صنعاء | تراجعت أخبار الثورة خلال اليومين الماضيين في «ساحة التغيير»، تاركة مكانها لخبر مقتل زعيم تنظيم «القاعدة»، أسامة بن لادن. وقد أخذ الخبر أهميته من الجذور اليمنية لزعيم «القاعدة»، إضافة إلى وجود التنظيم على الأراضي اليمنيّة، وهو ما دفع شباب الثورة إلى الخوف من استغلال الرئيس علي عبد الله صالح لواقعة مقتل بن لادن للتأثير سلباً على ساحات التغيير.وعليه، اتفق سريعاً بين كل القوى الشبابية والتكتلات الموجودة في ساحة التغيير بصنعاء، وبالأخص على التعامل مع الخبر بدرجة عالية من المسؤولية. وسارعت قوى شبابية مدنية ويسارية إلى إصدار بيان طالبت فيه بالتنبه لمسألة عدم رفع أي صور لأسامة بن لادن داخل الساحة، حيث كان بعض عناصر الأمن القومي يصوّرون معظم الفعاليات المقُامة داخل الساحة وبثها على المحطات التلفزيونية الرسمية، في محاولة منها لإظهار الطابع الأصولي المسيطر عليها.
اللافت كان تجاوب شباب حزب «التجمع اليمني للإصلاح» الموجودين بالساحة مع الدعوة، إذ كان يُخشى من أن يقوموا بأي مظاهر غاضبة لمقتل بن لادن، إذ توافقوا في ما بينهم وجرى التشديد على مداخل الساحة في محاولة جادة لمنع تسرب أي صور خاصة بإسامة بن لادن، أو أي منشورات تدعو إلى الانتقام لمقتله. وقد تم الاشتغال بخصوص هذه النقطة عن طريق توضيح التناقض التام بين مشروع تنظيم «القاعدة» وبن لادن المعتمد على استخدام العنف كوسيلة للتغيير، أو لاسترداد حق مسلوب، وبين مفهوم «ثورة الشباب اليمنية»، التي اعتمدت منذ يومها الأول على مفهوم السلمية كوسيلة لتغيير النظام، وهو ما اعتبر قوة لها ووقوداً.
ولهذا جرى الاتفاق سريعاً على أن نظام علي عبد الله صالح لن يفوّت مثل هذه الفرصة، وأنه سيستثمرها بكل الطرق، وذلك من أجل إصابة ثورة الشباب السلمية بأي شكل كان، وذلك بداية عن طريق إعلان ترحيب رسمي بمقتل زعيم تنظيم «القاعدة».
ولا يمكن اعتبار مثل هذا التصريح الرسمي، الذي جاء سريعاً، على غير عادة التفاعل الرسمي مع مثل حوادث كهذه إلا كفعل استباقي من قبل النظام، ما يجعله في وضعية ملائمة لنيل بعض الرضى من السفارة الأميركية بصنعاء، كأن حادثة مقتل زعيم القاعدة قد جاءت كفرصة ذهبية لنظام صالح لأن يستفيد منها كما ينبغي، وهو النظام الذي دأب طيلة سنوات حكمه الـ 32 على استغلال مثل هذه الظروف واستثمارها واستخدامها لمصلحته بأي شكل من الأشكال.
لكن، لم يمنع ذلك الاتفاق على عدم رفع أي صور لأسامة بن لادن أو توزيع منشورات، منددة بمقتله، من نشوب أكثر من مشادة كلامية بخصوص مقتل «شيخ القاعدة»، حيث دارت بداخل أكثر من منصة حوارية في داخل «ساحة التغيير» نقاشات موسعة حول عملية القتل التي تعرض لها زعيم القاعدة ومعارضتها لمفهوم السلمية التي قامت على أساسه الثورات العربية الجديدة، وخصوصاً في بيئة عُرفت بأنها «غابة من السلاح»، كالبيئة اليمنية، واتفقت تلك النقاشات على رفض العنف والقتل كأداة لحسم أي إشكالية، مهما كانت.
وبخصوص مسألة استفادة نظام علي عبد الله صالح من حادثة مقتل أسامة بن لادن، قال الخبير اليمني المتخصص في شؤون تنظيم «القاعدة»، سعيد الجمحي، إن التجارب السابقة أثبتت عدم امتلاك نظام الرئيس صالح درجة من الذكاء تمكّنه من الاستفادة من هذه الحادثة، رغم أن هذا النظام كان من أوائل الأنظمة التي استطاعت تحقيق انتصارات على القاعدة، وإن على المستوى الشكلي في عام 2004 وذلك عن طريق مقتل أبو علي الحارثي في محافظة مأرب اليمنية.
وقال سعيد الجمحي لـ«الأخبار» إن النظام اليمني «لا يمتلك من الذكاء ما يمكنه من الاستفادة بطريقة جيدة من مقتل بن لادن، وهذا يعود إلى أن هذا النظام لم يتعامل في يوم ما مع «القاعدة» باعتباره تنظيماً يمثل خطراً حقيقياً أو أنه كيان مؤسسي».
وبحسب الجمحي، فإن نظام صالح لم يتعامل يوماً على نحو جدي مع تنظيم القاعدة، وبالتالي فلن يتعامل اليوم بجدية، مستفيداً من حادثة مقتل بن لادن أو أن يستفيد منها في الإضرار بثورة الشباب، مؤكداً أنه «نظام عمل على طول الخط لـ«استثمار» تنظيم القاعدة لمصلحته، ولم يتعامل معه بجدية». وعليه، لا يمكن نظاماً كهذا لم يستفد من تجاربه مع التنظيم طوال عشرة أعوام أن يستفيد من خبر مقتل زعيم التنظيم وهو يعيش أيامه الأخيرة في حكم اليمن، بحسب سعيد الجمحي.