لندن | في الوقت الذي يحبس فيه العالم أنفاسه بانتظار خطة الإقراض الأميركي الداخلي المتعثرة في الكونغرس، التي طلب من خلالها الرئيس باراك أوباما رفع سقف المديونية العامة إلى 16 تريليون دولار، كشف السيناتور بارني ساندرز عن «ديون سرّية» مُنحت لكبرى المؤسسات المالية الأميركية المفضلة بقيمة 16 تريليون دولار. مبلغٌ هائل جرى كتمانه، من شأنه أن يقلب كل الموازين ويجعل من الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد عالمي، في وضع الإفلاس.وكتب السيناتور الأميركي الديموقراطي الاشتراكي، ممثل ولاية فرمونت، أمس، على موقعه على الإنترنت أن مجلس الاحتياطي الفدرالي كشف تفاصيل تشخص لها الأعين، وتتعلق بكيفية منح الولايات المتحدة 16 تريليون دولار على شكل قروض سرّية لإنقاذ بنوك أميركية وأجنبية وشركات أعمال خلال أسوأ أزمة مالية منذ الكساد العظيم. وكان بارني قد طرح تعديلاً على قانون إصلاح النظام المالي الذي يُعرف بقانون «وول ستريت»، واعتُمد قبل عام، وصدرت بموجبه توجيهات إلى مكتب المحاسبة الحكومي بإجراء الدراسة التي كشفت عن هذه الفضيحة. وكتب يقول: «بموجب هذا التدقيق في الحسابات، بتنا نعلم الآن أن الاحتياطي الاتحادي قدم أكثر من 16 تريليون دولار كمساعدات مالية لعدد من أكبر المؤسسات المالية والشركات الأميركية والأجنبية، وهي حالة اشتراكية واضحة تسبغ على الأثرياء والبؤساء، وأنتم تمارسون وحدكم فرديتكم على الآخرين».
وشملت هذه المساعدات مؤسسات امتدت حتى كوريا الجنوبية واسكوتلندا، من دون الرجوع إلى الأجهزة الرقابية التشريعية في الولايات المتحدة، كما جاء في التقرير، الذي رُمز إليه اختصاراً بـ«جي أيه أو». ورأى بارني ذلك تجاوزاً لسلطة الكونغرس والرئيس، محذّراً من أنه «لا يحق لأي وكالة تابعة لحكومة الولايات المتحدة إنقاذ مصرف أجنبي أو مؤسسة من دون التصديق المباشر من الكونغرس والرئيس»، وفي ذلك اتهام مباشر إلى أن رئاسة الاحتياطي الاتحادي كانت تتصرف باستقلال عن الإدارة السياسية والتشريعية في البلاد، معرّضةً الشعب الأميركي لهدر أموال طائلة وتهديده بالإفلاس. إضافة إلى ذلك، فإنها عندما قدمت التريليونات لمصارف وشركات كبرى مثل «تشيس» و«سيتي بنك» و«أيه آي جي» ومصارف أجنبية مختلفة، حجبت المساعدة عن البنك الاستثماري العملاق «ليمان براذرز» الذي تُرك يغرق في آب 2007. استثناء فسّره البعض بأنه نابع من موقف يتعلق باحتواء المصرف على أموال كثيرة لمستثمرين من دول العالم الثالث.
المفتشون الذي أعدّوا التقرير، وكانوا من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، توصلوا إلى أنّ مجلس الاحتياطي الاتحادي «يفتقر إلى نظام شامل يعالج مسألة تضارب المصالح، على الرغم من فداحة عواقب سوء الإدارة». بل إنّ التقرير يمضي إلى أبعد من ذلك ليقول إن المجلس الاحتياطي «مَنَح إعفاءً لموظفين ومقاولين شخصيين، بحيث يتسنى لهم إبقاء استثماراتهم في المؤسسات المالية الخاصة والشركات التي حصلت على قروض إنقاذية».
ومن الأمثلة التي ساقها التقرير، نقلاً عن السيناتور ساندرز، أنّ عضو مجلس الإدارة المنتدب في مصرف «جي بي مورغان تشيس» كان عضواً في مجلس مديري الاحتياطي الاتحادي في نيويورك، في الوقت الذي حصل فيه مصرفه على 390 مليار دولار من برامج المعونات المالية للمجلس الاحتياطي. والأغرب من كل ذلك أن التقرير يشير إلى أنه في 19 أيلول 2008، حصل وليام دادلي، رئيس فرع نيويورك للمجلس الاحتياطي على إذنٍ يسمح له باستثمار أموال في كل من شركتي التأمين العملاقتين «إيه آي جي» و«جنرال إلكتريك» في آن واحد. ولقد حصلت الشركتان على معونات بموجب برامج الإنقاذ المالي.
ولا يتوقف الفساد على مسألة الشراكة بين المديرين في المجلس الاتحادي والقطط السمان في «وول ستريت»، بل يمتد أيضاً إلى شبكة من المقاولين الخارجيين؛ إذ اكتشف المفتشون أن الاحتياطي كان يُنيط أعمال إدارة برامج القروض الإنقاذية الطارئة لمقاولين من الخارج. وكان الكثير منهم يستفيدون من القروض الزهيدة التكلفة بإعادة إقراضها سرّاً بنسب فائدة أعلى. ومن أولئك المقاولين كان مصرف «جي بي مورغان تشيس» و«مورغان ستانلي» و«ولز فارغو». وهذه الصروح المالية الأميركية المقرّبة من الاحتياطي الاتحادي تتلقى من المركزي الأميركي تريليونات الدولارات بفائدة تقارب مستوى الصفر.
المفارقة هنا أنه لم تُطرح أي مناقصة على الفوز بثلثي العقود الخاصة بإدارة برامج المساعدات الإنقاذية. وحصل مصرف «مورغان ستانلي» مثلاً على أكبر العقود من دون مناقصة، بقيمة بلغت 108.4 ملايين دولار لمساعدة الاحتياطي الاتحادي في إدارة عملية إنقاذ شركة التأمين «إيه آي جي».
هذه الفضيحة ستشهد فصولاً أخرى خلال الأشهر المقبلة. في 18 تشرين الأول، يفترض أن يخرج تقرير مفصل جديد عن لجنة التفتيش نفسها يروي تفاصيل تضارب المصالح داخل المركزي الأميركي. تضارب يستدعي التعجيل بإصلاح نظام إدارة المصرف الذي يؤثر على الاقتصاد العالمي برمته.



أوباما يحذر من إفلاس أميركا

حذّر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أمس، من أنّ عدم التوصل إلى اتفاق بين الجمهوريين والديموقراطيين على رفع سقف الديون، سيؤدي بالخزانة الأميركية إلى إعلان إفلاسها يوم الثلاثاء، مع ما يعني ذلك من انهيار الاقتصاد العالمي برمته. لكن في المقابل قال إنه سيعمل طوال عطلة الأسبوع مع الحزبين للتوصل إلى اتفاق، فيما تحدث نائب جمهوري عن إحراز تقدّم في المفاوضات الجارية، وعن أن الاتفاق قد يولد بين اليوم والغد.
وقال أوباما، في خطاب ألقاه من البيت الأبيض، إن «الوقت يحاصرنا ويجب التوصل إلى حل قبل يوم الثلاثاء، وإلا فإن الولايات المتحدة ستخسر تصنيفها الاقتصادي العالمي»، مضيفاً أن «الخزانة الأميركية قد تعلن إفلاسها الثلاثاء إذا لم نتوصل إلى حل». وأكّد أنّ «أي حل لتجنب العجز عن سداد الديون يجب أن يكون قائماً على التوافق بين المجلسين وبعد تصويت البرلمان ومجلس الشيوخ»، داعياً إلى حل وسط لتفادي التخلف عن سداد الديون. ورأى أن «مشروع القانون المقدم من رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بينر لا يحل المشكلة».
وشدّد على أنّه مستعد للعمل مع الحزبين طوال عطلة نهاية الأسبوع للتوصل إلى اتفاق.
من جهته، أعلن رئيس الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد أنه لا يستطيع أن ينتظر أكثر من أجل أن يقرر النواب الجمهوريون بشأن مسألة رفع سقف الديون، لذلك سيبدأ باتخاذ الخطوات اللازمة لدفع التشريع. وقال: «إنها فرصتنا الأخيرة على الأرجح لإنقاذ البلاد من التخلف في الدفع». وعملياً، يفترض أن يقرر ريد إنهاء الجدل من أجل تصويت إجرائي أول يمكن أن يجري ظهر الغد على مشروع أعدّ بإشرافه.
كذلك دعا زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل ليعمل معه «في الحال من أجل التوصل إلى قانون يمكن دخول حيز التنفيذ قبل 2 آب»، موعد استحقاق القانون الأميركي. في المقابل، أكّد النائب الجمهوري، تري غودي، أنّ الحزبين أحرزا تقدّماً في مفاوضات رفع سقف الديون.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)