وُلدَت الحكومة التركية الجديدة في ظرف استثنائي، بما أنها ابنة فوز انتخابي كبير وتاريخي للحزب الحاكم، ولأنها تتزامن مع صعود اقتصادي كبير، وفترة ذهبية بالنسبة إلى تصاعد نفوذ أنقرة كقوة كبرى في المنطقة والعالم. ورغم أنها حكومة من حزب واحد طبعاً، فإنها تعكس تنوُّعاً في الهويات الفكرية لوزرائها، وهو ما ليس سوى ترجمة لتنوُّع التيارات التي يتألف منها حزب «العدالة والتنمية». فرغم طابعه الاسلامي العام، يضم تيارات ورموزاً يسارية ديموقراطية، وأخرى ليبرالية سياسياً إلى جانب التيار الاسلامي المحافظ الأقوى طبعاً (انظر إلى بطاقات الهوية لبعض شخصيات الحكومة).
ولأن الحكومة الجديدة، التي تحمل الرقم 61 في تاريخ الجمهورية، تأخذ على عاتقها مهمة مركزية، وهي إعداد دستور جديد بالكامل للبلاد، فإنّ جميع عناصرها هم من المقربين جداً من أردوغان، حتى إن معظمهم من أصدقائه الشخصيين. لهذا السبب، وصف العديد من المراقبين الأتراك المعارضين، حكومة أردوغان بأنها فريق عمل «الرجل الواحد»، أي أردوغان نفسه. ويمكن القول إن ذلك صحيح مثلما أن العكس صحيح أيضاً. فمن جهة، الوزراء الـ 21، إضافة إلى النواب الأربعة لرئيس الحكومة، مرتبطون عضوياً بأردوغان، ومن جهة أخرى فإن رئيس الوزراء أراد توزيع المهام التي كان يحتكرها، على نوابه ووزرائه حتى، بدليل استحداثه وزارات جديدة للقيام بمهام كانت من صلاحياته الحصرية. وقد تم إلغاء 8 وزارات دولة واستحداث 6 وزارات ذات حقائب، وأضيف منصب نائب وزير، وبات نواب رئيس الحكومة أربعة بدل ثلاثة. واللافت أن كلّاً من النواب الأربعة لرئيس الحكومة أصبح لديه ملف كبير ليتابعه، وكأنّ أردوغان، من خلال ترؤسه ما يظن كثيرون أنه سيكون حكومته الأخيرة قبل انتقاله إلى القصر الرئاسي في شنقايا، أراد توزيع مهام رئيس الوزراء ليكون رئيس الجمهورية هو المسؤول الفعلي للسلطة التنفيذية بعد أن يصبح النظام في تركيا رئاسياً في وقت لاحق.
وفي التفاصيل، فإنّ 6 وزراء جدد عُيّنوا في الوزارة الجديدة، هم فاطمة شاهين وأردوغان بايراكتار وعصمت يلماز وإدريس نعيم شاهين وسوات كليتش وبكير بوزداغ، ليحافظ 16 وزيراً من الحكومة السابقة على مناصبهم، لكن مع بعض التعديلات في الحقائب.
وأهم ملامح الحكومة الجديدة، النواب الأربعة لرئيس الحكومة، وهم بولنت أرينش وعلي باباجان (احتفظا بمنصبيهما السابقين) وبكير بوزداغ وبشير أتالاي. وسيحتفظ أردوغان بصلاحية الاشراف على الملفات التالية: مجلس الأمن القومي، والأمانة العامة لمجلس الوزراء (وهي وكالة مهمة للغاية في البلاد)، وجهاز الاستخبارات التركية MIT، ومؤسسة الإسكان (أحد أبرز أسباب نجاحاته الانتخابية)، وهيئة الاستثمار.
وسيكون أرينش المتحدث الرسمي باسم الحكومة، والمسؤول عن وسائل الاعلام الحكومية (تلفزيون وراديو TRT وRTUK) ووكالة الأنباء الرسمية «الأناضول». كذلك سيكون مسؤول التواصل بين الحكومة ومجلس شورى الدولة، إحدى المؤسسات القضائية «الشرسة» للجهاز الكمالي العلماني.
أما علي باباجان، أحد أصحاب الفضل في «المعجزة الاقتصادية» التركية، فسيكون نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية، والمشرف على عمل المصرف المركزي والأمين العام لهيئة المصارف. بدوره، سيكون نائب رئيس الحكومة المعين حديثاً، بشير أتالاي (الوزير السابق للداخلية) مسؤول الملف الكردي والملف القبرصي ورئيس المجلس الأعلى لمكافحة الارهاب. أخيراً، سيكون بكير بوزداغ مسؤولاً عن مديرية الشؤون الدينية والملف العلوي، والأهم أنه سيكون مكلّفاً بإعداد الدستور الجديد والتفاوض بشأنه مع الكتل البرلمانية المعارضة. أما وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، الذي لم يُعيَّن نائباً لرئيس الوزراء بعكس ما كان متوقَّعاً، فاحتفظ بمنصبه، رغم أن متابعي الشأن التركي يدركون أن نفوذه وقوته يكادان يضاهيان جميع نواب رئيس الحكومة.
وأبرز المفاجآت تمثلت بدفع وزير الدفاع السابق وجدي غونول ثمن ما كشفته وثائق «ويكيليكس» عن أنه كان يكنّ الكره لوزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، فأتى مكانه عصمت يلماز، وهو ما حصل تقريباً مع النائب السابق لرئيس الحكومة كميل جيجيك الذي أظهرت «ويكيليكس» أنه كان يعدّ لإطاحة أردوغان في عام 2004، فطار منصبه في الحكومة ليصبح رئيساً للبرلمان، ودفع وزير التربية نعمت شوبوكجو ثمن فضيحة تهريب أسئلة الامتحانات الرسمية التي ضربت تركيا قبل أسابيع، ليحل مكانه الوزير السابق للعمل عمر دينشر.




بولنت أرينش


أحد نوّاب رئيس الحكومة، وهو من رفاق درب رجب طيب أردوغان، وأحد مؤسسي حزب «العدالة والتنمية» الحاكم بعدما كان نائباً عن حزب «الرفاه». حافظ على منصبه الذي تسلّمه في الحكومة السابقة، مع صلاحيات جديدة موسعة، علماً أنه يعدّ ممثل التيار الاسلامي المتشدد نسبياً في الحزب الحاكم. كان أوّل رئيس للبرلمان في عهد حكم «العدالة والتنمية» بين 2002 و2007، وهو ابن مدينة بورصة ومحامٍ، وكاد يكون أحد ضحايا «إرغينيكون».




علي باباجان

حافظ نائب رئيس الوزراء على منصبه في الحكومة الثالثة لأردوغان، وهو مسؤول الملف الاقتصادي، علماً أن النجاح التركي الكبير في الاقتصاد محسوب، في جزء كبير، له، خصوصاً في إدارة الأزمة المالية عام 2008. ورغم أنه يبلغ 44 عاماً فقط، إلا أنه أحد الرجال الأقوياء المقربين جداً من أردوغان ومن عبد الله غول. وزير الخارجية السابق هو أحد مؤسسي الحزب الحاكم، وسبق أن تولّى عام 2005 منصب كبير المفاوضين الأتراك مع الاتحاد الأوروبي.






بشير أتالاي

وزير الداخلية السابق هو بطل «المبادرة الكردية» التي أطلقتها الحكومة عام 2009، ويكنّ له العلمانيون الكماليون كرهاً عميقاً، حتى إنّ الرئيس السابق أحمد نجدت سيزر وضع الفيتو ضد تعيينه وزيراً للتربية في 2002. وللمرة الأولى سيكون هناك نائب لرئيس الحكومة متفرغ للملف الكردي، واختير له أتالاي، الأستاذ الجامعي في مادة القانون، بما أنّه تمكن من التفاوض جيداً مع الأكراد وممثليهم.





بكير بوزداغ

ظلّ رئيساً للكتلة البرلمانية للحزب الحاكم منذ انتخابات 2007. هو محامٍ من مدينة يوزغات، وظل يمارس المهنة حتى انتخب للمرة الأولى عن «العدالة والتنمية» في 2002. أظهر مهارات تفاوضية كبيرة خلال توليه مهامه البرلمانية، لذلك اختاره أردوغان ليكون نائباً لرئيس الحكومة للمهمة الأصعب: التوصل لتسويات مع الأحزاب المعارضة حول دستور جديد، وهو من الجيل الجديد للحزب الحاكم، ولا يبلغ إلا 46 عاماً من العمر.










أحمد داوود أوغلو

يكاد يكون الرئيس الثاني للحكومة نظراً للنفوذ الهائل الذي يتمتع به عند أردوغان والحكومة والرئيس والحزب الحاكم الذي أصبح نائباً عنه للمرة الأولى في 12 حزيران الماضي. البروفيسور، ابن مدينة قونيا، صاحب الفضل في كل ما له علاقة بإنجازات السياسة الخارجية التركية منذ 2002. لا شك في أنه أبرز دبلوماسي في العالم حالياً، لكنه يواجه تحدّي محدودية سياسته بـ«تصفير المشاكل» في ظل ثورات «الربيع العربي».





إرتوغلول غوناي

هو الوزير السابق والحالي للسياحة. يسمّيه البعض نموذجاً للعجائب التي لا تحصل إلا في تركيا، إذ كان الأمين العام لحزب «الشعب الجمهوري» العلماني، قبل أن يخرج من صفوفه بسبب خلاف مع رئيس الحزب آنذاك دنيز بايكال عام 2004. هو ممثّل التيار اليساري في الحزب الحاكم حالياً، مثلما كان رمز التيار اليساري في حزب مصطفى كمال. تقرب سريعاً من أردوغان الذي وضعه مباشرة بعده على لائحة حزبه في إسطنبول في انتخابات 2007.






محمد شيمشيك

وزير المال السابق والحالي، الكردي الجذور، ملهم مدرسة الخصخصة والنيوليبرالية المتوحشة في حزب «العدالة والتنمية»، وهو القادم إلى السياسة من بوابة عملاقة شركة الاستشارات المالية العالمية، «ميريل لينش». ابن مدينة غازي عنتاب تعلم اللغة التركية وهو في السادسة من العمر، وأنجز علمه وخبرته الاقتصادية في أرقى الجامعات والشركات في لندن ونيويورك التي أخذ منها زوجته، وهو من المنتسبين إلى الحزب الحاكم بعد تأسيسه.





إغمن باغيش

كبير المفاوضين الأتراك مع الاتحاد الأوروبي، بات على رأس وزارة شؤون الاتحاد الأوروبي المستحدثة في الحكومة الجديدة. ابن الـ41 عاماً، المتحدّر من مدينة بينغول، تعلّم أصول المفاوضات من دراساته الجامعية في إدارة شؤون الموظفين من جامعات نيويورك. ستكون مهامه صعبة في محاولة إعادة إحياء المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي حول انتساب بلاده لنادي القارة العجوز، خصوصاً أن المفاوضات متوقفة عند الفصل الـ12س.