حال ترقب حذر تسود الأوضاع في باكستان. تعزيزات أمنية حول المدارس الدينية خوفاً من ردود فعل غاضبة على مقتل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وحركة «طالبان» تتوعد بالانتقام رغم تشكيكها بالعملية، وسط سجالات حادة على مختلف المستويات السياسية والقضائية والبرلمانية تطالب الحكومة بتوضيح ملابسات العملية ومدى تورطها، فيما تحاول الأخيرة التملّص من خلال نفي غير مقنع، وينضم إليها الجهاز الاستخباري «آي أس آي»، المتهم بإيواء بن لادن وحمايته، عبر إقراره بالفشل في ملاحقته.
وقال مسؤول في وكالة الاستخبارات الباكستانية «آي إس آي» لإذاعة «بي بي سي» إن المجمع السكني في بلدة أبوت أباد، حيث قُتل بن لادن «داهمه الجهاز في 2003 بينما كان قيد الإنشاء، لكنه لم يضعه ضمن المراقبة منذ ذلك الحين، وشكل ذلك إحراجاً للجهاز». وأضاف إن «آي إس آي وضع يده على وثائق من المجمع».

وتحسباً لردود الفعل والتداعيات، ذكرت وسائل إعلام باكستانية أن السلطات الأمنية عزّزت من الانتشار الأمني من الشرطة والقوات الحدودية والمهمات الدبلوماسية حول العاصمة الفدرالية، ولا سيما في محيط مدارس لال مسجد (المسجد الأحمر) وجامعة فريديا، رغم أن المسؤولين الأمنيين قالوا إنهم لم يلحظوا أي تحرك أو نشاط مثير للشبهة وغير طبيعي داخل التجمعات الدينية وحول المدارس الدينية والجامعات والمعاهد التعليمية، بعد إعلان مقتل الزعيم.
وقالت مصادر أمنية إن الضباط تلقوا تعليمات بتفتيش المارة على نقاط الدخول والخروج من المدينة، فيما أوضح متحدث باسم الداخلية أنه جرى تأليف لجنة برئاسة نائب الوزير للإشراف عن كثب على نشاطات الوكالات الأمنية.
تأتي هذه التعزيزات بعد الوعيد الذي أطلقته حركة «طالبان»، بمهاجمة باكستان والولايات المتحدة انتقاماً لمقتل بن لادن. وقال المتحدث باسمها احسان الله احسان «إذا كان قد استشهد، فسنثأر لموته ونطلق هجمات ضد الحكومتين الباكستانية والأميركية وقواتهما الأمنية». وأضاف «هؤلاء أعداء الإسلام». لكن الحركة عادت وشككت بالاغتيال «نظراً لأن الأميركيين لم يقدموا وثائق مقنعة تثبت ما زعموه، ولم تؤكد مصادر مقربة من الشيخ أسامة أو تنفِ بعد الأنباء عن استشهاده».
وداخل البرلمان الباكستاني، طرح عدد من الشيوخ تساؤلات حول دور اسلام آباد في العملية، ورأوا أنها انتهاك فاضح للسيادة الباكستانية. وانتقدوا صمت الحكومة، وطالبوها بتقديم إيضاحات حول حيثيات تورط الجيش الأميركي في عملية الاغتيال. وقالوا «اغتيال زعيم «القاعدة» أعطى الفرصة للمجتمع الدولي كي يلوم باكستان على تأمينها ملاذات آمنة للإرهاب فوق أراضيها». وتعهد رئيس المجلس، ناير حسين بوخاري، أنه سيجمع معلومات حول الحادثة من وزارتي الخارجية والداخلية وسيتقاسمها مع المجلس.
في ظل هذه الأجواء، كتب الرئيس آصف زرداري مقالاً في «واشنطن بوست» تحت عنوان «باكستان أدت دورها»، قال فيه إن «الرمز الأعظم للشر في القرن الحالي أُخرس، وضحاياه حصلوا عى العدالة». وأكّد أن العملية لم تكن مشتركة، كما قال باراك أوباما ومسؤولون أميركيون، لكنه أضاف إن التعاون والشراكة بين البلدين على مدى عقد من الزمن هما اللذان أديا الى القضاء على تهديد أسامة بن لادن.
وتحدث زرداري عن الثمن الذي دفعته باكستان لمحاربتها الإرهاب، مضيفاً إنّ «العدالة ضدّ بن لادن لم تكن سياسية بالنسبة إلي، بل شخصية، بعدما قتل الإرهابيون قائدتنا العظيمة وأم أولادي» بنازير بوتو. ورأى أن الحرب ضد الإرهاب هي باكستانية بقدر ما هي أميركية، مثنياً على تصريحات أوباما ووزيرة خارجيتيه هيلاري كلينتون.
وحاول زرداري التقليل من شأن تهديدات الجماعات المتطرفة بمن فيها «طالبان»، قائلاً إن الأحزاب الأصولية لم تحظ أبداً بأكثر من 10 في المئة من التأييد الشعبي، وإن استطلاعات الرأي تقول إن أكثر من 85 في المئة من الباكستانيين لا يؤيدون «القاعدة».
رغم ذلك، عُقد مؤتمر صحافي مشترك باكستاني أميركي أفغاني رأى في العملية نجاحاً مشتركاً، وتمثل فيه وكيل الخارجية الباكستاني سلمان بشير ونائب وزير الخارجية الأفغاني جاويد لودين والمبعوث الأميركي الخاص مارك غروسمان. وقال لودين «قتل بن لادن مهم، وهو نجاح مشترك للدول الثلاث».