إسطنبول | اتخذت حملة إغاثة ضحايا زلزال محافظة فان التركية، ذات الغالبية الكردية، شعار «قلب واحد من أجل فان». شعار عاطفي وطني لم يكن كافياً لمنع بروز علامات انقسام اجتماعي وسياسي أقل ما يقال فيها إنها عنصرية تجاه أكراد البلاد عموماً، وخصوصاً أن زلزال الـ7.2 درجات على مقياس ريختر، حصل في خضمّ تعبئة وطنية ضدّ حزب العمال الكردستاني على خلفية رفع هذا الأخير لوتيرة عملياته ضد أهداف عسكرية ومدنية تركية. وبعد دقائق من اعلان نبأ حصول الزلزال المدمِّر، انتشر عدد كبير من الرسائل العنصرية على شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت، تخلص إلى أنّ «الأكراد يستحقّون ذلك»، على قاعدة أن «ما عجزت الحكومة عن تحقيقه، فعله الله»، في إشارة إلى الزلزال، وهي الرسالة التي لاقت أكبر حجم من التداول على موقع «تويتر». أكثر من ذلك، تبادل روّاد موقع «فايسبوك»، صاحب الانتشار الكبير بين الأتراك مثلما هي الحال على الصعيد العالمي، عبارة حرفيتها أن «94 في المئة من سكان محافظة فان صوّتوا (في انتخابات 12 حزيران الماضي) لحزب السلام والديموقراطية (الذي يُعتبر الحزب الكردي القومي المعترف به في البلاد والمقرب من العمال الكردستاني)، لذلك نأسف للستة في المئة الباقين». وراجت هذه العبارة بسرعة البرق على موقع التواصل الاجتماعي الأول، علماً أن المعلومة التي احتواها خاطئة أصلاً، بما أن «السلام والديموقراطية» لم ينل في محافظة فان إلا 39 في المئة من أصوات المقترعين. أما أبرز التعليقات والحملات التركية التي فضّل أصحابها تحاشي الشماتة بالأكراد وبمصيبتهم، في مقابل إظهار قدر كبير من الشوفينية التي تدنو من حد العنصرية، فقد حثّت على: «فلنجمع الكثير من المساعدات، لنظهر «لهم» ماذا يمكن لقلب تركي كبير أن يفعله»، في رسالة تميّز بين الأتراك والأكراد على قاعدة أن الأتراك أرفع شأناً من مواطنيهم الأكراد. ولم تنحصر التعليقات العنصرية أو القومية المتطرفة الشوفينية في حدود مواقع الانترنت، بل بلغت ذروتها وانفجرت في العلن عندما أعربت مقدمة البرامج التلفزيونية الشهيرة، موغو أنلي، في برنامجها السياسي الحواري المباشر، الذي يحظى بحضور قوي ضمن البرامج التركية، عن انزعاجها من أنّ «عناصر الشرطة التركية ورجال الاسعاف سارعوا إلى مساعدة الأكراد رغم أن هؤلاء هم من يرشقونهم بالحجارة». ولم تكتفِ مقدمة البرامج بهذا الحدّ، بل وصل بها الأمر إلى التعبير عن أملها أن يكون هذا الأمر «درساً للأكراد»، وذلك بينما كانت عمليات الاسعاف جارية على قدم وساق.وقد دخلت المشاعر العنصرية والصراعات القومية إلى صلب موضوع المساعدات المرسلة إلى أهالي فان المنكوبة. ومن بين أكثر المواضيع التي تثير السجال حالياً بين الأتراك على موقع «تويتر»، هي حملة «لا تقدموا المساعدات لمنظمة سارماشيك». و«سارماشيك» هي منظمة انسانية كردية تتخذ من دياربكر مقراً لها، وتملك «بنك طعام» يقدم المساعدة لـ2006 عائلات. وتقوم الحملة الحالية الداعية إلى مقاطعة هذه المنظمة على ادّعاء أنّ أي مساعدة تقدَّم لها على أساس أن تُحوَّل إلى ضحايا زلزال فان، «ستذهب فوراً إلى حزب العمال الكردستاني». أمر دفع الجمعية المذكورة إلى الردّ على هذه التهم بإصدار بيان يكشف أنّ من بين أعضائها المؤسِّسين نوّاباً من حزب «العدالة والتنمية» وكبير أحزاب المعارضة التركية الكمالية «الشعب الجمهوري».
مشاعر عنصرية قديمة ــ جديدة أرغمت الطاقم السياسي في البلاد على الخروج عن صمته؛ فحتى زعيم حزب الحركة القومية التركية، دولت بهشلي، الذي يوصَف بأنه حزب فاشي حقيقي، أدان هذه التصريحات والتعليقات، قائلاً، في خطاب له أمام نواب حزبه (الـ53)، إنّ «المقاربات التي تفيد بأننا بكينا كثيراً (على القتلى الأتراك الذين سقطوا على يد العمال الكردستاني) والآن جاء دورهم ليبكوا، غير مقبولة». وفي الجبهة الكردية، وصف زعيم الحزب الكردي «السلام والديموقراطية»، صلاح الدين ديميرتاش، هذا السلوك بأنه «عنصري»، مشدداً على أولوية تعزيز التضامن بين الأتراك، ومعرباً عن شكره لجهود الاغاثة في الوقت نفسه. أما رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، فقال بدوره، في خطابه للأمة، إن «السلوك التمييزي غير انساني». لكنّ هول المأساة لم يحل دون تبادل الحكومة والحزب الكردي «السلام والديموقراطية» الاتهامات حول جهود إغاثة المنكوبين. وقال أردوغان إن الحزب المذكور «يحاول تحقيق مكاسب سياسية» من زلزال فان، لافتاً إلى أن البلديات التي يحكمها «السلام والديموقراطية، السريعة في تنظيم تظاهرات، لا تظهر سرعتها هذه في تقديم المساعدة» بهذه الأزمة الانسانية. كلام ردّ عليه ديميرتاش باتهام محافظ فان، منير كارا أوغلو، بأنه يتصرف في هذه الأزمة وكأنه محافظ حزب «العدالة والتنمية»، بدليل أنه لم يتجاوب مع طلبات رئيس بلدية فان. وتفتح هذه التصريحات الباب أمام النقاش الدائر حالياً حول آلية التعاطي مع الأزمات والكوارث الطبيعية، ذلك أن زلزال فان هو الكارثة الأولى التي تُطبَّق عليها النظم التي وضعتها الحكومة لمعالجة مثل هذه الحالات، والتي تقوم على مركزية المساعدات والاغاثة، وحصرها بالمحافظات لا بالبلديات. من هنا، تتولّد مشاكل كبيرة في توزيع المساعدات، وهو ما ركّزت عليه مصادر المعارضة، التركية والكردية، لتشنّ حملات ضدّ أداء حكومة أردوغان و«تقصيرها».
وفي حديث مع «الأخبار»، اختصر أوزتورك تورك دوغان، رئيس جمعية حقوق الانسان، التي تتصدر المنظمات التي تجمع المساعدات لضحايا الزلزال، الموضوع بالاشارة إلى أن «هذه الآلية المركزية في الاغاثة والصراعات السياسية بين محافظة فان والبلدية، جميعها عوامل تؤدي إلى إلحاق الضرر بالضحايا». وقال «هناك مركزان للمساعدات، المحافظة والبلدية التي تعرف تفاصيل وحاجات أحيائها أكثر من المحافظة»، لافتاً إلى ان «الصراع بين الجهتين وغياب التنسيق بينهما لا يساعد في تحسين الوضع».



منازل إسرائيليّة جاهزة

أخيراً وافقت تركيا على عروض المساعدات الخارجية لإغاثة منكوبي زلزال محافظة فان التركية، وقبلت استقبال طائرات أجنبية من 12 دولة من بينها إسرائيل التي كانت أول دولة تعرض مساعدة رفضتها أنقرة في البداية، مثلما رفضت عروض مساعدات من 30 دولة على قاعدة أن أنقرة قادرة على القيام بواجباتها وحدها. ووصلت يوم أول من أمس طائرة إسرائيلية محملة بسبعة منازل جاهزة لإيواء عائلات تركية من فان. وكشف المسؤول في السفارة الإسرائيلية لدى انقرة نزار عامر أنّ 3 طائرات إسرائيلية محملة بالمساعدات ستصل إلى أنقرة خلال الأيام الثلاثة المقبلة لنقلها إلى فان. وكانت وزارة الخارجية التركية قد أعلنت أنها وافقت على عروض مساعدة من 12 دولة، مشيرة إلى ان الطائرات الإسرائيلية والاوكرانية والفرنسية كانت أولى الواصلات، إضافة إلى آلاف الخيم والمساعدات العينية التي أرسلتها منظمات الاغاثة التابعة للأمم المتحدة، التي تجاوبت مع نداء الاستغاثة الذي وجهته تركيا للعالم قبل يومين. لكن الثلوج التي غطّت أجزاء من شرق وجنوب شرق تركيا، من بينها فان تصعّب المهمة وتزيد من صعوبة وضع المشردين من منازلهم، وخصوصاً ان هزات ارتدادية لا تزال تضرب المنطقة.