خطّت ساحل العاج أمس نهاية الأزمة أو الحرب بين «الرئيسين» التي تفشّت في شوارع العاصمة أبيدجان. وبعد اعتقال قوات فرنسية الرئيس المنتهية ولايته لوران غباغبو، وتسليمه لخصمه الرئيس المنتخب الحسن وتارا، على أن يقدم إلى المحاكمة، انتهى القسم الأول من المشكلة، فيما يحتاج البلد إلى وقت طويل للملمة نفسه

حرب «الرئيسين» تكتب نهايتها



يبدو أن أيام العنف التي شهدتها أبيدجان خلال الأيام الماضية، بكل تداعياتها من تشريد عائلات ونفاد مقومات الحياة الأساسية، في طريقها إلى النهاية، بعدما أعلن مستشار رئيس ساحل العاج المنتهية ولايته لوران غباغبو، طوسون آلان، أن «قوات فرنسية خاصة اعتقلت غباغبو وسلمته إلى زعماء المعارضة، بعدما اقتحمت دبابات فرنسية مقره». هكذا، حسم الرئيس المنتخب الحسن وتارا نتيجة الحرب لمصلحته، مدعوماً من القوات الفرنسية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وأكد مسؤول في وزارة الدفاع العاجية اعتقال غباغبو، مضيفاً أن «قوات وتارا، بدعم من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والقوات الفرنسية، اعتقلته»، فيما أعلن السفير الفرنسي في ساحل العاج جان مارك سيمون، أن «قوات وتارا اعتقلت غباغبو، واقتادته إلى فندق غولف، المقر العام لوتارا في أبيدجان».
ورغم نفي مصدر دبلوماسي فرنسي أن تكون قوات فرنسية قد اقتحمت مقر غباغبو، إلا أن شاهداً عياناً أعلن أن مروحيات فرنسية أطلقت النار باتجاه مقر إقامة غباغبو في أبيدجان، بعد ساعات من توجيه ضربات بالتعاون مع الأمم المتحدة استهدفت معقله. وأضاف: «بدأت معارك بالأسلحة الفردية» في جادة تقع تحت مقر غباغبو، موضحاً أنه «حلقت مروحيات تابعة لقوة ليكورن (الفرنسية) فوق منطقة المقر. وأطلقت صواريخ عدة. وارتفعت سحابة كثيفة من الدخان الأسود من جهة مقر إقامة» غباغبو.
وقالت الأمم المتحدة وفرنسا إنهما استهدفتا منذ بعد ظهر أول من أمس وحتى الليل العديد من المواقع الاستراتيجية، بينها مقر الإقامة حيث يتحصن غباغبو، بهدف «التصدي للأسلحة الثقيلة» التي يملكها معسكره.
بدوره (نيويورك ـــــ نزار عبود)، سارع سفير ساحل العاج في الأمم المتحدة، يوسف بامبا، إلى التأكيد أن «غباغبو في صحة جيدة وسيحال على القضاء لمحاكمته». ولفت إلى أن «العملية التي أدت إلى اعتقال غباغبو جرت سريعاً وباحتراف»، مشدداً على أن القوات العاجية نفذتها. وتابع قائلاً إن «الكابوس انتهى بالنسبة إلى سكان ساحل العاج. غباغبو معتقل حالياً في مكان آمن بانتظار المراحل الأخرى لمثوله أمام القضاء».
وفي السياق، شرح وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون قوات حفظ السلام، ألان لوروا، ظروف استسلام غباغبو لقوات وتارا، قائلاً إن «ذلك جرى بعد مفاوضات بين الطرفين لم تشارك فيها بعثة الأمم المتحدة. لكن القوات الدولية بمساعدة الفيلق الفرنسي الأجنبي قصفت أسلحة غباغبو الثقيلة التي كان يستخدمها في الاعتداء على المدنيين والقوات الشرعية والقوات الدولية، ثم استسلم». وأضاف متحدثاً إلى الصحافيين في الأمم المتحدة، بعد جلسة مشاورات عقدها أعضاء مجلس الأمن لمتابعة آخر التطورات في ساحل العاج، أن «مصير غباغبو بات في يد الرئيس وتارا وشعب ساحل العاج».
وتحدث لوروا عن احتمالين للمرحلة المقبلة: «إما أن يقرر وتارا السماح لغباغبو بالخروج من البلاد، أو من العاصمة أبيدجان، أو يقرر محاكمته». وأكد أن قائد قوات الحرس الجمهوري دوغلاي بلاي، اتصل بالبعثة الدولية وقرر تسليم أسلحته الثقيلة للسلطات الرسمية، مرجحاً أن يكون ذلك قد بدأ بالفعل.
ونفى لوروا أن تكون الأمور قد عادت إلى طبيعتها بعد استسلام غباغبو. وأكد أن «هناك جيوب مقاومة كثيرة لا تزال منتشرة في البلاد ويجري التعامل معها، فضلاً عن أن إعادة الهدوء والاستقرار باتت مسألة معقدة في ظل الفوضى السائدة، وقد يستغرق حفظ النظام والقانون وقتا طويلاً»، مشيراً إلى أن القوات الحكومية ستتولى الأمر بمساعدة قوات الأمم المتحدة الموجودة على الأرض ضمن بعثة ساحل العاج.
وأشار لوروا إلى أنه أكد أن «معظم القتال توقف بالفعل، ويُعمَل على جمع السلاح غير الشرعي». وشدد على «أهمية مساعدة المجتمع الدولي لإتمام المصالحة الوطنية في الدولة الأفريقية التي مزقتها الحروب الأهلية المتعاقبة». وأكد أن قوات حفظ السلام «تعمل بطاقتها القصوى وتحتاج إلى دعم كبير، وخصوصاً بعد مواجهة أزمات متتالية»، لافتاً إلى أن «محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في ساحل العاج ستحصل قريباً بعد تأليف مجلس حقوق الإنسان لجنة تحقيق بدءاً من أمس»، مضيفاً أن «وتارا وافق على نتائج أي تحقيق».
وباركت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، اعتقال غباغبو، ورأت أن «اعتقاله يوجه رسالة قوية إلى جميع الديكتاتوريات، بأنه لا يمكنها أن تتجاهل أصوات شعوبها».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)

■ ■ ■

لوران غباغبو... نهاية سياسي عنيد



مع اعتقال رئيس ساحل العاج السابق لوران غباغبو، قد تطوى صفحة أزمة ساحل العاج، ومعها نهاية رئيس عرف على مدى حكمه بالعناد، الذي أوصله في النهاية إلى الخسارة
نتيجة عناد الرئيس السابق لساحل العاج لوران كودو غباغبو، كان اقتياده إلى السجن بعد أشهر من تخبّط البلاد في أزمة سياسية انتهت بحرب دموية طاحنة بين مؤيديه وأنصار منافسه الفائز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الحسن وتارا.
غباغبو الذي رفض التنحي والرحيل، لم يكن «يريد الموت»، رغم أن سلوكه كان يصب في تأكيد هذه الفرضية، فقد ذكر لقناة تلفزيونية فرنسية «أنا لست انتحارياً، أنا أحب الحياة، صوتي ليس صوت من يرنو الى الشهادة». لذلك فضّل السجن على أي قرار آخر، بعدما رجحت كفّة الحرب لمصلحة جماعة منافسه وتارا المدعوم من الفرنسيين.
أستاذ اللغة الإنكليزية المولود في 31 أيار 1945في مدينة غانيوا غرب ساحل العاج، كان مديراً لكلية اللغات والثقافة في جامعة كوكودي ـــــ أبيدجان، قبل أن يؤسس الجبهة الشعبية لساحل العاج عام 1982.
لكن وقوف النقابي والناشط السياسي في وجه نظام الرئيس الأسبق فيليكس هوفيوت بوانييه (أول رئيس لساحل العاج من 1960 إلى 1993)، أجبره على الخروج من البلاد، حيث عاش في منفاه الاختياري في فرنسا بين عامي 1985 و 1988.
بعد عودته من فرنسا كان أول غيث نشاطاته السياسية، مشاركته في أول انتخابات رئاسية عام 1990. انتخابات غير مسبوقة كان مؤسس الدولة العاجية، بوانييه، قد أعلنها في سياق سياسته الجديدة لفتح المجال أمام التعددية السياسية، بسبب ما واجهه نظامه من معارضة شديدة.
وربما كانت وفاة بوانييه عام 1993، نتيجة إصابته بداء السرطان، فرصة لغباغبو وغيره من أجل اقتحام حلبة السلطة رغم نجاح رئيس البرلمان هنري كونان بادييه، الذي تولى السلطة طبقاً لما ينص عليه الدستور، في تصفية منافسيه في انتخابات عام 1995. انتخابات أقصي منها غباغبو ووتارا، بعد استصدار بادييه قانوناً يمنع ذوي الأصول غير العاجية من الترشح للرئاسة.
لكن بادييه أُطيح في انقلاب عسكري عام 1999، بقيادة الجنرال روبرت غي، الذي تولى مقاليد السلطة، ومهّد لانتخابات رئاسية عام 2002، فاز فيها غباغبو. إلاّ أن المشكلة التي واجهها الأخير، هي أن غي رفض النتائج، وأعلن نفسه رئيساً وحيداً للبلاد.
وربما مثّلت هذه التطورات النقطة الحاسمة في تاريخ الرجل السياسي، حيث بدأ مرحلة جديدة من الصراع، معززاً بدعم كبير من قوات الجيش والدرك في مواجهة غي. ونتيجة الضغوط والتظاهرات التي واظب مؤيدوه على تنظيمها، تمكّن غباغبو من تبوّء سدة الحكم في تشرين الأول 2002، ومنذ ذلك التاريخ وهو يتولى رئاسة ساحل العاج.
أما منافسه وتارا، فلم يوافق على نتيجة هذه الانتخابات التي طالب بإعادة إجرائها. وتطورت تلك المطالبات والاحتجاجات إلى محاولة انقلاب على نظام غباغبو، الذي كان وقتها في زيارة لإيطاليا، حيث تمكّن المعارضون من السيطرة على مدينة بواكي شمال البلاد ومهاجمة عدد من المراكز الحيوية في العاصمة أبيدجان، من دون أن ينجحوا في إطاحة النظام.
ويبدو أن حظ الرجل في السياسة لم يحالفه قط، فقد عاشت البلاد منذ أيلول 2002 حالة حرب أهلية، وانقسام بين جنوب يحكمه غباغبو وغالبية سكانه مسيحيون، وشمال ذي غالبية مسلمة يسيطر عليه المعارضون «القوات الجديدة». انقسام دام حتى آذار 2007، بعدها وقّع غباغبو مع خصومه اتفاقاً في واغادوغو في بوركينا فاسو، تولى على أثره قائد المعارضة غيوم سورو، رئاسة الحكومة.
لكن قبل هذا الاتفاق كان الرجل العنيد متمسكاً بالسلطة ويماطل في إجراء انتخابات رئاسية، بعدما انتهت ولايته المفترضة عام 2005، إلّا أن الضغوط الداخلية والخارجية نجحت في إقناعه بإجراء الانتخابات في نهاية عام 2010 على أمل أن تنهي عقداً من الأزمات السياسية والعسكرية.
هذه الانتخابات التي أدت في النهاية الى وقوعه قيد الاعتقال أمس، أسست للأزمة الأخيرة، حين رفض غباغبو النتيجة التي أُعلن بموجبها الحسن وتارا فائزاً بالجولة الثانية، بعدما كان الأول فائزاً في الجولة الأولى. فبعد تأجيل متكرر، أعلنت اللجنة الانتخابية المستقلة في ساحل العاج الحسن واتارا فائزاً في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة في البلاد.
ورغم تعديل المجلس الدستوري لهذه النتائج لتصبح في مصلحة غباغبو، لم يحظ هذا المجلس بتأييد دولي بسبب وقوف رئيسه إلى جانب غباغبو، الأمر الذي أعاد البلاد الى دوامة الأزمات، فأغلق الجيش الحدود، ومنع المؤسسات الإخبارية الأجنبية من بث أخبارها من داخل ساحل العاج.
هذه الخطوة دفعت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وفرنسا والولايات المتحدة إلى مطالبة غباغبو بتسليم السلطة الى منافسه، فيما أدّى بقرار تحدٍّ واضح اليمين الدستورية لولاية ثانية مدتها خمس سنوات في 4 كانون الأول الماضي. تحدٍّ عبّر عنه بقوله «سأواصل العمل مع جميع بلدان العالم، لكنني لن أتخلى أبداً عن سيادتنا».
(الأخبار)