الخطر النووي الذي يهدّد اليابان لا يزال مستمراً، بعدما هزّ انفجاران محطة فوكوشيما دايتشي النووية، أمس، فلم يكن من طوكيو إلا أن سارعت إلى امتصاص الخطر، مستبعدة تكرار «تشيرنوبيل»، فيما تتواصل عمليات الإغاثة وسط هزّات ارتداديّة شبه متواصلةلا تزال تداعيات الزلزال والتسونامي اللذان ضربا اليابان في أوجها، بعدما هزّ انفجاران جديدان محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية، فيما سارعت طوكيو إلى استبعاد احتمال وقوع كارثة شبيهة بـ«تشيرنوبيل». ورغم جهود الحكومة لتهدئة مخاوف المواطنين من وقوع حادث نووي، بدا العالم بأسره يتابع بقلق متزايد تطور الوضع.
ووقع انفجاران قبيل ظهر أمس على مستوى المبنى الذي يضمّ المفاعل الثالث في محطة فوكوشيما النووية الرقم 1، ما أدى إلى إصابة 9 أشخاص. وأدى الانفجاران إلى تحطيم سطح المبنى، إلا أن مبنى الاحتواء الذي يؤوي المفاعل تمكن من المقاومة، بحسب شركة طوكيو للطاقة الكهربائية (تيبكو) التي تشغّل المحطة.
وأكدت الحكومة أن إمكان حدوث تسريبات إشعاعية «ضعيف»، فيما أعلن وزير الاستراتيجية الوطنية كويشيرو غينبا أنه «ليس هناك أي احتمال إطلاقاً بوقوع (حادث من نوع) تشيرنوبيل»، مستنداً إلى خبراء في وكالة السلامة النووية. وكانت الوكالة قد بثّت تقريراً عن المفاعل الرقم 2، بعدما أفادت تقارير بانخفاض مستويات المياه في المبرد حول قلب المفاعل، قائلة إنه «لا يمكن استبعاد احتمال انصهار قضبان الوقود»، ما يعني احتمال حدوث تسرب إشعاعي.
وكان المدير العام للوكالة الذرية التابعة للأمم المتحدة، يوكيا أمانو، قد أعلن أن أنابيب التوصيل بالمفاعلات لم تتضرر، وكان التسرب الإشعاعي محدوداً. وقال إن «السلطات اليابانية تبذل قصارى جهدها تحت ظروف في غاية الصعوية لحماية محطات القوى النووية وضمان سلامتها». ومع تسارع الأحداث، طلبت اليابان رسمياً من وكالة الطاقة إرسال فريق من الخبراء، بحسب أمانو.
وإذ بدا كويشيرو مطمئناً، أعلن وزير الصناعة والطاقة الفرنسي أريك بوسون أن «الوضع بعد الحادث في محطة فوكوشيما النووية مقلق، ولم يعد بالإمكان استبعاد سيناريو وقوع كارثة نووية». وأضاف «إننا نشهد حادثة نووية خطيرة نظراً إلى حصول تسرب إشعاعات نووية، لكننا لم نصل بعد إلى كارثة»، مؤكداً أن «هذا السيناريو لم يعد مستبعداً الآن».
وفور وقوع الانفجارين، أعلنت هيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية أن وكالة الطاقة أصدرت توصية بضرورة إجلاء أي شخص يوجد في منطقة ضمن عشرين كيلومتراً من المنشأة النووية، وأن يبقى من لم يتمكن من المغادرة داخل منزله، ويعتقد بأن 600 شخص لا يزالون داخل هذه المنطقة.
في هذا الوقت، تخوض فرق الإغاثة في المناطق المنكوبة «سباقاً يائساً مع الزمن لإنقاذ أي ناجين قد يكونون عالقين تحت جبال الحطام الهائلة» المنهارة، بحسب المتحدث باسم الصليب الأحمر، باتريك فولر. وعثر أمس على نحو ألفي جثة على سواحل مقاطعة مياغي (شمال شرق)، حيث يتوقع أن يتخطى عدد الضحايا العشرة آلاف بحسب قائد الشرطة المحلية، علماً بأن عمليات الإجلاء كانت تجري على وقع الهزات الارتدادية، وفي ظل المخاوف من وقوع تسونامي جديد.
وكانت مجموعة إطفائيين على متن طوافة قد رصدت موجة بارتفاع ثلاثة أمتار، قبالة سواحل اليابان، ما أدى إلى إصدار تحذير من تسونامي على الساحل الشمالي الشرقي، قبل أن تعود السلطات إلى رفع التحذير.
وعمدت السلطات إلى توفير إمكانات هائلة لإغاثة 590 ألف شخص جرى إجلاؤهم، لناحية توفير المسكن والغذاء. كذلك عبأت اليابان مئة ألف جندي يمثلون 40 في المئة من عديد جيشها، فيما يستمر توافد فرق الإنقاذ الأجنبية من جميع أنحاء العالم. وأعلن البيت الأبيض أن فريقاً يضم 144 مسعفاً أميركياً وصل إلى ميساوا (شمال) للمشاركة في عمليات الإغاثة.
رئيس الوزراء الياباني، ناوتو كان، أعلن أن «قدرة اليابان على النهوض مجدداً تتوقف على كل منا»، محذراً من أن البلاد تشهد «أخطر أزمة عرفتها خلال 65 عاماً، أي منذ الحرب العالمية الثانية».
وأثار هذا الوضع التوتر بين المستثمرين الذين حذرتهم الحكومة من «الوطأة الهائلة» على الاقتصاد الياباني بفعل الزلزال والتسونامي. وعلقت الشركات اليابانية الرئيسية لصنع السيارات نشاطاتها الإنتاجية في جميع أنحاء البلاد بسبب صعوبات التموين، فيما باشرت شركة «تيبكو» المسؤولة عن إمدادات الكهرباء في الشرق برنامج تقنين للتيار مع توقف 11 مفاعلاً عن العمل، ما دفع روسيا إلى إعلان استعدادها لتحويل نحو ستة آلاف ميغاواط من الكهرباء إلى اليابان، وزيادة إمدادات الفحم، وتسليمه 200 ألف طن من الغاز الطبيعي المسيّل في نيسان وأيار المقبلين.
وقد ضحّ البنك المركزي الياباني أضخم عملية سيولة في تاريخه، بعدما ضخ 15 تريليون ين (131,6 مليار يورو) في الأسواق المالية على ثلاث دفعات من أجل «ضمان استقرار الأسواق المالية».
الوضع الياباني حرك الجدل حول النووي المدني في العديد من البلدان، ولا سيما في ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة، حيث دعا عدد من النواب إلى تعليق تطوير الطاقة النووية. وقررت الهند التثبت من سلامة جميع مفاعلاتها، فيما علقت سويسرا جميع مشاريع تجديد محطاتها النووية. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أعلنت أيضاً أن حكومتها الائتلافية علقت العمل باتفاقية تقضي بإطالة أمد محطات القوى النووية في البلاد، فيما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه سيعيد النظر وربما إلغاء فكرة إقامة مفاعل نووي لتوليد الكهرباء.
في المقابل، أعلن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو لا تعتزم إعادة النظر في مشاريعها النووية، فيما وصف الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف الوضع في اليابان بأنه «كارثة وطنيّة»، بعدما اتصل برئيس الوزراء الياباني معزياً.
من جهته، جدد الرئيس الأميركي باراك أوباما دعمه لليابان، ووعد بأن تقدم بلاده كل المساعدة اللازمة. وقال «لا أزال أشعر بحزن كبير عندما أشاهد صور الدمار في اليابان»، مضيفاً «سنتضامن مع اليابانيين في الأيام الصعبة الآتية».
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز)