القانون»، فضلاً عن «إلغاء القسم الثالث من اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وتتخذ الحكومة كافة الإجراءات المناسبة لإدخال هذا الإلغاء حيّز التنفيذ خلال عام من تاريخ نفاذ القانون». كذلك، ألزم مشروع القانون الحكومة العراقية بـ«إخلاء القوات الأميركية لجميع القواعد العسكرية، وتسلمها، ومنع إيجاد أي قواعد عسكرية أجنبية في العراق».
«سائرون»، حرص طوال الأيّام الماضية على التأكيد أن «الفصل التشريعي الثاني» سيشهد ولادة قانون إخراج القوات الأميركية، لارتباطه بأمرين أساسيين:
1- تمسّك «سائرون»، ومن خلفها الصدر، بموقفها من قضية الاحتلال الأميركي والعداء له، لأنها الثابتة الأولى في رؤية الصدر السياسية.
2- التزام «سائرون» بكافة البرامج والشعارات المرفوعة سابقاً، تكريساً لمصداقيتهم أمام الجمهور، وذلك أن المقترح كان أوّل عناوين «أجندة» الكتلة (كان لـ«الفتح» دعوات مماثلة في التوقيت عينه)، قبيل تكليف عادل عبد المهدي بتشكيل حكومته.
ما زاد من «زخم» الدعوة إلى إنهاء الاحتلال الزيارة الخاطفة للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى «قاعدة عين الأسد الجوية» في الأنبار، في 26 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ومن ثم تصريحاته أوّل من أمس، وتأكيده الإبقاء على انتشار قواته في العراق، بهدف «مراقبة إيران»، والإعلان عن «انضمام بعض الجنود الأميركيين المنسحبين من سوريا إلى القوات الأميركية الموجودة في العراق».‎
الساعدي، كرّر أمس دعوته، معتبراً إصدار القانون «ضرورة وطنية بعد تصريحات ترامب الأخيرة»، لأن الهدف منه «الحفاظ على السيادة الوطنية، التي تنتهك مراراً بسبب ممارسات القوات الأميركية ووجودها».
أما «البناء» ـــ وتحديداً «الفتح» ـــ فليس بعيداً عن خطوةٍ مماثلة. مصادره، في حديثها إلى «الأخبار»، تؤكّد أن «نوابه يعدّون قانوناً مماثلاً يتلاقى مع المقدّم من قِبل سائرون»، إذ تنصُّ «ديباجته» على أن العراق، وبعد انتصاره على تنظيم «داعش»، لم يعد يحتاج إلى أيّ وجودٍ أجنبيٍّ، مع تنوّع تشكيلاته العسكرية التي «تتمتّع بالخبرات اللازمة، والقدرة على صدّ هجمات إرهابية، وحماية السيادة الوطنية»، فيما تتطرّق تفاصيله إلى الآتي:
1 - يدعو القانون الحكومة الاتحادية إلى إجراء مسحٍ دقيقٍ لمعرفة أرقام العسكريين الأجانب العاملين في العراق، إلى جانب أماكن انتشارهم.
2 - يؤكّد القانون وضع جدولٍ زمنيٍّ ينظّم عملية انسحاب القوات الأجنبية، في مدةٍ لا تتجاوز سنة واحدة.
3 - يدعو القانون إلى خروج القوات الأجنبية كافةً، والإبقاء على عددٍ محدود بطلبٍ من الحكومة الاتحادية، وفق «الحاجة الفعلية» للقوات المسلّحة.
في جعبة هذه المصادر سيناريواتٍ عديدة أسوأها «مماطلة» الحكومة في تنفيذ القانون. الحديث عن إقراره بات «تحصيل حاصل» بتعبيرها، مشيرةً إلى أن «الأيّام المقبلة ستشهد تقارباً بين البناء وسائرون لتوحيد الجهود، والخروج بمشروعٍ مشترك». أما «المماطلة»، التي يخاف منها، فهي تكرار عبد المهدي سلوك سلفه حيدر العبادي، في «تمييع» خطوةٍ مماثلة. العبادي، وفق المصادر، رفض في آذار 2018 المضي قدماً في أي قانونٍ من شأنه إعادة النظر في انتشار القوات الأميركية.
تبنّي عبد المهدي خطوة مماثلة، قد يؤزّم العلاقات بينه وبين القوى الداعمة له، كما تقول المصادر، خاصّةً أن التوجه الحالي هو «الاتفاق على حل قانوني لإنهاء الوجود الأجنبي في البلاد»، كما قال الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي، أمس، وتشديد أوساطٍ متابعة أنّ الموضوع «لم يعد مناورة، بل مواجهة سياسية»، مع الالتفات إلى إمكانية تدحرج «كرة النار... فتصل حدّ مواجهةٍ ميدانية ـــ مباشرة، بين فصائل المقاومة والقوات الأميركية»، بتعبير مصادر «البناء».



صالح لترامب: لا تثقلوا العراق بقضاياكم
صرّح الرئيس العراقي برهم صالح، أمس، بأن نظيره الأميركي دونالد ترامب، لم يطلب إذناً من العراق، لتقوم القوات الأميركية الموجودة على أراضيه «بمراقبة إيران». وأضاف الرئيس العراقي أن القوات الأميركية في بلاده موجودة بموجب اتفاق بين البلدين، ولها مهمة محددة، هي مكافحة الإرهاب، مشيراً إلى أنه يتعيّن عليها التزامها.
وقال صالح: «لا تثقلوا العراق بقضاياكم. الولايات المتحدة قوة كبرى، لكن لا تسعوا وراء أولويات سياساتكم، فنحن نعيش هنا». وأكد صالح أن «من مصلحة العراق الأساسية أن تكون له علاقات طيبة مع إيران» ودول الجوار الأخرى.
في غضون ذلك، أشار المفتش العام في وزارة الدفاع الأميركية إلى أن «تنظيم داعش لا يزال جماعة نشطة، ويستعيد نشاطه وقدراته في العراق بسرعة أكبر منه في سوريا». وأفاد تقرير صادر عن البنتاغون بأنه «في غياب الضغط المتواصل، من المرجّح أن يعود تنظيم داعش للصعود مجدداً في سوريا، في غضون ستة أشهر إلى 12 شهراً، ويستعيد مناطق محدودة». وذكر التقرير، نقلاً عن معلومات من القيادة المركزية الأميركية، أن «داعش» سيصوّر الانسحاب على أنه «انتصار»، ويشنّ هجمات على العسكريين الأميركيين خلاله.
(رويترز)