ضربت حكومة رجب طيب أردوغان ضربةً موفقة جديدة في سياساتها الداخلية، فقررت إعادة الأملاك التي تمت مصادرتها من جمعيات الأقليات غير المسلمة عام 1936، لتحقّق بذلك مصالحة جديدة بين أطراف النسيج التركيوجد رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، الطريقة المثلى برأيه للردّ على مَن يتهمه بالعمل وفق «أجندة سرية» لأسلمة تركيا؛ فقد أصدر الرجل، الذي يرأس حزباً جذوره إسلامية معتدلة، مرسوماً يأمر بموجبه بإعادة جميع الأملاك غير المنقولة التي صادرتها السلطات التركية من الأقليات غير المسلمة في عام 1936 إلى أصحابها الأصليين، وهي خطوة طال انتظارها والتفاوض حولها منذ وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى السلطة عام 2002. وبموجب هذا المرسوم، الذي نُشر في الجريدة الرسمية التركية يوم السبت الماضي، سيكون من حق الجمعيات والمنظمات التي تمثل الأقليات الدينية غير المسلمة في تركيا أن تطالب باسترداد الأملاك التي تمت مصادرتها من قبل الدولة في 1936، على أن تعاد كل الأملاك غير المنقولة لها فوراً، ودفع ثمن الأملاك التي بات يمتلكها طرف ثالث لأصحابها الأساسيين من غير المسلمين، هذا في حال كانت الدولة قد باعتها لهذا الطرف الثالث بعدما صادرتها. كما يعطي المرسوم ممثلي الأقليات مهلة 12 شهراً كي يطالبوا باستعادة أملاكها المصادرة.
ولاقت خطوة أردوغان، التي أعلن عنها في إفطار رمضاني نظّمه على شرف ممثلي الأقليات غير المسلمة في إسطنبول مساء الأحد الماضي، ترحيباً كبيراً من المعنيين بالموضوع. وقالت المحامية التركية المتخصّصة بشؤون الأقليات التركية، كزبان حاتمي، لصحيفة «توداي زمان»، إنّها «خطوة تحصل للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية، وهي غاية في الأهمية»، مشيرةً إلى أنّ هذا القرار يعبّر عن «إعادة الحقوق لأصحابها وهو ما نصت عليه اتفاقية لوزان (1923) التي ثبّتت مساواة المواطن التركي غير المسلم مع المواطن المسلم». وبحسب حاتمي، فإنّ المرسوم المذكور هو «ثاني أهم قرار يصدر في تاريخ الجمهورية بعد النجاح بكسر الوصاية العسكرية للجيش التركي على الحياة السياسية في البلاد».
بدوره، فإنّ مدير تحرير صحيفة «طرف»، مركار إسايان، وهو تركي من جذور أرمنية، رأى في الخطوة «أهمية استثنائية لأنها تشير إلى أنّ العقلية التي قامت عليها الجمهورية تتغيّر وتتحوّل وهي تتخلى بالتدريج عن الممارسات غير العادلة التي تأسست عليها، بالتالي فإنّ الدولة لم تعد تنظر إلى المواطنين اليونانيين والأرمن واليهود كـ [آخر] أو كتهديد».
في المقابل، فإنّ الصحافي كمال سنغيز أضاء على جانب آخر من المسألة، في تذكيره بقرار سابق للمحكمة الأوروبية، نصّ على التعويض على الأصحاب الأصليين للأملاك المصادرة، قبل أن تعود المحكمة نفسها لتقرر أن القضية لا يمكن أن تُسوّى بالتعويض المالي، بل بإعادة الأملاك لأصحابها، وهو ما تبنّته حكومة أردوغان في ما بعد، علماً بأن القرار الأخير ينهي مفاعيل عشرات الدعاوى القضائية التي تنظر فيها المحاكم التركية والأوروبية لبتّ قضايا تتعلق باسترداد ممتلكات وبإلزام الدولة بدفع تعويضات لمن صُودرت أملاكهم. ويطال قرار إعادة أملاك غير المسلمين عملياً ممثلي 65 ألف مواطن أرمن أرثوذكس، و23 ألف يهودي، ونحو 2500 مسيحي روم أرثوذكس. وأبرز تلك الممتلكات المتوقع أن تُعاد إلى أصحابها هي مدارس ومدافن وكنائس ومنازل ومحال تجارية ومستشفيات وأراضٍ وفنادق وملاهٍ ليلية...
وفي السياق، وصف البروفسور أيهان أكتار، صاحب عدد من المؤلفات حول الأقليات في تركيا، القرار بـ«الثوري»، لافتاً إلى أن أهم ما فيه هو أن الحكومة لم تنتظر الضغوط الأجنبية كي تصدره، معرباً عن أمله بأن تواصل أنقرة خطواتها التصالحية مع أقلياتها، وفي مقدمها قضية إعادة الاعتراف بمسكونية (عالمية) الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، وبإعادة فتح معهد هالكي لتخريج الرهبان...
ويعود قرار انتزاع ممتلكات الأقليات غير المسلمة إلى قانون الجمعيات الذي صدر عام 1936؛ بموجبه، أُرغمت جميع المنظمات والجمعيات بالتصريح عن أملاكها. وبعد وفاة مصطفى كمال عام 1938، أهملت هذه التصريحات. ومع اندلاع الأزمة في جزيرة قبرص عام 1970، طلبت مديرية الجمعيات من منظمات الأقليات الدينية إعادة تزويدها بتصريحات تأسيسها، غير أن هذه الأخيرة لم تكن تمتلك مثل هذه الرخص بسبب التقليد العثماني الذي كان يقوم على حصر ترخيص هذه الجمعيات بمرسوم يصدر عن السلطان شخصياً. بناءً على ذلك، رأت مديرية شؤون الجمعيات أن الإعلانات التي تقدمت بها هذه الجمعيات في 1936 هي رخص تأسيسها، وبالتالي لم يجرِ الاعتراف بملكيتها على أي من الممتلكات التي اشترتها هذه المنظمات بعد عام 1936، وتمّ تأميمها جميعها.
(الأخبار)