خاص بالموقع- رغم يوم الانتخابات البلدية والمناطقية، لم تتراجع الموجة الشبابية التي احتلت ساحات إسبانيا، بل على العكس، عندما تأكدت عدم رغبة (أو قدرة) السلطة على سحبها من الشوارع، رغم مطالبة اللجنة المشرفة على الانتخابات بذلك، تضاعفت حشود «الحانقين».
وقد احتشد الشباب الإسباني في المدن مثل فالنسيا وإشبيليا وبلباو، محوّلين «حركة 15 أيار» إلى ظاهرة تتبنّى صراحةً انتماءها إلى تراث الثورات العربية وإلى شهر أيار الفرنسي قبل 40 سنة، وقد تصبح نموذجاً أوروبياً، وخصوصاً في دول منطقة اليورو المتعثرة.

تحت الخيم الزرقاء التي تغطي ساحة «باب الشمس» في وسط مدريد، انتظم «العالم الشبابي» ليدبّر أولاً أمور الساحة من تنظيف وتنسيق وطبابة وأمن، وليسمح ثانياً بصنع العوالم الافتراضية من «فايسبوك» و«تويتر»، وتوزيع الصور على الإنترنت، وتشغيل إذاعة وتوزيع الوثائق البرنامجية على الساحات الأخرى.

في كل يوم، عند الساعة الواحدة من بعد الظهر، تُعقد جمعيات عامة، وقد بدأت تنتج مطالب أخذت تبلور تدريجياً هوية هذا التحرك الذي لم يتوقعه أحد: من سحب الأموال من المصارف إلى حصول الدول المدينة على قروض من دون فوائد من صندوق النقد الدولي، مروراً بكيفية بناء ديموقراطية «قاعدية». بعد ذلك ترسل خلاصات هذه الجمعيات إلى الساحات الأخرى في محاولة منها لتوحيد الأداء والمطالب.

وعلى قاعدة هذه الحركة الشبابية العفوية تحلّق مع مرور الأيام مجموعات متنوعة ذات مطالب مميزة جعلت السلطات تواجه أكثر من 500 طلب للتجمع صادرة عن عدد مواز من المجموعات، مثل البيئيون أو المعارضون لـ «قانون سيند»، الذي قلص حق تنزيل برامج على الإنترنت في محاولة لحماية حقوق التأليف. ويرى البعض في هذا القانون، الشرارة الأولى للانتفاضة الحاصلة.

هناك أيضاً جمعيات ضحايا الأزمة العقارية، التي أجبرتهم على التخلي عن مساكنهم للمصارف، وجمعيات الدفاع عن الحيوانات، أو مجموعة «ديسباسيتو»، أي على مهل، وهم أنصار الحياة البطيئة كبديل عن جنون العالم الحديث. كذلك، ومع أن الشباب هم الطاقة التي ولّدت التحرك، أخذ استمرار هذا الأخير يجلب إلى الساحات أجيالاً أخرى، ومن بينها شيوخ يردّدون «إنها المرة الأولى الذي يتحرك فيها الشعب على هذا النحو منذ أيام الجمهورية».

قرّر التحرك البقاء أسبوعاً إضافياً في الشوارع والاقتراع السبت المقبل في الأحياء، وأخذ القرار الجديد الأحد المقبل. أما التحدي الآن، فهو تحديد الشروط التي يتفقون عليها لفك الاعتصامات، التي ستكون كفيلة (إذا تحددت ومن بعد تحققت) بالارتداد نفعاً على المجتمع بأسره. أمام هذا الواقع الجديد الذي صدم الأحزاب السياسية، اختلفت المواقف: الاشتراكيون، الذين يتوقعون هزيمة نكراء في صناديق الاقتراع، يعلمون أن الشباب من ناخبيهم نزلوا إلى الشوارع، والرسالة الأساسية الذي يحاول إيصالها رئيس الحكومة لويس ثاباتيرو في حملته الأخيرة هي «أن اليمين واليسار ليسوا سواسية»، وأنه حاول جاهداً الدفاع عن المكتسبات الاجتماعية، وأن عدم التصويت خطأ تاريخي.

إضافةً الى ذلك، حكومة ثاباتيرو لم تقمع التحرك، لكن زعيم اليمين ماريانو راخوي، الذي يريد فوزاً بالضربة القاضية لتسريع موعد الانتخابات العامة، انتقد الحكومة لأنها لم تسحب الشباب من الشوارع نهار السبت، كما طلب من الناخبين «معاقبة المسؤولين عن البطالة لا الطبقة السياسية»، من دون أن يتجرأ على المطالبة بقمع التحرك لئلّا يشوش ذلك على نصره المنتظر.

وبدءاً من اليوم وعلى ضوء نتائج الانتخابات، ستعيد وتحدد «الإسبانيتان» السياسية والشبابية، استراتيجياتهما وكيفية تعايشهما بعضهما مع بعض؛ لجهة «إسبانيا السياسية»، سيجري التسلم والتسليم في البلديات والمناطق وستبدأ مرحلة جديدة أفقها شهر آذار المقبل، موعد الانتخابات العامة، وأبطالها راخوي وخلف ثاباتيرو، الذي سيبدأ اختياره الآن.

من جهة أخرى، ستبحث «إسبانيا الشبابية»، التي فرضت نفسها بين ليلة وضحاها عن كيفية استمرارها، في الشوارع، لكن أيضاً خارجها. عناصر هذه المعادلة ليست بديهية: في أواسط اليوم الانتخابي، كانت نسبة المشاركة على ارتفاع مقارنةً بالانتخابات الماضية، وذلك رغم الحراك الشبابي.