بعد سَكرة الخبر، المفاجأة التي هبطت على الأميركيين منذ أيام، جاءت «فَكرة» قياس حجم الحدث وأبعاده والسؤال عن الرسالة التي تريد الولايات المتحدة إيصالها للنظام الايراني. التشكيك في تفاصيل الرواية الأميركية لا يزال مستمراً، لكن معظم افتتاحيات الصحافة الاميركية والمقالات المنشورة أمس قفزت فوق تلك النظريات وسلّمت جدلاً بالرواية وصفّقت لباراك اوباما وسألت: من يقف وراء العملية؟
ماذا لو كان المرشد الأعلى نفسه؟ ماذا يجب أن نفعل إذاً؟ بعد يوم حافل من الروايات والبيانات المصعّدة وإصرار الإدارة الأميركية على الاتهام ونفي الايرانيين واستنكار السعوديين، أدرك الصحافيون الأميركيون حساسية الوضع فتحوّل التشكيك عند البعض الى مجرد تساؤل، فيما سارع البعض الآخر الى نبش السجل الأسود لإيران ـــــ الجاهز أصلاً ـــــ والانقضاض «بسهولة» على متهم هو عدو لدود و«راعٍ للإرهاب» وعضو في «محور الشرّ» ويمتلك برنامجاً نووياً.
الحيرة التي سببتها الرواية «الهوليوودية» بقيت ظاهرة في التغطيات الاعلامية، لكن الاهتمام تحوّل الى موضوع آخر استراتيجي ـــــ سياسي بحت يميل الى تحقيق المصالح الأميركية أولاً ويدعم أوباما لأنه، و«لحسن الحظّ، ليس جورج والكر بوش».
افتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز» تعكس تماماً هذه الاجواء المشككة لكن المؤيدة لكل تصعيد ضد إيران. الافتتاحية تصف الاتهامات الموجهة لإيران بأنها «غريبة وتسبب القشعريرة». الكاتب يعطي للشكّ هامشاً صغيراً، لكنه يردف بسرعة أن «المسؤولين الأميركيين يصرّون على امتلاكهم دليلاً قوياً»، ليتبنى لاحقاً الرواية فـ«يشكر ربّه لأن تاجر المخدرات المكسيكي الذي تعامل معه أربابسيار كان عميلاً لوكالة مكافحة المخدرات الاميركية». لذا، تستنتج الصحيفة أنه «حان الوقت لاميركا وحلفائها أن يبذلوا كل ما بوسعهم للضغط اقتصادياً ودبلوماسياً فيعزلوا إيران ويوقفوا طموحاتها النووية». وبعد التسليم بتفاصيل المؤامرة ينتقل الكاتب إلى السؤال «مَن في إيران مسؤول عن هذا المخطط؟». لكن الكاتب يعبّر عن «ارتياحه» وثقته بقيادة الرئيس الاميركي للأمور واتخاذه القرارات «لأنه ولحسن الحظ ليس سلفه (جورج والكر بوش)».
الاشارة الى العهد البوشي السابق وما تخلله من أخطاء سياسية واستراتيجية وردت في أكثر من مقال، حيث رأى المحللون أن موقف الادارة الاميركية والاستخبارات تحديداً، تشوبه بعض الهشاشة، نظراً لفضيحة التقارير المغلوطة عن أسلحة الدمار الشامل في العراق عام 2003.
الدفاع عن الرئيس الأميركي وفريقه والاستماتة في الردّ على المشككين في الرواية المسربة جاء في افتتاحية «واشنطن بوست». الصحيفة فنّدت «الأدلّة» التي يملكها مكتب التحقيقات الفدرالية والتي من شأنها دحض كل النظريات المشككة: مبلغ مئة ألف دولار محوّل الى رصيد المشتبه فيه، تسجيل هاتفي يكشف اتصال أربابسيار بأحد الاشخاص في إيران تبيّن أنه ينتمي الى فيلق القدس. «بوست» دافعت أيضاً عن «مكانة» السفير السعودي «المستهدف» التي وضعت أيضاً قيد التشكيك، فأشارت الى أن عادل الجبير هو كبير المستشارين السياسيين للملك عبد الله وهو أحد وجوه التواصل الاساسية بين المملكة والولايات المتحدة... الصحيفة عددت أيضاً بعض «العمليات الارهابية» التي قامت بها إيران و«فيلق القدس» في الماضي من الأرجنتين الى السعودية الى العراق وأفغانستان، لتستنتج أن العملية المرجّحة «غير مستبعدة عن أداء إيران التاريخي». ودفاعاً عن إدارة أوباما تقول الافتتاحية «من الصعب القول إن إدارة أوباما فبركت الموضوع لتدخل في مواجهة مع إيران». لكن الصحيفة لم تكتف بالدفاع بل سرعان ما انتقلت الى الهجوم بالطلب من الادارة الاميركية مباشرة أن «تذهب بردّها أبعد من العقوبات» التي أعلنت أول من أمس، «لأن هناك حاجة إلى أفعال أميركية أقوى تجاه إيران». وبنَفَس هجومي مماثل، طلب مايكل روبن في مجلة «كومنتيري» من الولايات المتحدة فرض عقوبات على البنك المركزي الايراني أو تنفيذ عمليات عسكرية محدودة كالتي أمر بها رونالد ريغن عام 1988 في الخليج الفارسي. ويقول إن «الحل الوحيد لإحلال الاستقرار في المنطقة هو بأن يفهم الايرانيون أنهم لن يستطيعوا تحمّل أثمان أفعالهم».
«ذي أتلانتيك» رأت، من جهتها، أن المخطط الايراني ـــــ اذا ثبتت صحته ـــــ «تخطى الخطوط الحمر التي رسمتها هجمات 11 أيلول». وتضيف أن إيران أسقطت عنها صفة «الشريك العقلاني» الذي يطوّر برنامجاً نووياً سلمياً. «الحرب» وردت أيضاً في مداخلة لسيمون هندرسون، في «فورين بوليسي»، حيث لخّص الوضع بالقول إن «الحرب الباردة بين السعودية وإيران تزداد حماوة» لذا علينا الآن ترقّب ردود فعل الايرانيين والسعوديين.