في زيارة قام بها وفد من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة»، بقيادة أحمد جبريل، إلى الصين في بداية السبعينيات، سأل أحد أعضاء الوفد الزعيم الصيني آنذاك، ماو تسي تونغ، أن يعطي الوفد نصائح في الثورة، فكان جواب ماو الذي عُرف بثقافته الواسعة، «لديكم (الإمام) الحسين» وتسألونني عن الثورة؟ حادثة يمكن البناء عليها في الوقت الحالي، حيث يحاول المسؤولون الصينيون اتّخاذ العبر من الثورات العربيّة القائمة، ولا سيما بعدما حاول ناشطون معارضون للنظام الصيني التجمّع بالمئات في شنغهاي نهاية الشهر الماضي. جواب ماو للوفد الفلسطيني وسعي المسؤولين الصينيين لفهم ما يجري في الواقع العربي، يطرحان إشكاليّة ثقافية حول الصيغة العلائقية للتبادل الثقافي بين أمةٍ حثّ نبيّها محمد على طلب العلم «ولو في الصين»، وبين حضارة أنتجت ثورة ثقافية رائدة، باتت تستجدي الحلول لمشاكلها «ولو من عند العرب».
الحدث انطلق من إقليم شينجيانغ في شمال غرب الصين، حيث تعيش غالبية مسلمة، تعرضت في السنوات الأخيرة لاضطهاد من الحكومة المركزية في بكين. بيد أنه انتقل الى شنغهاي (إحدى البلديات المركزية الأربع في البلاد وتقع في وسط ساحل بر الصين)، والى مدن أخرى باتت تطالب برفع المظالم عن الشعب الصيني.
لعل حضور الدرس العربي كان لافتاً خلال الأسبوعين الأخيرين، حيث ألقت الشرطة القبض على عشرات المعارضين في عدة مناطق صينية، بسبب دعوات هؤلاء من خلال المدوّنات والمواقع الإلكترونية إلى تنظيم تجمعات تطالب بالديموقراطية، على غرار التجمعات التي تشهدها بعض الدول العربية.
وربما بسبب الرابط الديني الإسلامي بين سكان إقليم شينجيانغ، الذي يتحدث أهله التركية، مع غالبية مواطني العالم العربي، كان زخم المعارضة في شينجيانغ أقوى من باقي الأقاليم الصينية، فقد انتشرت أعداد كبيرة من رجال الشرطة تحسّباً لأيّ اضطرابات تعيد مشهد العنف الدموي (العرقي ـــــ الديني) الذي وقع في عاصمة الإقليم، أورومتشي، عام 2009، والتي أدّت الى سقوط 200 قتيل.
ثمة خشية حقيقية لدى المسؤولين الصينيين إزاء هذا الإقليم، لذلك ذكّر رئيس الحزب الشيوعي في إقليم شينجيانغ، تشانغ تشون شيان، الويغورييين بالإصلاحات التي بدأت قبل ثلاثة عقود ودفعت الصين لتصبح ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، مضيفاً «إذا أردنا استقراراً طويل الأمد فينبغي أن نضمن أن ينعم المواطنون ويستفيدوا حقاً من ثمار الإصلاح والانفتاح». وفي محاولة للتقارب مع الأقليات، لم ينس المسؤول الصيني دعوة سكان شينجيانغ البالغ عددهم 21.6 مليون نسمة إلى أن يندمجوا أكثر في القاعدة العريضة للمجتمع الصيني.
هذا على صعيد مناطق الويغور، أما على مستوى المدن الأخرى، فقد أفردت صحيفة «واشنطن بوست» في عددها الصادر نهاية الشهر الماضي، تقريراً بعنوان «الصين تخمد الاحتجاجات المُستلهَمة من الشرق الأوسط قبل أن تنجح في تحركاتها».
ووصل الأمر الى حد أن رئيس الحكومة الصينية وين جياباو، لجأ الى الإنترنت لينصح بتطهير البلاد من المسؤولين الفاسدين الكبار في الدولة، وبكبح الزيادة في التضخم وارتفاع أسعار المساكن.
واتّبعت الحكومة الصينية، أمام ما لاحظته من امتعاض جماهيري واضح تغذّى من نجاحات ثورتي تونس ومصر، تكتيكات دفاعية وعدائية في آن. لعل الخطوة الأولى التي اتّبعها المسؤولون هي محاولة توضيح الفارق بين طبيعة الأنظمة العربية والنظام الصيني الذي يمثّل مفارقة في اعتماده الليبرالية الاقتصادية، بينما يعلن اعتناقه الشيوعية.
وأبرز التكتيكات الدفاعية التي قام بها المسؤولون، حسبما ذكرت «واشنطن بوست»، هي اعتماد خطوات تصعيدية إزاء تعليقات الجمهور التي تركّز على الاحتياجات، داعية الى «نضال اجتماعي» يعالج المشكلات الناتجة من تفاوت المداخيل بين الأغنياء والفقراء.
وعلى المستوى العدائي، اعتقلت السلطات عدداً من الناشطين الحقوقيين وحجبت مواقع إلكترونية اعتبرت أنها حساسة. كما أن الشرطة الصينية ومتطوعين من الشبيبة الشيوعية وضعوا في حال استنفار دائم في الأسابيع الأخيرة، ولا سيما يوم 27 شباط الماضي. استنفار لم تشهده فقط العاصمة بكين، إنما مدينة شنغهاي أيضاً ومدن أخرى دعت المعارضة الى تسيير احتجاجات فيها.
إجراءات عديدة شهدتها هذه المدن، منها منع الصحافيين من دخول مناطق الاحتجاج ومعاملة العشرات منهم «بخشونة»، والتعامل مع التجمعات بالقمع ومنع التصوير، بالرغم من اعتماد المتظاهرين لغة الصمت.
لم يكن الشعب الصيني لينتظر ثورات في المقلب الآخر من آسيا، حتى يهبّ للمطالبة بحقوقه وبحريته وبمعاقبة الفاسدين، فقد شهدت الصين العديد من الاحتجاجات على مدى أكثر من خمسين عاماً كانت دائماً تُجابه بالقوة. والأحداث الدموية التي شهدتها ساحة تيان أن مان، وسط بكين، في عام 1989، تؤكد طبيعة الشباب الصيني الذي يطالب دوماً بالديموقراطية والإصلاح.