لم تكن معركة السيطرة على مدينة سبها الليبية الصحراوية بالأمر السهل، إلا أن عاملين أساسيين كانا في مقدمة أسباب الانتصار بعد أسبوعين من المعارك الطاحنة التي دارت بين عناصر السلطة الانتقالية وكتائب العقيد معمر القذافي. في رحلة بدأت من طرابلس على بعد 750 كيلومتراً الى سبها وسط ليبيا، كان الثوار يعوّلون على مساعدة السكان الذين ينتمي معظمهم إلى قبيلة العقيد القذافي، لكن هذا العامل لم يكن ليوفّر الانتصار وحده لولا الاستعانة بخدمة «Google Earth» في تحديد الأماكن الجغرافية داخل المدينة.
يقول أحد القادة الميدانيين في قوات «جادو الأمازيغ» التي قادت معارك تحرير سبها، سالم الدغيد، إنه «بعد استغاثة أهالي المدينة، انطلق المئات من المقاتلين في الثامن من أيلول من طرابلس نحو سبها لإنقاذ سكانها من كتائب القذافي». وأشار الى أن خدمة «Google Earth» على الإنترنت التي تقدم صوراً وخرائط من الأقمار الاصطناعية «كانت تساعدنا في تحديد المواقع والمسافات والأماكن التي يمكن أن نضع فيها قواتنا، إضافة الى تحديد مرمى صواريخ القذافي». وتابع «ساعدتنا هذه الخدمة في تحديد المزارع القريبة من سبها، والتي كنا نملك معلومات بأن مرتزقة موجودون فيها، لذا حددنا المكان الأمثل لتمركز قواتنا بعيداً عن مرمى الصواريخ التي قد تستهدفها».
وروى الدغيد أن «البداية كانت في شويرف (400 كيلومتر جنوبي طرابلس) التي جرى تحريرها بسهولة رغم وجود قوات موالية للنظام فيها. وعند دخول الثوار، طلبوا من المقاتلين تسليم أسلحتهم الثقيلة ولم يطلبوا منهم أن يكرهوا القذافي». وتابع إن الثوار توجهوا بعد ذلك نحو «قرية صغيرة اسمها القيرة تبعد نحو 100 كيلومتر عن سبها، وتقع عند مدخل منطقة براك الشاطئ»، مسقط رأس الرئيس السابق للاستخبارات الليبية عبد الله السنوسي.
وخاض مقاتلو المجلس الانتقالي في هذه المنطقة معارك عنيفة، استخدمت كتائب القذافي والمرتزقة فيها الأهالي دروعاً بشرية «وقصفت الثوار من داخل الأحياء السكنية».
وبعد القيرة، توجه المقاتلون الموالون للمجلس الانتقالي نحو منطقة براك الشاطئ، حيث سيطروا على مستشفى ميداني، ومنها الى منطقة الشاطئ التي تضمّ 25 قرية تحررت فوراً عند وصول الثوار من دون أي معارك.
ويقول أحد المقاتلين باديس غزال إنه «عندما اتجهنا نحو سبها كان هناك طريق صحراوي مختصر يبعد نحو 60 كيلومتراً يسمى رملة الزلاف، وطريق آخر من الناحية الشرقية يبعد نحو 200 كيلومتر وهو الطريق الخلفي الذي استخدمناه كي نتجنب كميناً جهزته لنا كتائب القذافي».
وفي الطريق، خاض الثوار معركة صغيرة في منطقة الزيغن، استمرت لمدة ساعتين مع المرتزقة وكتائب القذافي وانتهت بانتصار الثوار الذين استقبلهم الأهالي بالترحاب.
وانطلق الثوار من الزيغن الى سمنو، ثم الى تامنهند وهي آخر منطقة قبل سبها وتبعد عنها قُرابة 25 كيلومتراً، حيث خاض الثوار «معركة كبيرة سيطرنا خلالها على مهبط عسكري وبتنا فيه مع حلول الظلام».
وفي الصباح، انطلق الثوار نحو مطار سبها، حسب غزال الذي يضيف إن «أول محطة سيطرنا عليها هي المطار والقلعة التي كانت رمزاً للنظام وقوته، قبل أن تفرّ الكتائب الموالية للقذافي الى معسكر فارس المهمّ في سبها، وهناك كانت مفاجأة تتمثل في أن الآليات التي وضعتها قوات القذافي كانت موجهة نحو قلب سبها وبعضها الآخر نحو الثوار». وأوضح المقاتل أن السبب في ذلك يعود الى سعي قوات القذافي «لتدمير سبها وتأليب الرأي العام ضد الثوار وإرعاب ثوار سبها». ويصف الدغيد وغزال معركة سبها بأنها كانت «عنيفة وطاحنة، أُصيب خلالها القائد الميداني موسى يونس، لكننا استطعنا أن ننتصر وغنمنا الكثير من الآليات الثقيلة».
وانتقل الثوار بعد ذلك الى خارج المدينة لتأمين مداخلها ومخارجها ولإفساح المجال أمام ثوار أهل سبها ليقودوا مفاوضات مع ثلاثة أحياء موالية للقذافي، هي الوملة والمنشية والبردي التي كان فيها آليات ثقيلة، بهدف إقناعهم بتسليمها. ويشير غزال والدغيد الى أن المفاوضات استمرت ثلاثة أيام «أعلن بعدها تحرير مدينة سبها بالكامل، ودخلنا ميدان الشهداء وأدينا صلاة الجمعة فيه».
ويقول الرجلان إن معركة تحرير سبها استمرت أسبوعين، قتل خلالها عشرة من مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي، وأسر 25 من مرتزقة تشاد والسودان والنيجر ومالي. وتابعا إن «مبدأنا كان منذ البداية يقوم على أن نستميل القلوب بالمفاوضات والدعم والمعاملة الحسنة كي لا نريق الدماء».
وكان عضو المجلس الوطني الانتقالي عن سبها عبد المجيد سيف النصر قد أعلن في 21 ايلول أن «ثوارنا سيطروا سيطرة تامة على مدينة سبها وكل أحيائها، بما فيها حيّ القذاذفة». وأضاف إن «الجميع أصبح مع الثورة والمدينة أصبحت آمنة وفي أيدي الثوار».
(أ ف ب)