تخوض إيران هذه الأيام، إلى جانب معركتها المفتوحة في المنطقة ضد واشنطن وتل أبيب، مواجهتين جانبيتين: الأولى في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما الثانية معركة رأي عام دولي تحاول كسبه عبر محاكمة دولية، تُعد لها طهران بجهد، لإدانة أميركا على ما ترتكبه من جرائم بحق الجمهورية الإسلامية. في المواجهة الدائرة رحاها في فيينا، تقف إيران في موقع الدفاع في وجه سلسلة من الاتهامات عن جهود إيرانية مزعومة لعسكرة البرنامج النووي، تستند إلى معلومات قديمة يؤكد خبراء دوليون أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الموساد» هو من سربها إلى وكالة الطاقة. أما في المواجهة الثانية، فتقف إيران في موقع الادعاء، متسلحة بأكثر من مئة وثيقة، سبق أن كشف عنها مرشد الثورة علي خامنئي، مؤكداً أنها تدين الولايات المتحدة.
مصادر إيرانية لصيقة بالملف النووي تؤكد أن القضية الإشكالية مع وكالة الطاقة «تفصيل استخباري واستدعاء لفشل رواية جرت فصولها أيام (المدير العام السابق للوكالة محمد) البرادعي». وتوضح «كان هناك عالم فيزيائي أوكراني يدعى فياتشيسلاف دانيلينكو يعمل أيام السوفيات بالنانو تكنولوجي. يقول تقرير الوكالة إنه عمل في إيران منذ ما قبل عام ٢٠٠٣ حتى عام 2007 على التسليح النووي. وعلى أساس هذه المعلومة وجه التقرير التهمة إلى إيران بالعمل على عسكرة برنامجها النووي، لكن من أين أتت تلك المعلومة التي مثلت عصب التقرير؟». من تقرير قدمه رئيس منظمة العلم والأمن الدوليين، أي إس أي إس، ديفيد أولبرايت، وهو تقرير كشف مشكلته المؤرخ الأميركي الكبير غاريث بورتر (صاحب كتاب مخاطر الهيمنة: عدم توازن القوة والطريق إلى حرب فيتنام) في مقال على موقعه الإلكتروني www.counterpunch.org، على ما تفيد المصادر نفسها. في هذا المقال، وعند حديثه عن دانيلينكو، يتهم بورتر الاستخبارات الإسرائيلية بأنها مررت معلومات خاطئة إلى وكالة الطاقة عبر أولبرايت. ويكشف بورتر عن أن دانيلينكو لم يعمل في أي وقت من حياته في التسلح النووي، حتى عندما كان يعمل في الفيزياء الذرية أيام الاتحاد السوفياتي. ويضيف إن دانيلينكو تعاقد، عندما جاء إلى إيران في أواسط التسعينيات، مع مركز الدراسات الفيزيائية، وكانت مهمته تطوير النانو تكنولوجي. «إيران بالتأكيد مدينة له بتطوير هذا العلم، لكن لا علاقة له بالتسلح النووي»، يقول بورتر، مشيراً إلى أن التفجيرات التي تحدثت عنها وكالة الطاقة، لها علاقة بالنانو تكنولوجي، وإلى أن عملاء الموساد دسّوا هذه المعلومات من أجل أن تحيي إسرائيل موضوع الملف النووي الإيراني، لأن هذا جزء من الحرب على إيران.
وتقول المصادر الإيرانية المعنية «لقد مرروا للبرادعي أشياء شبيهة مثل كومبيوتر سُرق من إيران سلّمه الأميركيون إلى الوكالة، وقالوا إنه يحوي معلومات بالغة الأهمية. كانوا قد محوا كل المعلومات الموجودة عليه وتركوا فقط ما يعادل ٣٧ صفحة». وتضيف إن «البرادعي لم يقع في الفخ. كان يميّز بين تقارير الاستخبارات والتقارير التي يعدها مفتشوه، وكل تقرير استخباري لا يتقاطع مع معلومات مفتشيه يضعه جانباً، حتى لو أدخل الشك إلى عقله، لكنه لا يتبناه إلا بعد إجراء تحقيق للتأكد من المعلومات الواردة فيه». وتتابع المصادر إن «الفضيحة الكبرى أن التقرير الأخير للوكالة نشر على الموقع الإلكتروني لأولبرايت، قبل أن يعلنه المدير العام لوكالة الطاقة يوكيا أمانو. ومعروف أنه بحسب البروتوكول بين الوكالة والدول الأعضاء، يجب أن يُسلّم التقرير أولاً إلى هذه الأخيرة، التي تضع ملاحظاتها عليه، وتعيده إلى أمانو، الذي له الحق في أخذ الملاحظات بعين الاعتبار، أو ينشره كما هو. أمانو خرج عن المهنية والاحتراف. حتى إن دولاً أعضاءً اعترضت على ما حصل».
وتؤكد هذه المصادر أن «لدى طهران محضر اجتماع عُقد بين أمانو والمندوب الأميركي لدى الوكالة غلين دافيز، تعهد في خلاله المدير العام لهذه الأخيرة أنه لن يقدم على أي خطوة في الملف النووي الإيراني من دون التنسيق مع المندوب الأميركي واستشارته، وأنه لن يوظف أحداً في الوكالة من دون موافقته. وهذا التعهد يجعل أمانو ينشر كل ما يصله من أولبرايت». وتقدر المصادر أن «أمانو علم بما تملكه إيران، ولعل ذلك كان السبب الذي جعله يخفف من لهجته، عقب صدور التقرير، ويدعو إلى إرسال فريق من الوكالة إلى طهران لمحاورة السلطات فيها».
وكانت حركة دول عدم الانحياز، التي تضم ١٢٠ دولة، قد أكدت في بيان صدر في فيينا دعمها لأنشطة إيران النووية السلمية، مشيرة إلى أنها «تعرب عن عدم ارتياحها وقلقها العميق من التعامل الانتقائي في ما يتعلق بتوزيع تقرير أمانو على بعض الدول، الأمر الذي يتعارض مع مبدأ المشاورات في توزيع التقرير على نحو رسمي على الدول الأعضاء».
موقف دول عدم الانحياز، وتصلب روسيا والصين، لم يحولا دون صدور بيان بغالبية ٣٢ من ٣٥ عضواً في مجلس حكام الوكالة، يمثلون الدول الـــ ١٥١ الأعضاء فيها، أعرب عن «قلق عميق ومتزايد» بشأن برنامجها النووي، مطالباً طهران بالتعاون الكامل مع الوكالة لدحض «الوجود المحتمل لأبعاد عسكرية» للبرنامج، من دون التهديد بعقوبات جديدة، بعدما توصلت الدول الغربية إلى إقناع موسكو وبكين بدعم القرار بعد تخفيف لهجته. لهذا السبب، اضطرت الولايات المتحدة ومعها بريطانيا وكندا إلى الإعلان، وبصورة منفردة، عقوبات جديدة ضد القطاع المالي الإيراني يوم الاثنين الماضي.
وتستشهد مصادر إيرانية معنية بالإمام الخميني، عندما قال «الحمد لله الذي جعل أعداءنا من الحمقى»، لتضيف «لم يستوعب الغرب بعد أن العقوبات لا تُجدي معنا. هم يحاصروننا ويعاقبوننا منذ أكثر من 30 عاماً، ومع ذلك لم تحد إيران قيد أنملة عن أهدافها. نحن تعلمنا كيف نلتف على العقوبات، وهم ما استطاعوا بعد تجاوز حماقاتهم. لم يدركوا بعد أن العقوبات تزيد من وحدتنا ومنعتنا، ومن مستوى تطورنا».

محاكمة وشيكة

أما بالنسبة إلى المؤامرة المزعومة لاغتيال السفير السعودي لدى واشنطن عادل الجبير، فقد نجحت الولايات المتحدة الجمعة الماضي في انتزاع قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتأييد 106 دول، ومعارضة تسع، وامتناع 40 عن التصويت، يدعو ايران الى «التعاون مع الدول التي تسعى إلى أن تسوق امام العدالة كل الذين شاركوا في تخطيط ودعم وتنظيم ومحاولة تنفيذ المؤامرة ضد السفير».
وتقول مصادر إيرانية وثيقة الاطلاع إن «قصة الجمعية العامة ليست سوى محاولة استباقية من جانب الولايات المتحدة لما يعده الإيرانيون». وتوضح أن «طهران تعمل ليل نهار في إعداد محاكمة دولية تريد أن تضع الولايات المتحدة فيها على منصة المتهم»، مشيرة إلى أن هذه المحاكمة ستجري خارج إيران، وستضم رجال قانون ومحامين وقضاة أجانب وعرباً وإيرانيين وجمعيات حقوق إنسان «وما زيارة (مستشار المرشد) محمد جواد لاريجاني إلى نيويوك إلا للعمل على الإعداد لهذه المحاكمة».
ويفترض أن تكشف إيران، في خلال هذه المحاكمة، الوثائق التي أعلن خامنئي أن إيران تمتلكها، وأنها تدين واشنطن.
وكشفت المصادر السالفة الذكر مجموعتين من الوثائق: الأولى تثبت تورط الولايات المتحدة في محاولة تفجير القنصلية العامة الروسية في مدينة رشت، عاصمة إقليم غيلان الإيراني. وتضم هذه الوثائق اعترافات المعتقلين الذين نفذوا هذه المحاولة، وقد سلمت إلى السفارة السويسرية التي ترعى مصالح الولايات المتحدة في طهران. أما المجموعة الثانية، فتضم اعترافات أعضاء من مجموعة «تُندَر» الشاهنشاهية، ومقرها واشنطن، حاولوا تنفيذ هجوم بيولوجي وكيميائي على معرض الكتاب الدولي الذي أقيم في طهران في ٢٠٠٩، واعترف المعتقلون بأنهم تدربوا في الولايات المتحدة، التي أمّنت لهم جميع الإمدادات اللوجستية من أموال وتسليح وتدريب لتنفيذ هذه المهمة.
ومع ذلك، تؤكد المصادر أن «كل ذلك تفاصيل، نحن ذاهبون نحو حرب مفتوحة أمنية استخبارية اعلامية معلوماتية نفسية اقتصادية حتى انسحاب آخر جندي من العراق. بعد ذلك، سيجري نوع من إعادة التقويم، وتعود المنطقة لتستقر على موازين قوى جديدة. نتوقع إعادة تموضع لكثير من القوى والمواقف. هنا، إما أن تقر الولايات المتحدة بموازين القوى الجديدة، أو تكابر وتُكمل في ضغوطها، وعندها لكل حادث حديث، وإن كان الخيار الأخير يمكن أن يؤدي إلى اعادة تموضع للقوات الإيرانية».



إيران تعتقل 12 عميلاً لـ«السي آي ايه»

أعلن عضو لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني، برويز سروري، أول من أمس، أن السلطات اعتقلت 12 عميلاً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي ايه».
وقال إن العملاء كانوا ينسقون مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي «الموساد»، وغيره من المنظمات الإقليمية، بغرض استهداف البرنامج العسكري والنووي للبلاد، مضيفاً أن «جواسيس النظامين الأميركي والصهيوني كانوا يعملون على تدمير ايران من الداخل والخارج بانفجار قوي، عبر استخدام وكالات الاستخبارات الإقليمية».
وأكد أنه «لحسن الحظ، ومن خلال رد فعل سريع من جانب اجهزة الاستخبارات الايرانية، أُحبطت هذه الأعمال».
ولم يعط سروري أية تفاصيل اضافية عن جنسية هؤلاء العملاء المعتقلين أو مكان اعتقالهم، فيما رفضت «سي آي ايه» التعليق على التقرير.
(أ ب)