خاص بالموقع- تكتشف إسبانيا هذه الأيام صفحة مجهولة من تاريخها تعود إلى حقبة ديكتاتورية الجنرال فرانكو. صفحة عنوانها سرقة الأطفال والرضّع التي جرت على مرحلتين: الأولى من الثلاثينيات حتى الخمسينيات لإثبات «أن الماركسية إعاقة»، والثانية بعد الخمسينيات حتى التسعينيات حين صارت السرقة لصوصية أكثر منها «سياسية». يوم الثلاثاء الماضي، مثلت أمام المجلس الإسباني جمعيتان أهليتان للتحدث عن ظاهرة، كان معظم الإسبان يعتقدون أنها حكر على الديكتاتورية الأرجنتينية وتجسيد لشناعتها. فقبل نهاية الحرب الأهلية الإسبانية بين عامي 1936 و1939، أعطى الجنرال فرانكو الطبيب النفسي أنطونيو فليخو ناخيرا الصلاحيات للقيام بتجارب تثبت «أن الماركسية إعاقة اجتماعية». وكتب الطبيب أن الصلاحيّات: «كانت فرصة فريدة لإثبات أن الفكر الماركسي بدائي، والمساواة الاجتماعية التي يروج لها وسيلة لاستقطاب المعاقين الذهنيين».
وعلى قاعدة هذه الأفكار، اقترح فليخو فصل أولاد الجمهوريين عن أمهاتهم، كي لا «تلقحهم بالطاعون الشيوعي». وعلى المنوال نفسه، نُظِّمت فرق كانت تجول خارج إسبانيا لخطف أطفال هرّبهم أهلهم من ديكتاتورية فرانكو. وكان أولاد «الحمر» يُرسَلون إلى مؤسسات، تشرف عليها الكنيسة الكاثوليكية، حيث تُغيَّر أسماؤهم حتى لا يبقى أثر لهويتهم. وقدر القاضي بالتازار غارزون أن عدد الأطفال المسروقين في الأربعينيات والخمسينيات يوازي 30 ألفاً.
لم تتوقف عمليات السطو عند هذا الحد، إذ إن الممارسة انتقلت بين الخمسينيات والتسعينيات إلى دور الولادة والمستشفيات، حيث كانت الراهبات المسؤولات عن هذه المؤسسات يخطفن الرضّع المولودين لأمهات عازبات لغايات مادية.
وعرضت مار سوريانو، الناطقة باسم منظمة «بلاتافورما» حالة شقيقتها بياتريز، التي خطفت عام 1964 في مركز أودونيل للتوليد، الذي كانت تشرف عليه الراهبات، وأُبلغت والدتها بأن الطفلة توفيت أثناء الولادة.
وقال أنطونيو باروزو، رئيس جمعية «أنادير»، الذي كان قد خطف عند ولادته، إن «المجتمع والدولة لهما مسؤولية تاريخية إزاء الضحايا، بعدما تعممت هذه الممارسة على كامل الأراضي الإسبانية، ولم تأخذ الدولة التدابير الكفيلة بمنعها، لا بل بالعكس، كان لصوص الأطفال يعملون داخل المؤسسات العامة ويزورون وثائق عامة».
وتطالب المؤسستان بأن تتحمل الآن الدولة مسؤوليتها، بعدما تحملت العائلات وحدها كل جهد البحث حتى الآن، وطالبت بتوفير خط هاتفي مجاني في كل بلدة لمن يشكك بهويته وبتسهيل عملية الفحوص الجنائية لهم، إضافة إلى تأسيس بنك معلومات جنائية لذوي العائلات التي فقدت أطفالها، أو التي أبلغت أنها توفيت في ظروف مشبوهة والسماح بمراجعته كما هي الحالة في الأرجنتين. ووعدت كل الأحزاب السياسية بمتابعة القضية حتى معاقبة المتورطين، ما عُدّ «خطوة أولى حاسمة بعد عقود من النسيان». وقال أحد نواب الحزب الوطني الباسكي: «كنا نندد بما فعله الأرجنتينيون، وعلينا اليوم أن نعترف بأن إسبانيا كانت سبّاقة، وصار علينا أن نتعلم من الأرجنتين اندمال هذا الجرح وتعويضه».