يتواصل الحراك السياسي «المحموم» في المنطقة الخضراء في قلب العاصمة العراقية، حيث تتكثّف اللقاءات والوساطات والمفاوضات، وتتقاطع الرسائل من أربيل والنجف وغيرهما من «عواصم» القوى العراقية، وبعضها أحياناً من خارج الحدود. لكن مرحلة جديدة دخلتها الاتصالات بين الأطراف، تختلف عن الأجواء التي سادت عقب انتهاء الفرز اليدوي للانتخابات، وتحديداً منذ اجتماع فندق بابل الأخير. وقتها، حضر زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، الاجتماع، ليكتشف، كما حال رئيس الوزراء حيدر العبادي، حقيقة كانا يراهنان على خلافها، وهو أن لائحتَي «سائرون» (الصدر) و«النصر» (العبادي) تملكان نواة «الكتلة الأكبر» التي ستتمكّن من تسمية رئيس الوزراء الجديد.دخل الصدر الاجتماع ليلحظ أن مقعد المكوّن «السنّي» فارغ، وكذلك حال المقعد الكردي. غياب التمثيل الكردي و«السنّي» بالشكل الذي كان وُعد به الصدر بدا أشبه بـ«فخّ» أدى إلى تلاشي إمكانية إسهام زعيم «التيار الصدري» في تشكيل الكتلة الأكبر وفق المنطق الذي نادى به، أي على قاعدة ائتلاف وطني موسّع بعيد من الطائفية. وهو ما دفع الصدر إلى اتخاذ قرار الانسحاب من المفاوضات والانكفاء مؤقتاً وإبلاغ المعنيين أنه سيقبل بأي واقع سياسي «جامع وتوافقي» يتشكّل، وفق ما تشير إليه مصادر مطّلعة. وإن كان غياب الصدر عن المشهد وانسحابه بهدوء ردّ فعل على اجتماع فندق بابل، إلا أنه لا يمكن اعتبار القرار «الصدري» انسحاباً من «اللعبة» بالكامل، بحسب ما تؤكد المصادر، التي لا تستبعد مشاركة «التيار الصدري»، صاحب التمثيل الوازن، في الحكومة المقبلة بصورة أو بأخرى.
قرّر الصدر الانكفاء وعدم متابعة الاتصالات السياسية وعدم متابعة الاتصالات السياسية


على خلاف أجواء الصدر، كان ردّ الفعل «عنيفاً» من قِبَل رئيس الوزراء ورئيس ائتلاف «النصر»، بإقالته مستشار الأمن الوطني ورئيس هيئة «الحشد الشعبي»، فالح الفياض، من جميع مناصبه. قرار العبادي يؤكد محصّلة اجتماع فندق بابل، وهي أن القوى الكردية و«السنية»، فضلاً عن أكثرية «شيعية»، باتت «على الضفة الأخرى»، وتقترب ـــ عبر تفاهمات بينها ـــ من تشكيل «الكتلة الأكبر». وفق مصادر «الأخبار»، فإن غالبية «سنية»، على رأسها السياسي خميس الخنجر، وأكثرية كردية يمثلها التحالف الكردي، إلى جانب قوى منضوية في ائتلاف «النصر»، مع ائتلافَي «الفتح» و«دولة القانون»، باتوا يملكون أكثرية مطلقة في البرلمان، أي إن الكتلة البرلمانية، المُرجَّح إعلانها في وقت قريب، تشير أرقامها إلى أكثرية «شيعية»، فضلاً عن أكثرية من باقي المكونات. وتؤكد المصادر لـ«الأخبار» أن الاتصالات بين هذه القوى اقتربت من خواتيمها، فيما بقي بعض العوائق.
ويبدو أن ما يعيق إعلان «الكتلة الأكبر» حتى الآن هو سيناريو «إخراج» هذا الإعلان أكثر من أي شيء آخر، بما يماثل الطريقة التي أعلن بها رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، ترشيح العبادي في 2014، وإن كانت خطوات رئيس الوزراء الأخيرة أوصلت مؤشرات سلبية حول إمكانية اقتناعه بخيار لا يلحظ التوافق على اسمه لولاية ثانية. مع ذلك، يبحث الأطراف في طريقة تسمية رئيس «الكتلة الأكبر»، والجهة التي بإمكانها أن تبادر إلى ذلك، بما يؤمّن مناخاً مساعداً لنجاح هذه الكتلة ورئيسها. بعبارة أخرى، ثمة إصرار في كواليس المفاوضات على إرضاء جميع الأطراف، وعدم الذهاب إلى مشهد «غالب ومغلوب» أو كسر أي طرف، وهو ما يتطلّب الاستحصال على تسوية تؤمن أكبر قدر من التفاهمات، التي قد يستغرق الوصول إليها وقتاً إضافياً.
أما على صعيد الترشيحات لرئاسة الحكومة، فتنحصر في ثلاثة أسماء: رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، رئيس تحالف «الفتح» هادي العامري، ومستشار الأمن الوطني المقال فالح الفياض. الأخير، الذي تتوجه إليه الأنظار الآن، يبدو الأوفر حظاً بين المرشحين الثلاثة، في ظلّ حصوله على تأييد كاف غير معلن من الكتل «السنية» والكردية، فضلاً عن تأييد أكثرية «شيعية» باتت شبه محسومة بعد اشتباكه السياسي مع العبادي. فضلاً عن ذلك، يتمتّع الفياض بمواصفات سياسية تُؤهّله للعب دور رئيس الوزراء في المرحلة الحساسة، وفي مقدمها قدرته على التواصل مع مختلف الأطراف الإقليميين والدوليين.