حَذِق منمّق وجميل لكن... على الورق فقط. هذا ما قد يلخّص الانطباع العام لدى معظم منتقدي خطاب الرئيس الأميركي بشأن الشرق الأوسط، من مراقبين ومحللين وصحافيين أميركيين. أجواء انتقادية سلبية طغت على القراءة الأولية للخطاب، والصفات التي أُطلقت عليه راوحت بين «غير واقعي» و«مجرّد كلام» و«فاشل».لم يعلُ التصفيق أمس للخطاب الذي سبقته ضجّة إعلامية أميركية كبيرة، والذي قيل إن الضغوط من أجل تعديله استمرت حتى اللحظات الأخيرة. قليلة هي الأصوات التي أبدت إعجابها بمضامين كلام باراك أوباما، والنقد الإيجابي ركّز على اللغة المنمّقة والعناوين الجميلة فقط. فالكلام البرّاق عن الديموقراطية وحريات الشعوب وحقوق الإنسان والقيم السامية الأميركية يفقد كل معانيه في منطقة الشرق الأوسط. والسياسة الأميركية الفعلية المعتمدة هنا كفيلة بتبهيته وتكذيبه. وقع أوباما في فخّ العالم العربي.
على وقع ترقّب نتائج لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بالرئيس الأميركي ـــــ والرهانات المتشائمة حيالها ـــــ شرّح المراقبون سياسة أوباما «الربيعية» المعلنة أخيراً، والنقد تناول المحاور الرئيسية للخطاب: الدعم المالي لمصر وتونس، الموقف تجاه سوريا والبحرين والأزمة الفلسطينية ـــــ الإسرائيلية. أما الإجماع، فهو على فشل أوباما في تحديد موقف جديد ودقيق وسياسة مختلفة للولايات المتحدة في المنطقة المتغيّرة. أخفق الرئيس، بنظر المنتقدين، في الإجابة عن أسئلة مثل: ماذا نفعل إذا اصطدمت مصالحنا في المنطقة بالقيم التاريخية التي نؤمن بها؟ متى يصبح من الضروري خوض حرب من أجل تلك القيم؟ وكيف نحدد الى جانب مَن نقف عندما تتضارب مصالحنا ومشاريعنا السياسية في قضية مثل السلام الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني؟
لكن بدايةً، قد يكون الحديث عمّا «لم يقله أوباما في خطابه» أكثر دلالة من تناول ما ذكره:
غياب فاضح لأيّ ذكر للمملكة العربية السعودية. أوباما لا يرى في أداء المملكة تجاه مواطنيها أيّ خرق للقيم الإنسانية التي ذكرها. وهو لا يرى أن تحالف آل سعود مع الأنظمة الدكتاتورية في المنطقة، ودعمهم الجماعات الدينية المتطرفة، يعيقان بلورة «الربيع العربي» ونجاحه. لم يشأ أوباما التعليق حتى على التدخل السعودي العسكري الأخير في البحرين، رغم تطرقه للوضع هناك. المراقبون الأميركيون لم يغفروا هذا الخطأ لرئيسهم، لذا ضجّت معظم المقالات الصحافية به.
ـ النفط هو ما لم يشر اليه الرئيس الأميركي أيضاً عندما عدّد المصالح التي تربط بلاده بالمنطقة: «مكافحة الإرهاب، الحدّ من انتشار السلاح النووي، تحفيز التجارة الحرة، الحفاظ على أمن المنطقة، ضمان أمن إسرائيل وتفعيل عملية السلام».
ـ في حديثه عن الدعم المالي لاقتصاد مصر وتونس، وعن مبلغ المليار دولار المخصص لذلك، لم يلفت الرئيس أوباما إلى حقيقة أن هذا القرار يحتاج إلى موافقة الكونغرس، ما سيتطلب شهوراً لبته، كما أن أوباما لم يشر الى ما يكرره كبار المسؤولين والمشرّعين في الكونغرس وهو أن الموافقة على تلك المساعدات الأميركية لمصر مرهونة بنتائج الانتخابات التي ستجري هناك وبشكل القيادة الجديدة في مصر.
ـ لعلّ النقطة الأساسية التي غابت عن الخطاب الرئاسي، كما يشير بعض الصحافيين، هي إظهار بعض التوازن في القضية الأهم في الشرق الأوسط وهي الصراع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني، التي من شأنها أن تحسّن كثيراً النظرة العربية تجاه الولايات المتحدة. فبينما تكرّس مجدداً العرف القائل إن أمن إسرائيل واستقرارها هما الأولوية في السياسة الأميركية، كما كرّر أوباما، تحوّل تلقائياً أمن وطمأنينة الفلسطينيين الى أمر ثانوي. وهذا ما سيؤثر سلباً في تقبّل الدول العربية وشعوبها لأي حل ترعاه الإدارة الأميركية.
ـ في تناوله الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أيضاً، يرى المعلقون الأميركيون، أن الرئيس لم يتوقف (كما في خطاب القاهرة الشهير) عند مشكلة المستوطنات، ولم يكن حازماً بالوقوف ضدها أو وضعها كشرط لاستئناف المفاوضات، أو إنجاح المساعي بين الفلسطينيّين والإسرائيليين. وهنا يقول المراقبون إن أوباما أدرك فشل الإصرار على هذا الموضوع، بعدما أثبتت إسرائيل عدم تقيّدها به.
تلك هي أبرز النقاط التي غابت عن الخطاب الرئاسي، بنظر المنتقدين الأميركيين. أمّا بشأن ما ذكر، فقد توقّف المحللون عند محور المساعدات المالية وسألوا: «هل أصبحت مصر ديموقراطية فعلاً كي نغدق عليها الهبات؟»، وهنا تخوّف البعض من التهوّر الأميركي في دعم جهات تكنّ العداء للولايات المتحدة، إذا ما تسلّمت الحكم في مصر. بعض المحللين الاقتصاديين خفّفوا من قيمة المبلغ المعلن، وأشاروا الى أنه «غير كاف للنهوض بالاقتصاد المصري الذي يشوبه الفساد».
طبعاً، كان لمقرّ تلاوة الخطاب من وزارة الخارجية الأميركية والتحيّة التي وجهها أوباما إلى وزيرة الخارجية مثنياً على «أسفارها المتكررة»، دلالات هامّة، إذ إن البعض لم ير في الخطاب الرئاسي سوى «تكريس كلامي لما تقوم به كلينتون عملياً منذ حوالى 5 أشهر في جولاتها مع وفود اقتصادية وسياسية على الدول الشرق أوسطية».
أما بالنسبة إلى سوريا، فقد أشار كثيرون الى تصاعد الحدّة في مخاطبة الرئيس السوري بشار الأسد، لكن معظم المعلقين انتقدوا «تردد» الرئيس الأميركي في الدعوة صراحةً وفوراً الى تنحي الرئيس السوري، وخصوصاً أن أوباما تكلم عن «العنف ضد المواطنين»، الأمر الذي رآه البعض «مناقضاً لدفاعه عن القيم الإنسانية التي كرر تمسّكه بها في الخطاب».
«يمكن أوباما أن يقول كلاماً جميلاً قدر ما يشاء، لكن الأهمّ هو التطبيق على الأرض، والوقت لم يعد يسمح بأي تأخير»، هكذا ناشدت معظم الافتتاحيات الصحافية الرئيس أوباما.