قدّم رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان استقالة حكومته للرئيس عبد الله غول، أمس، ليذهب في إجازة عائلية تريحه من عناء حملات انتخابية مرهقة، جال في خلالها على 68 محافظة تركية. لكنّ الإجازة ستكون قصيرة، نظراً إلى المتاعب الداخلية والخارجية التي تنتظره، ولأن الرئيس غول سيعيد تكليفه بتأليف حكومته الجديدة في 26 حزيران الجاري، لتكون أولى مهمات الوزارة الجديدة داخلياً خوض حملة المفاوضات والتسويات المطلوبة للوصول إلى اتفاق على دستور جديد، بينما ستكون الملفات الإقليمية والخارجية كثيرة، وقد تلزمه بقطع إجازته إن اضطرّ إلى التحدُّث بالشأن السوري، أو إجراء اتصالات تتعلّق بهذا الملف، بما أنّ أردوغان «سيتحدّث من الآن فصاعداً مع الرئيس بشار الأسد بطريقة مختلفة تماماً عن الطريقة التي كان يتكلم بها معه قبل الانتخابات»، على حدّ تعبيره الأسبوع الماضي، حين أطلق مواقف كانت الأقسى له تجاه القيادة في دمشق منذ بدء الأزمة السورية. وقدّم أردوغان استقالة حكومته بعد اجتماع أخير عقدته أمس، علماً بأنه يتوقع أن تتضمّن الحكومة المقبلة أسماء كثيرة جديدة، تتلاءم مع إعادة الهيكلة التي أعلنها أردوغان قبل الانتخابات، والتي بموجبها سيجري إلغاء 8 وزارات دولة، واستحداث 6 وزارات جديدة، ودمج وزارتين في حقيبة واحدة، وتعديل مهمات وزارتين أخريين. والوزارات الجديدة التي ستُستحدث هي: وزارة الاتحاد الأوروبي، وزارة العائلة والشؤون الاجتماعية، وزارة الاقتصاد، وزارة الشباب والرياضة، وزارة الجمارك والتجارة ووزارة التنمية. ولا تزال بورصة الأسماء المرشحة للدخول إلى الجنّة الحكومية، وحتى المرجّح خروجها منها، غامضة، مع تأكيد بقاء وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو في منصبه، وترجيح عدم التجديد لأحد نواب رئيس الوزراء، كميل جيجيك الذي كشفت وثائق «ويكيليكس» أنه كان متورطاً في «مؤامرة» للتخلص من أردوغان عام 2003.
في هذا الوقت، أشاع إعلان رئيس الحكومة أنه سيطرق باب زعيم أكبر أحزاب المعارضة، كمال كليتش دار أوغلو، للتفاوض معه بشأن الاتفاق على دستور جديد، أجواءً إيجابية، مع ردّ كليتش دار أوغلو التحية بالمثل، عندما قال إن أبوابه مفتوحة لأردوغان بشأن الدستور الجديد. وقال زعيم «الشعب الجمهوري» الذي نال حزبه 26 في المئة من أصوات الناخبين، مع 135 نائباً، إنّ «أبوابنا مفتوحة للحكومة حيال الدستور الجديد، لأننا في هذا الموضوع صادقون جداً. ما يجدر فعله واضح: تأليف لجنة تتمثل فيها جميع الأحزاب الفائزة بالتساوي».
وكان أردوغان قد تعهّد ببدء التفاوض مع أحزاب المعارضة «منذ اليوم (أول من أمس) إن وافقت على ذلك». ولدى سؤال رئيس الحكومة عن نيّاته إزاء تحويل النظام السياسي في تركيا من برلماني إلى رئاسي، شدد على ضرورة أن يطرح الموضوع للنقاش لفترة من الزمن بين الأحزاب وفي الإعلام والجامعات، مطمئناً إلى أنّ النظام الرئاسي لا يهمّش البرلمان، «على العكس من ذلك، لأن مجلس النواب قوي للغاية في النظام الرئاسي، ورقابته كبيرة». هذا على صعيد جدول الأعمال الداخلي لأردوغان. أما على الصعيد الخارجي، فقد كشفت بعض الصحف جانباً من الأولويات التي سيخصص لها الجزء الأكبر من وقته. فمن ناحية التطورات السورية، كشفت صحيفة «حرييت»، أمس، أنّ أردوغان سيتابع الموضوع عن كثب، متوقعة أن تكون نبرته حادّة إزاء القيادة السورية، وخصوصاً أنّ الأزمة السورية تخطّت الحدود إلى تركيا، مع وصول عدد النازحين السوريين إلى ما يناهز تسعة آلاف شخص. إضافة إلى ذلك، سيخصص أردوغان زيارته الخارجية الأولى لآذربيجان، لهدفين: إطلاق مبادرة جديدة للمصالحة الآذرية ـــــ الأرمنية، لتنشيط مساعي المصالحة التركية ـــــ الأرمنية، وعقد محادثات نفطية مع باكو، لضمان مصادر جديدة للأمن النفطي التركي.
(غداً: البرلمان الأكثر تلويناً وتشويقاً)