لا تزال الولايات المتحدة الأميركية قلقة على مستقبل العلاقات بين حليفيها الوثيقين في الشرق الأوسط، إسرائيل وتركيا. وهي تسعى في هذه الأيام تحديداً إلى تسوية الخلافات بينهما للحؤول دون تفاقم الأزمة التي أخذت منحى تصعيدياً في الآونة الأخيرة. لذلك بادرت إلى تقديم اقتراح جديد لتسوية الأزمة يقوم على «اعتذار متبادل»، خلال مكالمة هاتفية بين الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، أمس، أنَّ الاتصالات بين الجانبين الإسرائيلي والتركي تجدّدت أخيراً بمبادرة من واشنطن لـ«تسوية الخلاف الدبلوماسي». وبحسب هذه المبادرة الأميركية، يكون الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز «الذي يتمتّع بقبول عالمي»، كما يراه الأميركيون، أساس هذه المبادرة والتسوية. لكن مصير هذه المبادرة لا يزال قيد المجهول مع عدم إعلان موقف تركي واضح منها بعد.

ويتكوّن سيناريو الاقتراح الأميركي الذي عُرض على الجانبين الإسرائيلي والتركي، وصودق عليه إسرائيلياً فقط، من الآتي: أن يجري اتصال هاتفي بين بيريز ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وتتضمن المحادثة بين الاثنين «اعتذاراً متبادلاً» بشأن أحداث أسطول الحرّية. وأكّدت مصادر إسرائيلية أنَّ الأتراك رفضوا الفكرة مبدئياً، وأبدوا تصميمهم على أن يكون هناك اعتذار إسرائيلي واضح، ودفع تعويضات لعائلات القتلى، وفكّ الحصار البحري عن قطاع غزة. لكنَّ الإسرائيليين رفضوا هذه الفكرة جملة وتفصيلاً.
رغم هذا، فقد نقلت الصحيفة عن مصادر إسرائيلية قولها إنَّ الأتراك لم يرفضوا القضية في المبدأ، و«أبقوا الباب مفتوحاً». وأضافت المصادر نفسها أنَّ خطاب أردوغان في الأمم المتحدة كان علامة على هذا، حين قال إنه لا شيء عند الشعب التركي ضدّ الشعب الإسرائيلي، بل ضدّ الحكومة العبرية.
وبحسب المصادر الإسرائيلية، فإنَّ تصريحات أردوغان جاءت لتخلق «فصلاً بين حكومة بنيامين نتنياهو وبيريز». ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي تأكيده أنَّ هناك اتصالات جارية بين الجانبين في محاولة للتوصل إلى تسوية «على الرغم من هجوم أردوغان الفظ». وبحسب الصحيفة، فإنَّ «إسرائيل قرّرت عدم الانجرار وراء هجوم أردوغان والتعاطي معه ككلب ينبح ولا يعضّ». وأضافت أنَّ إسرائيل طلبت من الأميركيين كبح تعامل أردوغان معها، محذّرة من أنّه إذا واصل أردوغان تهديداته، فمن شأن الأمور أن «تخرج عن السيطرة». ووصلت هذه الرسالة أيضاً إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما، وفقاً لـ«يديعوت أحرونوت».
وكان نتنياهو قد تمهّل لأيام قبل أن يطلق أول من أمس تصريحات ردّاً على تصريحات أردوغان في الأمم المتحدة، بحيث وصفها بأنها «تحريضية وكاذبة وفضائحية ولا علاقة لها بالحقائق». وتابع بالقول «إن الكارثة (المحرقة النازية) هي الجريمة الأكبر ضد أبناء شعبنا، والحقيقة أنَّ آلاف الإسرائيليين قتلوا نتيجة الإرهاب الفلسطيني». وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإنَّ أردوغان كان قد صرّح في الأمم المتحدة بأنَّ إسرائيل «تستغل المحرقة النازية لتصوير ذاتها كأنها ضحية».
في المقابل، فإن المبادرات وما حولها، على ما يبدو، لا تُقنع وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان. فقد شنّ أمس هجوماً لاذعاً على الحكومة التركية بقوله إن «لدينا مشكلة مع القيادة التركية التي تدعم وتحسّن التنظيمات الإرهابية»، مبيّناً أن «حقوق الإنسان في تركيا أسوأ من إيران، وهي تحتجز عدد الصحافيين الأكبر في العالم».
وفي السياق، ذكرت صحيفة «ميلييت» التركية، على لسان الصحافي سميح أيديز، أن تركيا كانت تتجه على نحو متزايد إلى التقرب من الدول العربية، إلا أن المساومات الدبلوماسية المكثفة التي تواصلها مع الولايات المتحدة تثبت أنها لا تستطيع الاستغناء عن حليفها التقليدي. وقال أيديز «نردد أن تركيا تلتفت بنحو متزايد إلى العالم العربي وإيران وتبتعد عن إسرائيل، لكننا ننسى أنها تبقى حليفاً قوياً للأميركيين».
لكن رغم العلاقات الطيبة بين الولايات المتحدة وتركيا، شدّد أيديز على أن تركيا تجاهلت طلبات واشنطن التي دعتها إلى «إصلاح» علاقاتها مع الدولة العبرية، في مقابل استمرار هذا التعاون بين البلدين بشأن سوريا، حيث قالت الصحيفة إن الرئيس الأميركي طلب من أردوغان، خلال لقاء على انفراد الأسبوع الماضي، ممارسة «المزيد من الضغوط» على النظام السوري. وتجاوب أردوغان مع هذا الطلب، معلناً على الفور وقف الحوار مع النظام السوري.