كان قرار مجلس الأمن الرقم 1973، الذي جرى التصويت عليه بغالبية الأعضاء ليل الخميس الماضي، مدخلاً لحرب حقيقية بدأت تُشنّ على ليبيا. هي ليست المرة الأولى التي يتخذ فيها مجلس الأمن قرار فرض الحظر الجوي على بلد عربي، إذ سبق لدول الحلفاء، التي شنّت حرب «عاصفة الصحراء» لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، أن فرضت حظراً مماثلاً على العراق. الفارق أنه في الحالة الليبية، كان فرض الحظر مدخلاً للتدخل العسكري المباشر، فيما جاء فرض الحظر على العراق في أعقاب عاصفة الصحراء، وانسحاب القوات العراقية من الكويت.
يمكن تسجيل نقطة التحوّل في الأزمة الليبية ابتداءً من ليل الخميس الماضي، حين صدر القرار 1973، الذي نص على حظر جميع رحلات الطيران فوق الأجواء الليبية بهدف حماية المدنيين، على أن تُستثنى رحلات الإمدادات الإنسانية، ودعوة جميع الدول الأعضاء إلى اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين والمناطق السكنية، ما يعني السماح بالقيام بإجراء منفرد من جانب دولة أو بالتنسيق مع منظمات، واستخدام القوة العسكرية لحماية المدنيين.
هكذا بدأ التحالف الدولي تدخله العسكري، وقصف أهدافاً ليبية جواً وبحراً. وبالتوازي مع بدء العمليات، قال مسؤول فرنسي: «قد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً نسبياً، لكن لا يمكننا أن نستبعد أيضاً مخرجاً سريعاً...».
في العراق بدا السيناريو مختلفاً. لم يكن لفرض الحظر الجوي علاقة مباشرة بحرب الخليج الثانية، بل تراكمات أفضت إلى تمرّد شعبي ضد الرئيس الراحل صدام حسين، مباشرةً بعد انسحاب القوات العراقية من الكويت.
غزا العراق الكويت في 2 آب عام 1990، فندّد مجلس الأمن بالغزو في قراره الرقم 660، وطالب العراق بالانسحاب الكامل. بعد أربعة أيام، أصدر المجلس قراره الرقم 661 القاضي بفرض عقوبات اقتصادية على العراق. في هذا الوقت، بدا أن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب كان قد حسم قراره بالتدخل العسكري. في 29 تشرين الثاني من العام نفسه، أصدر مجلس الأمن قراره الرقم 678، الذي سمح للدول المتعاونة مع الكويت باستخدام «جميع الوسائل الضرورية» لتنفيذ قرار المجلس الرقم 660، ومُنح صدام مهلة حتّى 15 كانون الثاني للانسحاب حدّاً أقصى. انتهت المهلة من دون أي انسحاب عراقي، وبعد يومين، أي في 17 كانون الثاني، بدأت حرب الخليج الثانية أو «عاصفة الصحراء» بقصف جوي على العراق شنته قوات التحالف.
بعد نحو 40 يوماً، قال بوش الأب: «الكويت أصبحت محررة، وهزم الجيش العراقي». ورأى أن المهمة الرئيسية لقوات الائتلاف كانت «تحرير الكويت»، وأن تغيير النظام السياسي في العراق هو «شأن داخلي»، لكن حدث أن صوّب جندي مجهول فوهة دبابته باتجاه إحدى صور الرئيس العراقي في البصرة، فقمعت القوات العسكرية العراقية المنتفضين ما أدى إلى كارثة إنسانية على الحدود مع كل من إيران وتركيا.
في السياق، نشر معهد «واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» في أواخر شباط الماضي تقريراً أعده الباحث مايكل نايتس عن احتمال فرض منطقة حظر جوية على ليبيا، والدروس التي يُمكن الاستفادة منها من تجارب سابقة في هذا المجال. وقال إنه في 5 نيسان عام 1991، عمل العديد من شركاء التحالف من أجل التصديق على قرار مجلس الأمن الرقم 688، الذي طالب بأن تنهي بغداد قمعها للأكراد. وبدأت عملية إغاثة دولية في كردستان العراقية، وفرض منطقة حظر طيران بقيادة الولايات المتحدة فوق خط عرض 36 شمالاً. وتحت مسمى «عملية توفير الحماية».
وفي 26 آب عام 1992، استخدم التحالف القرار الرقم 688 لإعلان منطقة حظر طيران تغطي جميع الأصول الجوية العراقية تحت خط عرض 33 جنوباً. غير أن منطقة الحظر لم تحم أبداً المدنيين في الجنوب بصورة حقيقية، لأن القوات البرية للنظام كانت لا تزال قادرة على استخدام المدفعية والوسائل الأخرى.
أسهم فرض حظر الطيران على العراق في إقامة إقليم كردستان في الشمال، وحماية الشيعة في الجنوب، وإن ليس بصورة مطلقة. في المقابل، لا يزال الغموض يكتنف كيفية سير الأمور في ليبيا بعد قرار فرض الحظر الجوي. فإما أن تعمل الدول الغربية على تجريد القذافي من سلاح الطيران الذي يمنحه التفوق العسكري على الثوار، ثم تترك الأحداث تسير على هواها من دون تدخل. أما السيناريو الآخر، فهو أن يفتح قرار حظر الطيران الباب أمام تدخل بري للقوات المتحالفة لإسقاط القذافي.
لا شكّ أن المصالح النفطية التي دفعت الدول الغربية إلى التدخل عسكرياً في ليبيا، سترسم بنفسها اتجاه الأحداث، لكن نايتس يقول في تقريره: «التاريخ يبيَّن أن فرض مناطق حظر طيران هو منحدر زلق. فمن السهل بدء مثل هذه المهمّات لكن من الصعب جداً إنهاؤها...».