أطلّ الرئيس الفنزويلي، هوغو تشافيز، على مناصريه من على شرفة قصر ميرافلوريس، بالبزّة العسكرية، وقد وضع قبعته الحمراء، فيما هبّ عشرات الآلاف لاستقباله، محبّةً به وخوفاً من فقدانه. كان الرئيس البوليفاري محاطاً ببناته وبأحفاده وقد ارتدوا جميعاً قمصاناً حمراً في صورة مفعمة بالعاطفة العائلية التي تحيط بكل ما يمسّ بالصحة. وبعدما أجّل السرطان قمة «سيلاك» لدول أميركا (ما عدا الولايات المتحدة وكندا)، التي كان موعدها الأصلي في 5 تموز، عاد تشافيز كما كان يريد، في الليل من عند الزعيم الكوبي فيديل كاسترو إلى أحضان شعبه على شرفة القصر. وكانت العودة عشية احتفالات المئوية الثانية لاستقلال أول بلد في أميركا اللاتينية. في عام 811 بدأ حراك الدول الذي سيؤدي إلى استقلالها السريع وانهيار الإمبراطورية الإسبانية على يد سيمون بوليفار.
وأعلن تشافيز الذي ظهر أمس أنه لن يظهر خلال احتفالات الغد التي سيتابعها عن كثب. الصحة موضوع الساعة. وهي دائماً شأن حساس في الأنظمة القائمة على الزعامة. في بداية عام 1830، كان بوليفار، رئيس كولومبيا الكبرى قبل نهاية السنة، قد توفي معزولاً فقيراً وحيداً وهو يتألم من أوجاعه، وقد رأى كل بنيان حياته يتهدّم كقصر على الرمل، وانقضّ نواب الرئيس على الدول التي كانت تكوّن «كولومبيا الكبرى» آنذاك عندما اقترح بوليفار استقالته لمنع تفجّر الوحدة.
وقبل سنوات، دخل فيديل كاسترو في غيبوبة طويلة، سبقها بلحظات تسليمه السلطة إلى شقيقه راوول، كوسيلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
واليوم، أتى دور تشافيز، بعد بوليفار وبعد فيديل. إنه برفقتهما، ماذا تنفعه جعجعات المعارضة؟
في فنزويلا، لا يوجد راوول. أصلاً لا يوجد رجل ثان، ولا حتى ثالث. في أحسن الأحوال، إلياس حوا نائب الرئيس ونيكولاس مادورو. معاونان مجتهدان.
فانتصار الثورة يتوقف بالتالي على تعافيه. وتعافيه يتطلب أن يلتزم تشافيز بـ«أوامر» الأطباء، الذين سمحوا له بنصف ساعة خطاب. يطلب تشافيز من ابنته دقيقتين إضافيتين ويستهلك خمس دقائق! قيل عن تشافيز إنه أفضل من استعمل سياسياً سلاح النفط، وقد يقال عنه غداً ـــــ إذا طال عمره ـــــ إنه أفضل من وظّف صحته في الروزنامة السياسية. سمّى إطلالته بأنها «بداية العودة». في إشارة إلى بداية العلاج للتغلب على السرطان، وفي خلط مدروس بين مراحل هذا العلاج والمراحل التي تفصل فنزويلا عن الانتخابات الرئاسية. وما زلنا في المرحلة الأولى، ويوضح تشافيز أن هناك مرحلة ثانية وثالثة وخامسة.. على الجبهة الأولى، يعتمد على الله وعلى «الطب العلمي الفنزويلي والكوبي والدولي». هناك معلومات تفيد أنّ العملية الثانية أجراها جراح إسباني، وهناك تكهنات بشأن خطورة سرطان القولون الذي يعانيه تشافيز. في المعركة الأولى يعد الرئيس البوليفاري بالانضباط والالتزام. أما في المعركة الثانية، السياسية، فتعتمد الثورة على شعبها. وإذا فاز هو بالأولى، فستتحسن شروط الفوز بالثانية. لقد أرادت المعارضة أن تستغل صحته لأهداف سياسية، عندما طالبت بأن يسلم نائب الرئيس؟ سيُُعلمها الآن كيف تستغل الصحة لأغراض ليست فقط سياسية، بل أيضاً ثورية.
في بداية عودته هذه، خطف تشافيز السياسة الفنزويلية إلى مكان غريب يكاد يقتصر الوقت خلال السنة ونصف السنة الباقية حتى الاستحقاق الرئاسي: هل يتعافى تشافيز وبالتالي سيترشح؟ وإذا ترشح ـــــ حتى لو كان مريضاً ـــــ فمن يستطيع أن يغلبه؟
إن خطاب أول من أمس سيعكّر جزءاً وفيراً من ليالي المعارضين في الأشهر المقبلة، لكن من الطرف الآخر أيضاً، أجبرت أحداث الشهر الأخير تشافيز على فتح صفحة بيضاء كان قد تحاشى حتى الآن ليس فقط تقليبها، بل حتى التفكير فيها.