يحتار الزائر لكوريا الجنوبية من أين يبدأ في وصف ما شاهده من معالم وأماكن وأشياء جميلة، هل ينطلق من الطبيعة الغنّاء، بخضرتها ومياهها وخصوبة أرضها، أم يحكي عن التقدّم العلمي والتكنولوجي والنظام الذي يسير كالساعة؟ ثمة نواحٍ كثيرة تتميّز بها جمهورية كوريا الجنوبية التي تعيش حالة خصومة مع نصفها الآخر في الشمال بسبب الانشقاق، الذي حدث بعد الحرب العالمية الثانية، وسبّب حرباً ضارية بين الكوريتين.

لكن حالة الحرب التي لا تزال هاجس المواطنين في شبه الجزيرة الكورية، لم تؤخر الكوريين عن اقتحام المستقبل بصناعات رائدة أهّلت البلد ليكون عضواً في مجموعة الدول العشرين الصناعية الكبرى، فيما نشط الشطر الشمالي على صعيد الصناعات العسكرية والنووية.
قد يوحي الحديث عن أهمية كوريا الصناعية بالإشارة الى مصانع السيارات والأدوات الكهربائية التي أصبحت تنافس البضائع الصينية والتايوانية وغيرها من بضائع الدول التي تسمى نموراً آسيوية، بيد أن هذا البلد الذي خرج من حرب السنوات الثلاث (1950- 1953) مُنهكاً لم يقصّر في اقتحام المستقبل بجهود أبنائه الذين يشتهرون بالكد والنشاط.
لقد حقق الشعب الكوري «معجزة» ظهرت بعد ثلاثين عاماً من انتهاء الحرب، حسبما يصف السفير اللبناني لدى سيول، عصام مصطفى.
ويشير الكوريون الى بلدهم باسم «جمهورية الهان الكبيرة»، حسبما يعني اسمها التقليدي. لذلك يطلقون على هذه النهضة اسم «معجزة على الهان». والهان أيضاً نهر يمر قرب العاصمة سيول وهو بطول 481 كيلومتراً.
في بيته بإحدى ضواحي العاصمة سيول، حيث استضاف الوفد اللبناني الزائر لكوريا في إطار «برنامج عبر البحار»، وعلى مائدة غداء عامرة بالطعام اللبناني، تحدث السفير مصطفى عن نهضة اقتصادية وتكنولوجية كبيرة، «لأنه شعب عملي لا تتعدّى أيام إجازاته في السنة سوى 10 أيام، فيما عدا العطلة الأسبوعية طبعاً. ومنهم من يعمل في دوامين نهاري وليلي. والتلميذ الكوري لا يكتفي بما يتعلمه في المدرسة، بل ينهل من معين الفنون والرياضة وخصوصاً فنون «التيكواندو» والدروس الخصوصية في مجالات علمية».
مصطفى، الذي بدا وزوجته ماجدة خبيرين في الشؤون الكورية، رغم عدم مرور أكثر من سنتين على وجودهما في هذا البلد، تحدّث عن ثلاثة أشياء تهمّ الشعب هناك، اصطلح على تسميتها «3 G»، وهي (غارليك وجنسينغ وغينغر) أي الثوم وشاي الجنسينغ والزنجبيل. هذه الأشياء الثلاثة لا يمكن المائدة الكورية في أي وقت أن تخلو منها.
ويحكي السفير عن جزيرة اسمها «جي جو». شعارها «لا شحادين ولا سارقين» بمعنى أن الناس هناك ينامون بأمان وبيوتهم مشرعة الأبواب. لكن الرقم 4 هو نذير شؤم بالنسبة الى معظم السكان.
ورغم أن كوريا الجنوبية تكاد تخلو من أي لبناني، باستثناء السفير وعائلته، إلا أن الحكومة تحاول إقامة علاقات ثقافية واقتصادية مع لبنان والدول العربية قاطبة. لهذا أُنشئت جمعية كوريا والعرب منذ سنتين تقريباً، وتشكّل مجلس إدارتها من ممثلين عن 14 سفارة عربية ونحو 40 شركة كبيرة. وتضم كلاً من الأردن والمغرب والجزائر وتونس وليبيا والسودان ومصر والسعودية وقطر وعمان والإمارات والعراق ولبنان. ومهمة هذه الجمعية «فتح العالمين بعضهما على بعض ثقافياً»، حسبما يرى السفير.
أما أبرز النشاطات الثقافية التي نتجت من هذا المولود، فكان مهرجان شاركت فيه فرقة موسيقية لبنانية فولكلورية، فيما زارت لبنان فرق موسيقية نسائية كورية شعبية، وأحيت حفلتها في قصر الأونيسكو ببيروت.
في العقود الماضية، كان تركيز بعض الدول العربية ذات المنحى الاشتراكي على توطيد علاقاتها مع كوريا الشمالية التي تقف الى جانب قضايا العرب أكثر من الجنوبية التي تختار قراراتها السياسية وفق إملاءات الولايات المتحدة. وحسب ما يرى السفير اللبناني، فإن نحو 20 في المئة لا يحبّون الأميركيين، مشيراً الى احتجاجات دامت لمدة 3 أشهر ضد معاهدة FTA للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة، لأنهم يرون أنها مجحفة بحق بلادهم، مع التذكير بأن سيول عقدت مثل هذه الاتفاقية أيضاً مع 17 دولة أخرى.
وفي ما يتعلق بالسيارات، يلاحظ المرء أن العديد من أنواع سيارات «هيونداي» تختلف في طرازها عن السيارات التي يستوردها لبنان، فرغم الصورة النمطية عن هشاشة هذا النوع من السيارات، فإن في كوريا أنواعاً أخرى أكثر رفاهية ومتانة، إضافة الى سيارات أخرى باهظة الثمن وهي صناعة محلية أيضاً من نوع «EGOS».
أثناء زيارتنا الى أسان في وسط البلاد جنوبي سيول، كانت لنا جولة على مصنع «هيونداي»، حيث يعمل 90 في المئة من الموظفين من كوريا والباقي أجانب. في كل حال، المصنع يعتمد على الآلات أكثر من اعتماده على البشر.
يمكن رؤية صناعة السيارة من البدء حتى الانتهاء في هذا المصنع الذي يشكل مع مصنع آخر في منطقة أوسلان في الجنوب أكبر مصادر إنتاج السيارات في البلاد، حيث يعمل 33000 موظف في كلا المصنعين.
تتحدث مسؤولة قسم الشرق الأوسط في الشركة، مين غيونغ كيم، عن علاقة جيدة مع العالم العربي عموماً، ولبنان خصوصاً. وتشير الى أن عام 2010 شهد استيراد 220 ألف سيارة الى الشرق الأوسط، منها 5000 سيارة الى لبنان بمعدل وسطي 15000 دولار للسيارة.
وتشير الى أن الخطة الجديدة تقتضي تصدير 300,000 سيارة الى الشرق الأوسط في العام الجاري.
تتوسع الشركة في إنشاء مصانع محلية وخطوط إنتاج في أنحاء العالم، مصانع في الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وجمهورية التشيك.
في أي حال، وبالنسبة إلى الشركات الكورية فإنها تنشط بقوة في الأسواق العربية، وخصوصاً لدى دول الخليج وأكثرها الإمارات العربية المتحدة. لكن في المُجمل، فإن حجم التبادل التجاري لا يتعدى 20 إلى 30 مليون دولار مع العرب.
كوريا التي وصلت صادراتها إلى ما يقارب 422 مليار دولار عام 2008، كانت تحتل الرقم 5 من بين الدول المصدّرة. ولعل أهم ما توصلت إليه هو صناعة السفن التي كانت في السابق محصورة باليابان وبريطانيا، لكن الكوريين الجنوبيين أصبحوا اليوم في طليعة صنّاع السفن في العالم. تظهر أهمية هذا البلد من حيث التنظيم المدني الذي يفصل بين مناطق صناعية وزراعية وأخرى سكنية، ففي الطريق الى مقاطعة انتشجون في الجنوب والتي تتمتع بسلطة محلية (212 كيلومتراً من سيول) كان القطار السريع ينساب وسط مناطق زراعية تعتمد أساليب علمية حديثة. وبسبب البرد القارس الذي تصل معه درجة الحرارة في ذروتها الى عشرين تحت الصفر، ثمة الكثير من البيوت البلاستيكية التي تحفظ المزروعات. ولعل أبرز المزروعات الأرز والذرة والقمح والشعير، وهناك جذور الجنسينغ المنشّطة، أما على سواحل البحر الأصفر فتنتشر زراعة الزيتون والعنب والدراق وغيرها.
على المستوى الثقافي، تتميز كوريا بالعديد من المعالم التاريخية والأثرية، التي تدخل في سجل التراث العالمي مثل، معبد هينسا جانغيونغ بانجون، لحفظ ألواح تريبتاكا كوريانا، وضريح جونغمو وكهف سوكورام ومعبد بولكوكسا، إضافة الى مجمع قصر تشانغ ديكونغ وحصن مواسونغ. وثمة معلم سياحي آخر هو مدينة كيونغ جو ذات المعالم التاريخية، إضافة الى جزيرة جيجو البركانية.
وللحديث عن المياه نكهة خاصة، ففي رحلة شتائية باردة كان لا بد من رحلة في نهر الهان في باخرة مخرت كتل الجليد. وهناك الكثير من الأنهار مثل نهر أمنون كانغ الذي يبلغ طوله 521 كيلومتراً ونهر ناكدونغ كانغ (521 كيلومتراً أيضاً).
المرأة الكورية حاضرة في المجتمع والاقتصاد والسياسة والإعلام. من هؤلاء النساء لي سوه يون، التي أصبحت أول رائدة فضاء كورية. النساء يتميزن بنعومة فائقة. فرغم سنوات الحرب التي تحفر آثارها على وجوه النساء المسنّات، تتميز الفتيات بتألق لافت وجاذبية ممزوجة برهافة حس لا تخلو من الخجل. يذكر السفير اللبناني، عصام مصطفى، أن الكوريات أثناء احتلال اليابان لبلدهنّ (1910-1945) كنّ أدوات تسلية للجنود اليابانيين الذين أجبروهنّ على ممارسة البغاء معهم. لذلك أطلق اليابانيون على نساء كوريا اسم «comfort women».
وقد صودف أثناء هذه الزيارة حلول السنة الكورية القمرية، حيث يستمر تعطيل البلاد لمدة سبعة أيام، يحتفل الكوريون خلالها بسماع الموسيقى القومية «سوجي تشون»، فيما يحتفل الشباب على طريقتهم المصبوغة بالنمط الغربي. فالكوريون يتعلقون بالموسيقى منذ صغرهم. هناك الكثير من المناسبات في «جمهورية الهان الكبيرة» مثل يوم الزيّ الوطني ويوم الطيور ويوم اللغة ويوم الفراشات ويوم أسطورة الوردة.
ورغم أجواء الفرح والابتسامة التي يتميز بها معظم من التقيناهم من الشعب هناك، تبقى ذاكرة الحرب حاضرة وتخليد القتلى جزء من المشهد التراجيدي الذي لا بد لكل زائر أن يتعرّف عليه. هنا نعود الى «البروباغندا» التي تنشط بقوة من أجل تشويه نظام الشمال الشيوعي، من دون أن تعترف بخطأ التبعية الجنوبية لدول الغرب. في هذا السياق، كانت الرحلة الى البحر الأصفر أو بحر الغرب، حيث القواعد العسكرية المواجهة مع سواحل الصين وكوريا الشمالية.
كانت مناسبة هذه الزيارة مشاهدة السفينة التي قتل فيها 46 عسكرياً، جراء تعرّضها لطوربيد فشقّها الى نصفين في آذار من العام الماضي. الدعاية واضحة في محاولة اتهام بلا مبرر للشماليين، فقد شرح الضابط المرافق كيفية إصابتها من تحت المياه، مشيراً الى نموذج مشابه من الطوربيد المُستخدم في العملية الى أنه من صنع كوري شمالي. لكنه يضيف: لا دليل على تورّط بيونغ يانغ في هذا الهجوم.



أسطورة أبناء «النمرة»


تروي الأسطورة عن تاريخ تأسيس كوريا أن ملكاً نزل من السماء والتقى أنثى نمر وجملاً فطلبا منه تحويلهما الى بشريين، وكانت إجابته لهما «إذا صمتما شهراً كاملاً وأفطرتما على 20 حبة من الثوم تصبحان بشراً». نجحت أنثى النمر في الاختبار وفشل الجمل. وهكذا أصبحت سلالة هذه «النمرة» هي شعب كوريا. ولذلك يحب الشعب الكوري الثوم ويكثرون منه في الطعام. هي «جمهورية الهان الكبيرة» التي تقع في موقع استراتيجي عند التقاطع في منطقة شمال شرق آسيا، بين اليابان والشرق الأقصى من روسيا والصين. عاصمتها سيول (10 ملايين نسمة)، عملتها الوون (1$= 1.257 وون) ولغتها الكورية بحروف (هانغول). أهم المدن: بوسان (3.5 ملايين نسمة)، وانتشجون (2.6 مليون) وتيجو (2.5 مليون)، إضافة الى ديجون وكوانغو وأولسان). أما عدد السكان فيبلغ قرابة 50 مليوناً ، وما يزيد على المليون من الأجانب المقيمين. ورغم عدم استخدامها سوى في المناسبات، لا تزال الملابس التقليدية «هانبوك» موضع فخر للكوريين.