مبهمةً وعمومية جاءت الرواية الرسمية لزيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى «قاعدة عين الأسد الجوية» في محافظة الأنبار. غموض دفع قوى سياسية عديدة إلى التشكيك في ما أعلنه مكتب رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، والحديث عن رضوخ الأخير للضغوط الأميركية، والقبول بـ«انتهاك السيادة العراقية»، خصوصاً أن زيارة ترامب وسمها عنصرا المفاجأة والسرية. لكن، ووفقاً لمصادر مطلعة تحدثت إلى «الأخبار»، فإن البيان الرسمي لم يكن بعيداً بالمطلق عمّا جرى واقعاً، وإن حاول في الظاهر تلافي أي عنصر يمكن أن يدين الجانب الأميركي بوضوح. صباح الأربعاء، طلب السفير الأميركي في بغداد، دوغلاس سيليمان، موعداً مستعجلاً من عبد المهدي لـ«أمر خاص وضروري». انعقد اللقاء عند العاشرة صباحاً، وأبلغ سيليمان خلاله عبد المهدي أن ترامب يعتزم زيارة العراق في الساعات المقبلة، وتحديداً «قاعدة عين الأسد»، لمشاركة الجنود الأميركيين هناك «فرحة عيد الميلاد»، طالباً إليه أن يتوجّه إلى القاعدة المذكورة للقاء ترامب. لكن عبد المهدي، الذي رحّب بالزيارة، اشترط للقاء الرئيس الأميركي ما يأتي:1- أن يكون اللقاء الثنائي في العاصمة بغداد.
2- أن يكون وفق البروتوكول العراقي، أي باستعراض القوى العسكرية العراقية فقط، ورفع العلم الوطني العراقي، على غرار الاستقبال السابق لرئيس الوزراء الاسترالي قبل أيام.
3- أن يكون التصريح عراقياً فقط، ولا يتطرّق الجانب الأميركي إلى الحديث عن العقوبات الأميركية على إيران، و«وصف العراق بأنه جزء من هذه المنظومة».
استمهل سيليمان، عبد المهدي، للحصول على إجابة من مسؤولي بلاده. لكن الجواب سرعان ما جاء بالرفض، على اعتبار أن الرئيس، و«لدوافع أمنية»، لا يستطيع الخروج من القاعدة. رفض عبد المهدي مجدداً هذا الطرح، مُقدِّماً «حلاً وسطاً ومكاناً بديلاً» لعقد اللقاء. وقع اختيار الجانب العراقي على مبنى محافظة الأنبار، على اعتبار أن القاعدة الجوية منشأة عسكرية، في حين أن لقاءً من هذا النوع يجب أن يكون داخل مبنى حكومي. غير أن الطرف الأميركي أصرّ على البقاء في القاعدة، وهو ما حال دون التوصل إلى حلّ، ودفع عبد المهدي إلى رفض التوجه إلى الأنبار. وعلى رغم أن عدداً من مستشاريه دعوه إلى الرجوع عن قراره، إلا أنه أبدى تمسكاً به.
سيتمّ طرح مشروع القانون قريباً على لجنة الأمن والدفاع البرلمانية


ومع اقتراب موعد وصول الطائرة الرئاسية (عند الساعة 7.16 مساءً)، طلب الأميركيون إذن هبوط لمدة 3 ساعات، فتمّ منحهم إياه، في وقت رفعوا فيه درجة الاستنفار في المنطقة الغربية. إجراءات عبّر ترامب عن امتعاضه منها بالقول إنه «من المحزن جداً عندما تنفق 7 تريليونات دولار في الشرق الأوسط، ثم يتطلّب الذهاب إلى هناك كل هذه السرية الهائلة والطائرات حولك، وأعظم المعدات في العالم»، لافتاً إلى أن «زيارتين ألغيتا سابقاً بعد تسرّب أنباء عنهما».
من جهتها، تقول مصادر مقربة من عبد المهدي إن ترامب أبدى رغبته في انعقاد اللقاء في بغداد، لكن «حجة الأميركيين كانت الاحتياطات الأمنية، والإجراءات المشدّدة من قبلهم، وضيق الوقت، فتم الاكتفاء بالاتصال»، مضيفة في حديثها إلى «الأخبار» أن «زيارات سريعة كهذه تكون مخصّصة للاحتفال مع الجنود، ولو تم اللقاء لكان بروتوكولياً وسريعاً من دون الخوض في تفاصيل أخرى». وهنا، يطرح سؤال عن سبب عدم قيام الحكومة بالإعلان عن الزيارة ما دامت علمت بها، ليأتي الجواب أن «كل المسؤولين الغربيين يطلبون أن لا نعلن عن الزيارة إلا بعد مغادرتهم... وهذا سبب تأخرنا في النشر وعرض الاستقبالات».
وعلى رغم التبريرات التي ساقتها الحكومة، إلا أن ذلك لم يمنع استمرار صدور المواقف المُندّدة بزيارة ترامب، وبالتجاهل الأميركي للسلطات العراقية، والداعية إلى اتخاذ موقف حازم إزاء الإدارة الأميركية. في هذا الإطار، يؤكد مصدر من داخل تحالف «الفتح»، المُمثّل لـ«الحشد الشعبي» في البرلمان، أن مشروع القانون الداعي إلى إنهاء وجود القوات الأجنبية في البلاد سيتمّ طرحه قريباً في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية بهدف الانتهاء من صياغته، لافتاً إلى أن زيارة ترامب «ستؤثر على الصيغة النهائية لناحية إضافة مواد محددة». ويضيف المصدر أن «المشروع، في حال تم إقراره، سيكون فوق الجميع ولا يحق لأحد تجاوزه»، معرباً عن اعتقاده بأن «الأميركيين سيستخدمون أوراق الضغط لتغيير مواد القانون لا لعدم تنفيذه». ويشير إلى أن «موقفنا من بناء القواعد الأميركية ثابت ولا يتغير، وهو رفض وجود أي قواعد عسكرية لأي قوات أجنبية، ولذلك سنعمل على تشريع القوانين التي تمنع أي طرف من السماح بمثل هذه المخالفة القانونية». ويشدد على أن «التعامل مع قضية الوجود الأميركي يجب أن يكون وفق الدستور والسيادة الوطنية، ومن خلال استخدام القانون والتشريعات، وذلك سيقلّل من تداعيات الخروج الأميركي على الواقع العراقي الذي لا يزال هشّاً من الناحيتين السياسية والاقتصادية».