تلاقي الحركات اليمينية، الشعبوية تحديداً، في أوروبا الغربية والبلاد الاسكندينافية نجاحات ملحوظة، أكان من خلال الانتخابات البرلمانية أم انتخابات البرلمان الأوروبي. هذه الحركات جددت في خطاب اليمين المتطرف وتنظيماته، وهي اليوم تشارك في العمل السياسي وفي السلطة ولا مشكلة لديها مع الأنظمة الاقتصادية الليبرالية. وعلى اختلافاتها، فهي تجتمع تحت سقف واحد هو عدم القبول بالتعددية الثقافية في بلدانها، وبالتالي شن حرب ضروس للحد من الهجرة وما إلى ذلك.كيف تتوزع هذه الحركات في أوروربا؟
يُعَدّ النروجي أندرس براييفك (منفّذ جريمة النروج) مقرباً من رابطة الدفاع الإنكليزية (تأسست عام 2009)، وهي رابطة تجمع عدداً من الإنكليز الذين يناهضون «الإسلام المتطرف»، بحسب قولهم، في بريطانيا وغيرها من الدول الأوروبية. تعرّف هذه الرابطة عن نفسها بأنها ضد العنصرية بمختلف أشكالها، وهي تسعى إلى المحافظة على الثقافة الإنكليزية الخالصة. وفيما نفت أي علاقة ببراييفك، فهي ترتبط بعدد من الروابط في أوروبا، فرنسا، وهولندا، وتسعى إلى إقامة رابطة الدفاع الأوروبية.
وفي بريطانيا، على سبيل المثال، هناك أيضاً الحزب الوطني البريطاني، بزعامة نيك غريفين، الذي استطاع أن يفوز بمقعدين في البرلمان الأوروبي في عام 2009. ويرى هذا الحزب أنّ «البريطانيين يُتعامل معهم اليوم كمواطنين من الدرجة الثانية في بلدهم، فيما يُدفَع بالمنفيين والمهاجرين إلى الصفوف الأولى». ويرى هذا الحزب أن الأجانب على الأراضي البريطانية هم «ضيوف دائمون»، رغم أن العام الماضي استطاع راجيندر سينغ، وهو من «السيخ»، أن يصبح عضواً في الحزب، ولكن هذه العضوية جاءت نتيجة قرار إحدى المحاكم، باعتبار أن منع شخص من الانتماء إلى حزب ما بسبب أصوله هو عمل غير قانوني.
هذا الحزب له مثيل في النروج، هو حزب «التقدّم»، الذي يعدّ ثاني أكبر حزب في البلاد، بحسب مشاركاته الأخيرة في الانتخابات. يتجه حزب «التقدم» أكثر نحو الليبرالية، تحرير التبادلات التجارية، خفض الضرائب، إلا أن سياساته وخطاباته المتعلقة بموضوع الهجرة هي التي تؤثر على تصنيفه.
أما في السويد، فهناك حزب «الديموقراطيين»، الذي لا يملك حجماً كبيراً في البلاد، إلا أنه حقق نجاحات انتخابية أخيراً، وهو أيضاً حزب يميني نشأ في الثمانينيات من رحم حركة «حافظوا على السويد سويدية».
وإلى الجنوب من السويد، هناك «حزب الشعب الدنماركي»، بزعامة بيا كيارسغارد، الذي يحظى بأهميّة أكبر. واستفاد الحزب من عجز الحكومات الدنماركية المتعاقبة عن إيجاد حل مناسب لمشكلة دمج المهاجرين المنحدرين من أصول تركية، باكستانية، دول يوغوسلافيا السابقة، ومن دول عربية، الذين يمثّلون 7.4 في المئة من نسبة السكان. هذا الواقع، دفع الحزب إلى احتلال المركز الثالث بين القوى السياسية في البلاد، مستفيداً من الشعبوية التي تلجأ إليها عادة مثل هذه الأحزاب.
وفي فرنسا، تتبنى «الجبهة الوطنية» الخطاب نفسه في ما له علاقة بموضوع الهجرة وإن بطريقة أقسى، نظراً إلى حساسية القضية هناك ولدور فرنسا. ويذكر هنا أن رئيسة الجبهة، مارين لوبن، انتقدت أخيراً تسمية «اليمين المتطرف»، مشيرة إلى أنها تخفي أحكاماً سياسية وراءها، واقترحت تسمية «اليمين الوطني». وكان والدها جان ماري لوبن ينتقد هو أيضاً هذه التسمية عندما يقول: «اقتصادياً نحن في اليمين، اجتماعياً نحن في اليسار، ووطنياً نحن فرنسيون». هذا الحزب، فعلياً، هو الأهم بين كل ما سبق؛ لأنه الوحيد الذي استطاع منذ الثمانينيات أن يعطي دفعاً لخطابه باتجاه التركيز على عدم قدرة الوافدين، أو بالأحرى المهاجرين، على التأقلم والاندماج في مجتمع بني على قيم محددة.
ترى «الجبهة الوطنية» أن أساس العلل التي تعانيها فرنسا هو سياسة الهجرة المتبعة منذ ثلاثين عاماً. وتسعى الجبهة إلى سياسة واقعية لإيقاف هذا «المد» واعتماد سياسة استيعاب لـ«كل من يحترم قوانيننا وأعرافنا، ويقبل الفروض القائمة على أساس الحقوق المعطاة له، ويعدّ فرنسا وطنه، بدون أي انتماء آخر».
من جهة أخرى، يتخطى الحزب الوطني ـــــ الديموقراطي الألماني، في «تطرفه» الحالات السابقة. هو وإن تكمن قوته أكثر في شرق ألمانيا، فإنه حقق تقدماً ملحوظاً بين عامي 2006 و2008 على صعيد الانتخابات، علماً بأنه حزب يتميز بأعلامه وشعاراته القريبة إلى النازية، وهو اليوم يحقق نتائج جيدة في بعض المقاطعات الألمانية. وتمثّل الأحزاب المماثلة في ألمانيا وسويسرا والنمسا حالة خاصة أكثر ارتباطاً بتاريخ المنطقة.
عرض حال هذه «الحركات» في باقي الدول الأوروبية يُظهر أنها ذات أهمية كبيرة في بلد كهولندا، والنمسا (يورغ هايدر)، وسويسرا (كريستوف بلوشير)، وإيطاليا أيضاً (رابطة الشمال)، أما في بلدان كإسبانيا، والبرتغال، واليونان، فإن الأحزاب «اليمينية المتطرفة» لا تكاد تحصد شيئاً يذكر في الانتخابات البرلمانية. هذا التقديم لهذه الأحزاب لا يستوي إذا لم يُشَر إلى أنها نشأت قبل الطرح الفعلي لمشكلة «أسلمة أوروبا»، وهي بالتالي في بداياتها نشأت في ظروف خاصة بكل بلد. رغم ذلك، تلتقي هذه الحركات، عموماً، حول نقطتين: أولاً، هي تريد المحافظة على القيم التاريخية والتقليدية لمجتمعاتها، وبالتالي تولي أهمية كبرى لسياسات الاندماج وترفض الدمج العضوي. وفي المقلب الآخر، هي تحافظ أساساً على مظاهر سيادة الدولة. من هنا، يمكن فهم المعارضة الواسعة ضمن هذه الصفوف للاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو مدى تأثير هذه الخطابات الفعلي على ما فعله براييفك؟



دفاع عن إسرائيل

الحد الأخطر هو الاتجاه الذي يأخذه الحزب اليميني المتطرف في هولندا والذي لا يرفض فقط التعددية، بل أكثر من ذلك؛ إذ يقول رئيس حزب «الحرية»، غيرت ويلدرز، في أحد تصريحاته العام الماضي: «إذا وقعت القدس في أيدي المسلمين، فإن أثينا وروما ستلحقان بها. وبالتالي فإن القدس هي خط الدفاع الأول عن الغرب. هو ليس صراعاً على الأرض، بل صراع إيديولوجي بين الفكر الغربي المتحرر وإيديولوجية البربرية الإسلامية».
في سويسرا، الحالة ليست أفضل؛ إذ يقول عضو الاتحاد الديموقراطي السويسري، أوسكار فرايسينغر: «بلدنا دافع دائماً عن إسرائيل؛ لأننا واعون أنه في حال زوالها سنخسر الطليعة التي نعتمد عليها». ويتابع بأنه في الوقت الذي ستسقط فيه إسرائيل، سيأتي المسلمون لوضع اليد واغتنام الغرب.
هذا لم يعد رفضاً للتعددية، بل يعكس حالة من الرهاب، بكل ما للكلمة من معنى، وهي تندرج في ما يسمى «صراع الحضارات»، لا منع «أسلمة» أوروبا.