في عام 2001، استطاع أرييل شارون أن يهزم إيهود باراك في الانتخابات المباشرة على رئاسة الحكومة الإسرائيلية. كان صعود الجنرال المتقاعد استثنائياً بعد توقعات عديدة بنهاية حياته السياسية، وخصوصاً بعد تصاعد نجم بنيامين نتنياهو منتصف تسعينيات القرن الماضي. بداية الألفية الثالثة مثّلت مرحلة انتقالية بكل ما تحمل من معانٍ سياسية، حيث حملت بين طيّاتها ظروفاً معقدّة، أهمّها نهاية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وانهيار اتفاقية «كامب ديفيد» الثانية قبل توقيعها،
واندلاع الانتفاضة الثانية، وصولاً إلى فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك وانهيار وحدة «إسرائيل واحدة» التي ألّفها. كانت تلك المرحلة، كفيلة بإعادة «الليكود» من الحطام لتحييه في مرحلة سياسية جديدة. في ذلك العام أيضاً، لم تبق المرحلة الاستثنائية محصورة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل دخل العالم إلى مرحلة ما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، وما تبعها من «حرب على الإرهاب».
لم تتأثر الدولة العبرية بقيادة شارون في حينه مباشرة من حطام مركز التجّارة العالمي، لكن الظروف السياسية المولودة ما بعد تلك الحادثة مثّلت مرحلة جديدة دخلها العالم. في ذلك الحين، أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش حربه على «الإرهاب»، وحاول شارون استغلال الحرب المعلنة للاستفادة في تحويل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من دولة محتلة وشعب واقع تحت الاحتلال إلى «حرب إسرائيلية على الإرهاب». وبدأت مرحلة صداقة جديدة، تصاعدية بقوتها، بين البيت الأبيض وتل أبيب، وصار الموقفان الإسرائيلي والأميركي موقفاً واحداً موحداً، فإذا كان الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون يُعَدّ من أصدقاء إسرائيل التاريخيين، صار بوش الابن أشدَّ صداقة، ورفع من مجال التنسيق بين الدولتين، وتقرّب من اليمين الإسرائيلي ومنح حكومة أرييل شارون الضوء الأخضر لعملياتها العسكرية ضمن الانتفاضة الثانية وأهمّها «السور الواقي» في عام 2002 ضد «الإرهاب الفلسطيني». وجرى تدمير كل مرافق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة واجتياح جنين، بالإضافة إلى حصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مبنى المقاطعة في رام الله، وصولاً إلى استشهاده عام 2004.
لم يقتصر التوافق الأميركي ـــــ الإسرائيلي في تلك المرحلة على العمليات العسكرية التكتيكية، بل كان التعاون استراتيجياً يتمحور بمجمله حول فرض الكثير من الخطوات السياسية على أرض الواقع، أهمّها إنهاء بناء جدار الفصل ورسالة الضمانات الأميركية التي منحها بوش الابن لشارون، وتضمنت ضم الكتل الاستيطانية الكبرى إلى حدود الدولة العبرية وعدم انسحاب إسرائيلي إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967. كذلك تجنّد الأميركيون لدعم عملية فك الارتباط عن غزة وحصارها من الخارج بعد عقود من الاحتلال. فالدولة التي كانت «وسيطاً» لإنهاء الصراع نهاية عام 1999، تحولت إلى داعم غير مشروط للدولة العبرية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، من دون أن يكون لتلك الأحداث ذكر مباشر.
في العام الماضي، كتب معلق الشؤون السياسية في صحيفة «هآرتس»، يوئيل ماركوس، مقالة تناول من خلالها تأثيرات أحداث عملية الحادي عشر من أيلول على العلاقات الإسرائيلية ـــــ الأميركية بقوله إنَّ تل أبيب، بعد العملية خافت من أن يتهمها الأميركيون «بأنَّ رفضها التوصل إلى حل مع الفلسطينيين فجّر الكراهية التي أدَّت إلى العملية». لكنَّ ماركوس أضاف أنَّ ما حدث كان عكس التوقعات، مشيراً إلى أنه «لحسن حظنا هذا لم يحصل. على العكس، العملية التفجيرية قرّبت إسرائيل للولايات المتحدة بكل ما يتعلق بالتعاون بأمور الإرهاب، ومنحت الرئيس بوش سبباً ليكون صديقاً مع شارون».
وبالفعل، حصل تقارب إسرائيلي استخباري أميركي. وقال محلل الشؤون الاستخبارية لصحيفة «هآرتس»، يوسي ميلمان، إنه بعد عملية الحادي عشر من أيلول، «تبنّت الولايات المتحدة أسس الحراسة الإسرائيلية التي تلاءمت مع حاجيّاتها». ولفت إلى أن الاعتراف بقدرة إسرائيل في هذا المجال أدَّى «إلى تحسين العلاقات بين أجهزة الاستخبارات التابعة للبلدين»، مضيفاً أن هذا التقارب ظهر «في زيارة رئيس الـ«إف بي آي» روبيرت مولر لإسرائيل في عام 2003».
رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو، يتخذ الخط نفسه الذي اتبعه شارون في تصوير الحياة السياسية على أنَّها محاور. ويصوّر «الهموم» الأمنية الإسرائيلية على أنَّها قضية ضد «منظمات إسلامية» وليست قضية تاريخية سياسية قائمة على احتلال شعب. وليس صدفة، أنَّه قال في أكثر من مناسبة إنَّ حماس في قطاع غزة هي «فرع للقاعدة»، وهي مصطلحات أوجدتها الحال السياسية بعد الحادي عشر من أيلول، حيث يحاول نتنياهو صرف النظر عن القضية الجوهرية. وبحسب مقال لعاموس هارئيل العام الماضي، فإنه على الرغم من وطأة قدم الجهاد العالمي في غزة، إلا أنه لا يزال بعيداً عن أن يمثّل تهديداً حقيقياً على إسرائيل.
وزير الجبهة الداخلية متان فيلنائي، الذي كان وزيراً في حكومة شارون عام 2001، استذكر في حديث لموقع «واللا» الإسرائيلي تلك الأحداث وكأنها «حدثت بالأمس»، مشيراً إلى أن بوش الابن «أعلن قبل عقد الحرب على الإرهاب. ونحن في حرب لا هوادة فيها».