تبدو قوات الاحتلال مصمّمة على عدم مغادرة العراق خالية الوفاض. لا تزال تعمل، بكل ما أوتيت من نفوذ، على ضمان بقاء حد أدنى من الجنود ومراكز التجسس والتجنيد. في النهاية، دفعت الإدارة الأميركية تريليونات الدولارات لإسقاط صدام حسين، وتريد شيئاً في المقابلتقول المصادر العليمة بشؤون العراق وشجونه «لعل أخطر الملفات المطروحة حالياً يتمحور حول الطلب الأميركي من الحكومة العراقية بقيام 18 ممثلية أميركية في المحافظات العراقية الـ18، وهذا طبعاً غير القنصليات والسفارة».

وتضيف «ممثليات كهذه ليست سوى أوكار للتجسّس والتجنيد، عدا عن أن كلاً منها يتطلب كتيبة عسكرية لحمايته. بهذه الطريقة يكون الأميركيون قد وجدوا مبرراً لإبقاء الجنود الـ47 ألفاً الذين لا يزالون منتشرين في العراق».
أوساط المالكي تقول إن الأميركيين «يعملون حسب مقتضيات مصالحهم. ولكن لا بد أن ينسحبوا آخر السنة، ليس لديهم إلا أن ينسحبوا، لم يعد لديهم إمكانية أن يبقوا. جزء من المشاكل محاولة من الأميركيين لأن يبقوا شيئاً من قواتهم في العراق، لغاية في نفس يعقوب، كي لا يعتبروا أنفسهم خرجوا من العراق عسكرياً بهذه الطريقة. بحسب الاتفاقية الأمنية بين الطرفين، يجب أن يسحبوا كل قواتهم وتبقى سفارة. من زمان، من أيام حكومة المالكي السابقة، ما عاد هناك مستشارون أميركيون في الوزارات. هناك تأثير، نفوذ، ضغط يمارس، لا أحد يستطيع أن يقول هذا غير صحيح، لكن لا عنوان لمثل هذه الممارسات. الأميركيون لا يريدون الانسحاب مهزومين. يريدون القول إنهم انسحبوا بإرادتهم وتركوا كل شيء على ما يرام. لكن هذا غير صحيح. لقد ضُغط عليهم لينسحبوا، وإن حاولوا الظهور بأنهم ينسحبون باتفاق، لكن هناك أطرافاً كثيرة لا تزال تشعر بأنها هُزمت في العراق. أرادوا تحقيق مشروع كبير، لكنهم فشلوا. من الأمور النفسية التي يمكن أن تساعدهم على تجنّب شعور كهذا، بقاء بعض القوات لهم في العراق ولو رمزياً».
وتقول مصادر الحكومة العراقية إنها «لن تقبل، لا هي ولا المالكي، بالطلب الأميركي فتح هذا العدد من الممثليات». لكن جهات «خبيثة» تقول إن «المالكي يكذب وسيمرر هذا الطلب كما فعل مع الاتفاقية الأمنية التي سبق أن تعهد أنه لن يمررها».
مصادر إقليمية معنية بهذا الملف تؤكد أن «المالكي، إذا فعلها هذه المرة، يكون قد قضى على مستقبله السياسي»، وخصوصاً في ظل وجود امتعاض إيراني منه لم يصل حد سحب البساط من تحته «وإلا لما بقي في موقعه». وتضيف «حتى الآن لم يقدم المالكي أي شيء للإيراني، لا في السياسة ولا في الاقتصاد. حتى اللجنة الاقتصادية المشتركة أطاحها بحجة أن أي بضائع ستأتي بشاحنات من إيران ستحمل معها صواريخ ومتفجرات»، مشيرة إلى أن «الأرضية تبدو ناضجة لإسقاط المالكي وتنتظر الضوء الأخضر من الإيراني الذي لا يزال يستمهل لأسباب ليست معلومة».
وبالنسبة لإرجاء القمة العربية المقررة في العراق إلى الشهر الخامس، تقول أوساط المالكي إن «هذه واحدة من علامات العجز العربي. المفروض في أوقات كهذه، أن تقرر قمم استثنائية إذا لم تكن مقررة، لكن لأنهم يعرفون أنفسهم عاجزين عن اجتراح أي حل، فقد أرجأوا القمة. أصلاً ماذا فعلت القمم السابقة كي تأتي هذه القمة بثمار. هي مجرد شكل من أشكال التضامن العربي والوجود العربي. أحسن من لا شيء. لكن من الآن للشهر الخامس، يخلق الله ما لا تعلمون. أنظمة عربية ضخمة عريقة مثل النظام المصري سقطت. علينا أن ننتظر لنرى أي من الأنظمة سيبقى. حال التضعضع في السعودية، لا نعرف ماذا سيحصل هناك حتى ذاك الحين. هناك النظام اليمني...».
وفي رد على سؤال عما إذا كان ممكناً أن تحصل أمور مشابهة في العراق، تقول المصادر «من غير المرجح لأن العراق، وإن فقد كثير من الأشياء، أخذ الجو الديموقراطي. هناك انتخابات، وإن حصل فيها تزوير فقد جاء لغير مصلحة الكتلة الحاكمة، خلافاً لما يحصل في الدول الأخرى، وواضح أن هناك كتلاً كنا نتوقع ألا تحصل على مقعد لكنها حصدت 5 و6 مقاعد. التجربة الديموقراطية تسمح بتغيّر البرنامج في الانتخابات المقبلة، لمصلحة فلان أو فلان. العراق ليس بحاجة إلى ثورة ليتغيّر، بعملية اقتراع واحدة يمكن أن يتغيّر».