نيويورك | ردّاً على ضغوط المنظمات الحقوقية والإنسانية من أجل التدخل لوضع حدّ للأعمال الوحشية بحق المحتجين المسالمين، قذفت المنامة كرة النار إلى المعسكر المضاد بتحميل إيران وحزب الله مسؤولية ما يجري من احتجاجات على أراضيها؛ فبعثت بشكوى إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تتهم فيها الحزب بتدريب عناصر بحرينيين في مخيمات أُنشئت في البقاع اللبناني وإيران، من أجل تغيير النظام في الأرخبيل الذي بات تحت سيطرة قوّات سعودية وإماراتية. واتهمت رسالة الشكوى البحرينية، التي لم توزّع بعد في الأمم المتحدة رسمياً، لكن نائب المتحدث باسم الأمين العام، فرحان الحق، أكّد أنّه تلقاها، ما سمّته «ميليشيا حزب الله» بالسعي الى إطاحة نظام العائلة الحاكمة، حسب ما نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية.
ووضعت الصحيفة الأمر في إطار «الحرب الباردة الجارية بين إيران ودول الخليج العربية». ووصفت التقرير الذي قدّمته البحرين بأنّه «سرّي» ومؤلف من 13 صفحة. وتتهم فيه البحرين الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وعدداً من كبار قادته بـ«التآمر بالتنظيم المباشر مع المعارضة البحرينية ذات الغالبية الشيعية على كيفية الوقوف في وجه آل خليفة».
وادّعت البحرين في شكواها أنّ «العديد من الأعمال الإرهابية التي نفذت في البحرين أظهرت أن العديد من البحرينيين الشيعة تلقوا تدريبات على يد حزب الله اللبناني»، وأن «الأدلة تؤكد أن عناصر بحرينيّين يتدربون في معسكرات تابعة لحزب الله أنشئت خصيصاً لتدريب أشخاص من الخليج».
ولم يشر التقرير إلى أي هجمات إرهابية أحبطت أخيراًً، بل يذكر أحداثاً تعود إلى ثمانينيات القرن الماضين بحسب «وول ستريت جورنال».
وتقول حكومة المنامة في التقرير إن «حزب الله أنشأ عدداً من معسكرات التدريب لإعداد عناصر لشنّ أعمال مسلحة في البحرين ودول خليجية أخرى، من بينها معسكرات في وادي البقاع في شرق لبنان، بالإضافة إلى معسكر أطلق عليه ثكن الإمام علي شمال طهران».
وأشارت المنامة في التقرير إلى لقاءات بين عناصر من حزب الله ومسؤولين في المعارضة الشيعية في البحرين، بما فيها جماعتا «حق» و«الوفاق». وذكرت أن زعيم «حق» حسن مشيمع التقى نصر الله قبل عودته إلى البحرين من منفاه في لندن، وناقشا «مدى اتساع المطالب والحدود المحتملة، حيث نصح حزب الله بالمطالبة بملكية دستورية من دون أن يعارض إطاحة النظام».
ويضيف التقرير إن «حزب الله أجرى لقاءات مع مجموعات مقاومة، لتوحيد جهودها من أجل تحقيق الأهداف الشيعية الاستراتيجية».
اتهامات ليست بالجديدة، ولطالما نفاها الحزب وإيران. لكن البحرين تشعر بأن التغطية الإعلامية التي تحظى بها المعارضة من قبل وسائل الإعلام الإيرانية وقناة «المنار»، ومن بعض وسائل الإعلام الغربية، مثل شبكة «سي أن أن» في الولايات المتحدة، و«بي بي سي» في بريطانيا، وعدد من القنوات المستقلة في فرنسا، إنما تتم بتدبير إيراني منظم ضدّها.
وتعليقاً على التقرير، أصدرت «الوفاق» بياناً أكدت فيه أن «تحركاتها السياسية هي تحركات نابعة من الحاجة الوطنية المحلية إلى الإصلاح السياسي للواقع القائم في البحرين، وأن ما تمر به البحرين هو تأثر بما حدث في تونس ومصر وما يحدث في اليمن وسوريا وليبيا والمغرب والأردن وكل البلاد العربية، وأنه لا علاقة للخارج به بأي شكل من الأشكال».
مراقبون في الأمم المتحدة رأوا في شكوى البحرين على حزب الله تناغماً مع المساعي الجارية من أجل تأجيج الصراع وتحويله إلى صراع مذهبي في المنطقة، مدعوماً من قوى غربية كبرى تواجه مآزق كثيرة في
المنطقة.
وقال دبلوماسي لـ«الأخبار» إنّ الولايات المتحدة فشلت في إقناع العراقيين بإبقاء 10 آلاف من قواتها في العراق بعد نهاية العام، وهي «تخشى وحلفاؤها من الإمارات والممالك الخليجية من ملء إيران الفراغ السياسي بعد رحيلها.
وبالتالي ينظرون إلى البحرين بأنها نقطة الاحتكاك الأولى في لعبة ليّ الأذرع على النفوذ مع إيران». ويضيف «إذا لم تعد القوى الغربية الكبرى قادرة على بسط نفوذها في المنطقة من الناحيتين السياسية والعسكرية، فإنها تفضل أن تجعلها ساحة صراع ينتظر الحسم في الوقت
المناسب».
من جهة ثانية، اطّلعت البحرين والسعودية على الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، إلى رئيس مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة، طالباً فيها التدخل من أجل وضع حدّ لما يجري في البحرين. ورأتا أنها تدخل مباشر في شأن داخلي خليجي. ووظّف مجلس دول التعاون الخليجي موضوع خليّة التجسس الإيرانية في الكويت لتلك الغاية.
شكوى صالحي قالت بوضوح إن ما يجري في البحرين ليس شأناً وطنياً داخلياً خاصاً. وهو «مبعث قلق عميق لحكومة الجمهورية الإسلامية»، مشيراً إلى أواصر تاريخية وجغرافية بين الشعبين البحريني والإيراني.
وحذّر من أنّ إيران لا يسعها أن تبقى طويلاً «غير مبالية حيال وضع من شأنه الخروج عن السيطرة وأن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في منطقة الخليج الفارسي برمتها، بما لذلك من وقع على منطقة الشرق الأوسط وما وراءها».
وشرح صالحي سلسلة من الأحداث التي أوصلت الأمور إلى ما هي عليه، وفي مقدّمها التحرك السلمي المطلبي الذي قامت به المعارضة البحرينية. وأشار إلى الردّ بالنار والقتل على التظاهرات السلمية من مسافة قصيرة من غير داع.
وعرض بالتفصيل كيفية منع الجرحى من دخول المستشفيات واختطافهم عن الطريق، ولا سيما بعد «التدخل العسكري الأجنبي» في البحرين، والذي وصفه بأنّه كان يرمي إلى «تعزيز قوة القمع في وجه المطالب الشرعية».
ودعا إلى حل النزاع بالسبل السلمية والحوار مستهجناً الصمت الدولي عن تلك الأحداث، غامزاً من قناة تأثير الولايات المتحدة على المنظمة الدولية بناءً على صداقاتها في المنطقة.
وفي ردّ مباشر على بيان المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي، الذي اتهم إيران بالتدخل، نفى صالحي في خطابه للأمم المتحدة نفياً قاطعاً «محاولات سلطات البحرين، التي تسعى إلى زجّ حكومتي بالوضع الناشئ فقط عن سوء تقدير وتصرف».
وأشار أيضاً بوضوح إلى أنّه ما من اتهامات يمكن أن «تزيل حقيقة أنّ المتظاهرين كانوا غير مسلّحين وتعرّضوا لانتهاكات لحقوقهم الإنسانية».