منذ خرج حزب رجب طيب أردوغان من الانتخابات التركية عاجزاً عن طرح مشروع دستور جديد على استفتاء شعبي، بما أنه نال 326 نائباً بدل 330 ضروريين لتمكينه من التوجه إلى الشعب، تحسّس خصومه الخطر، لا حزناً عليه، بل خوفاً منه؛ فقد أدرك الجميع في تركيا أن «العدالة والتنمية» سيستنفر كل جهوده لـ«سرقة» 4 نواب من الأحزاب المعارضة الثلاثة، ذلك أنّ أردوغان، خصوصاً، يدرك أن المساومات مع هذه الأحزاب حول هوية الدستور الجديد وتفاصيله ستفرغه من أي مضمون بسبب صعوبة اتفاق الاسلاميين مع العلمانيين الكماليين مع القوميين الأكراد والقوميين الأتراك المتطرفين.
وبالفعل، انطلقت الجهود باكراً لإيصال عدد أعضاء كتلة «العدالة والتنمية» إلى 330، رغم أنّ جهود تغيير نتيجة الانتخابات انطلقت من الجبهة المعارضة، مع محاولة كتلة «الحركة القومية التركية» (53 نائباً) انتزاع نائب إضافي من حصّة «العدالة والتنمية»، على أساس أن خطأً تقنياً شاب عملية عد الأصوات في اسطنبول. لكنّ المحكمة لا تزال ترفض تغيير النتيجة الانتخابية، لتبقى حصّة الحزب الحاكم 326 نائباً. أما هجوم «العدالة والتنمية» لـ«سرقة» 4 نوّاب، فقد حقق فوزاً أولياً سهلاً، عندما قرّرت اللجنة العليا للانتخابات تجريد أحد النواب الأكراد الفائزين بمقعد عن كتلة «السلام والديموقراطية» في دياربكر، خطيب ديكل، من فوزه، وإسناد المقعد الذي فاز به الرجل إلى المرشحة الخاسرة عن «العدالة والتنمية» الحاكم، أويا إرونات، التي توفّي ابنها في هجوم لحزب «العمال الكردستاني» عام 2008. حجّة اللجنة الانتخابية أنّ ديكل موقوف ويخضع للتحقيق بتهمة الانتساب إلى «اتحاد المنظمات الكردية» الذي يصفه النظام التركي بأنه التنظيم المديني لحزب عبد الله أوجلان، كما أنه محكوم منذ 2009 بتهمة الترويج لمصلحة «العمال الكردستاني». ومن المتوقَّع أن يثبّت القضاء التركي قرار اللجنة الانتخابية الذي سيؤجّج العداء الكردي ـــــ التركي بحيث يُخشى أن يكون عسكرياً، ليصبح عدد نواب حزب الأكراد 35 بدل 36، ونواب الحزب الحاكم 327 بدل 326. ومثلما كان متوقعاً، جاءت ردود حزب ديكل، «السلام والديموقراطية»، نارية على قرار تجريد نائبهم من مقعده، إذ هدد زعماء الحزب، من أحمد تورك وحميد جيلاني وبنغي يلديز، بأن هذا القرار من شأنه «إدخال تركيا في الفوضى مجدداً»، وأنّ لدى حزبهم القدرة الكافية على منع تنفيذ هذا القرار «بالقوة»، مع تحذيرهم من أن يؤدي قرار لجنة الانتخابات إلى «أضرار لا يمكن إصلاحها لأن الجميع يدركون أن الشعب الكردي سيردّ». وهنا، طرح الأكراد تساؤلات مشروعة من نوع «لماذا لم يمنع ديكل من خوض الانتخابات؟»، علماً أن القضاء منع بالفعل عدداً من الأشخاص من الترشح بسبب تهم قضائية تلاحقهم أو أحكام صادرة بحقهم. أكثر من ذلك، يطرح الأكراد إشكاليات أخرى: هناك 3 نواب فازوا في الانتخابات (2 عن الشعب الجمهوري وواحد عن الحركة القومية) ونالوا حق دخول البرلمان رغم أنهم مسجونون بتهمة عظمى، وهي الانتماء إلى عصابات «إرغينيكون» التي يجمع الأتراك على أنها أخطر ما شهدته تركيا، من حيث إنها عصابات إجرامية شكلت لفترة طويلة «دولة عميقة» داخل الدولة وارتكبت جرائم موصوفة وبقرارات من أعلى سلطات البلاد، وبأوامر من قيادة الجيش التركي خصوصاً. ويرى الأكراد أنه لو كانت قرارات القضاء التركي واللجنة الانتخابية فعلاً نزيهة، لكان يجدر بهما أن يجرّدا هؤلاء النواب من فوزهم الانتخابي، أو أن يمنعوهم من الترشح، بدل حصر عملهما بمرشحي حزب الأكراد الذي حقق أكبر فوز انتخابي في تاريخ الحركة القومية التركية.
وهنا يتخوف المراقبون من أضرار كبيرة قد تواجهها الديموقراطية التركية بما أن هناك 5 من النواب الأكراد الفائزين، حالهم كحال زميلهم ديكل، من حيث إنهم موقوفون بتهمة الانتماء إلى «اتحاد المنظمات الكردية». بالتالي، إذا جُرّد النواب الخمسة الآخرون من فوزهم، فإنّ المقاعد ستذهب للمرشحين الخاسرين عن «العدالة والتنمية»، لكونه المنافس الوحيد لمرشحي حزب الأكراد في جنوب وجنوب شرق البلاد حيث يغيب أي أثر لحزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة التركية القومية».
وهنا، يبدو أن حزب الأكراد ينوي استغلال المادة 78 من الدستور التي تنص على أنه إذا استقال 5 في المئة على الأقل من النواب، أي ما مجموعه 28 نائباً، يجب إجراء انتخابات فرعية لملء الفراغ. من هنا، لوّح حزب «السلام والديموقراطية» بتقديم استقالة نوابه الـ 36 إذا لم يُسمَح لنوابه الستة الذين يخضعون للمحاكمة بالدخول إلى البرلمان، لإجراء انتخابات فرعية جديدة.