باريس - أظهرت نتائج الانتخابات المحلية بأن اليمين المتطرف بات له موقع ثابت على الخريطة السياسية الفرنسية بحصوله على ١١،١ في المئة من الأصوات، بينما اكتفى حزب الرئيس نيكولا ساركوزي بـ ١٨،٦ في المئة، وحصد الحزب الاشتراكي ٣٦ في المئة من الأصوات. إلا أن أنظار المعلقين كانت موجهة نحو إسقاط نتائج هذه الانتخابات، التي شهدت مشاركة ضعيفة جداً (٤٧ في المئة)، على انتخابات رئاسية افتراضية، ومحاكاة لعدة احتمالات تظهر كلها فشل ساركوزي في الوصول إلى الدورة الثانية «أياً كان منافسه الاشتراكي لتحل محله مارين لوبن» الزعيمة الشابة للجبهة الوطنية. هذا الاحتمال يترك حزب الأكثرية الشعبية الحاكم واجماً أمام نتائج هي أكثر من كارثية، لتدفع أحد محازبيه إلى القول «ماذا فعل ساركوزي بالحزب؟».
كل المؤشرات تدل على أن قاطن الإليزيه كان محقاً في التمسك بطروحات يمينية محافظة متطرفة تتماشى مع تطلعات شرائح واسعة من المواطنين الفرنسيين، إلا أنه يبدو أن شخصية ساركوزي وطرق تصرفه باتت تنعكس مباشرة على نتائج حزبه والمرشحين باسمه. يدفع كل هذا عدداً من المحازبين علناً إلى طرح سؤال كان مستبعداً حتى الآن، وهو «هل لنا مرشح آخر؟». هذا السؤال لم يعد افتراضياً، إذ تبين من نتائج انتخابات يوم الأحد أنه يكفي أن يكون المرشح على خلاف مع ساركوزي حتى ينجح في الانتخابات، حتى ولو كان في حزب الرئيس.
بالطبع يمكن اعتبار الحزب الاشتراكي الرابح الأكبر، إلا أن غياب المشاركة وتصاعد قوة التوجه الشوفيني لليمين المحافظ يمكن أن يقود إلى «انزلاق كامل أجنحة اليمين» نحو تطرف بات يصبغ معظم الدول الأوروبية. ويتخوف المراقبون من أن «يضطر الحزب الاشتراكي إلى الأخذ ببعض طروحات اليمين» للمحافظة على تقدمه، إذ إن النسبة الكبيرة للممتنعين عن التوجه نحو صناديق الاقتراع لا يجب أن تحوّل الانتباه عن مجموعة استطلاعات رأي تدلّ على أن «مجموع أصوات اليمين يتجاوز أصوات اليسار»، بحيث إن أي حلف بين أجنحة اليمين يمكن أن يحقق لها سيطرة كاملة على الحياة السياسية، وبالتالي يمكن أن يقود إلى تغييرات هيكلية في مجمل السياسات على صعد مختلفة، من سياسة الهجرة ومعاملة المهاجرين إلى دور الإسلام والمسلمين في المجتمع الفرنسي، مروراً بنظم التعليم والضمان الصحي.
إلا أن التغييرات لن تتوقف فقط على السياسة الداخلية، بل يمكن أن تنعكس أيضاً على دور فرنسا في الاتحاد الأوروبي، إذ إنه يوجد تيار عريض من اليمين الذي «يطالب بالخروج من منطقة اليورو»، وإعادة الحدود الجمركية. كما أن قسماً كبيراً لا ينظر بعين الرضى لعودة فرنسا إلى الحلف الأطلسي، ولا لمجموعة قرارات مرتبطة بمنظمة الحلف الأطلسي، من تغييرات طالت هيكلية الجيش الفرنسي، مثل خفض عدده، وسبل تجهيزه للتماثل مع النظم الأطلسية. إلا أن أهم ما يثير قلق المراقبين هو انعكاسات هذا التوجه اليميني على المجتمع الفرنسي وتماسكه، وهنا تظهر خطورة الطروحات التي رماها ساركوزي في ساحات النقاش الفرنسية منذ وصوله إلى الإليزيه، مثل الهوية الوطنية ودور الإسلام في المجتمع ومسألة الحجاب والبرقع، إلى جانب استهداف الهجرة والمهاجرين الشرعيين، رغم كل الدراسات التي أفادت وتفيد بضرورة اليد العاملة المهاجرة للاقتصاد الفرنسي.
وسط هذه الأجواء، لا تزال الندوة حول «الإسلام في فرنسا»، التي دعا إليها حزب الرئيس «مبرمجة». السؤال اليوم هو هل يتابع ساركوزي في هذا الاتجاه الذي لن يخدم حزبه، بل يساعد الجبهة الوطنية على تقوية مواقعها، إذ أثبت المواطن الفرنسي أنه إذا أراد الالتصاق بطروحات محافظة فهو يفضل «الأصل على التقليد»، وخصوصاً بعد وصول «الشابة مارين لوبن» إلى موقع القيادة وغياب والدها، ما حسّن صورة الجبهة وحدّثها، في ظل حرص لوبن الابنة على «صون لسانها»، والابتعاد عن زلّات اللسان التي شوّهت رسالة والدها في السابق.