طهران| كم هو متعب الرئيس محمود أحمدي نجاد. توصيف عُرف عنه منذ توليه رئاسة الجمهورية عام 2005. يعمل من الفجر حتى ساعات متقدمة من المساء. وتيرة فرضها على كل الوزارات. يتصل بوزرائه ليلاً. يطلب إليهم ما لا طاقة لكثيرين على القيام به. حريص على العمل الجماعي. على مجموعة متجانسة تنبذ كل من يغرد خارجها أو لا ينسجم معها.
رئيس من طينة الناس، كما قال بنفسه. قام بـ84 جولة على المحافظات. هناك، في كل منها، كان يجلس مع طاقمه الوزاري لمدة شهر، يستمع إلى مطالب المسؤولين ويلبّي حاجات المواطنين. بقاع نائية قد يكون المحافظ المسؤول الأرفع الذي زارها في تاريخها. جهود كافأه عليها سكان هذه المنطقة التي ضمنت إعادة انتخابه. رئيس جريء، حتى على المستوى الداخلي. لعل حقيقة أنه الرئيس الوحيد الذي خاطر ببدء تطبيق خطة رفع الدعم خير دليل... كلها توصيفات يجمع عليها معظم من عملوا في إدارته.
لكن من ضمن رجالات الدولة، قلة تعترف لنجاد «بذكائه وحنكته»، وتأخذ عليه في الوقت نفسه الكثير، من ضمن ذلك أنه «متقلب» و«متهوّر في قراراته» و«أربك الدولة من كثرة الإقالات التي قام بها». قد يكون الأقسى حكماً بين هؤلاء رئيس لجنة الطاقة في غرفة التجارة والصناعة الإيرانية، البروفسور علي شمس أردكاني الذي يعدّ أحد أهم المنظرين لخطة رفع الدعم.
يقول أردكاني، في تقويمه لإنجازات نجاد على المستوى الاقتصادي، «لا شيء» قبل أن يستطرد «قياساً بما كان عليه أن يفعله». ويضيف «انظر إلى مؤشر الإنتاجية، إلى مؤشر التضخم الذي يصل إلى 17 في المئة، والبطالة التي توازي 11 في المئة، معظمها في متخرّجي الجامعات». حتى في الأرياف، حيث صبّ نجاد معظم جهوده، يقول أردكاني «لم يفعل نجاد شيئاً في المحافظات. لقد وزع الأموال فقط. إنه ذكي جداً. يسير ويوزع الأموال. لهذا ألف دولار لفتح ورشة صغيرة، ولذاك 500 دولار لإصلاح حمامه... أنت تعرف، ألف دولار لا قيمة لها في طهران، لكنها في القرى النائية يمكن أن تحدث فرقاً».
يقدر أردكاني عالياً ما قام به نجاد في ما يتعلق بخطة رفع الدعم التي كان أحد أكبر المنظّرين لها. يقول «تاريخياً، بدأت المشكلة مع اقتصاد النفط في أوائل القرن العشرين. بدأت إيران تصدير هذه السلعة الحيوية ودخل المردود منها في الميزانية. وهذا كان بداية تخريب الاقتصاد الوطني، لأنه مع احتساب العائد من النفط كدخل، إنك تعمل على تبديده. العائد النفطي يجب أن يُحتسب على أنه رأس مال». ويضيف «مع نمو الدخل النفطي ومع استمرار إدخاله في الميزانية، كبرت المشكلة. ولعل أهم عناصرها نمو الاقتصاد الحكومي على حساب القطاع الخاص، وفقدان الإخلال بالتوازن بين القطاعات الإنتاجية، وخاصة الصناعة والزراعة، ودخول العائد النفطي في ميزانية العائلة، حيث تدخلت الدولة لدعم سلع كان ارتفاع أسعارها سيجعل العائلات تمتنع عن استهلاكها أو على الأقل تخفض منه».
ويقول أردكاني «بدأ ذلك مع الخبز في خلال الحرب العالمية الثانية، وقتها، في 1942، حصلت تظاهرات شعبية، فجرى دعم هذه السلعة من عائدات النفط. كانت إيران تحت الاحتلال الانكليزي والسوفياتي والأميركي. هنا دخل النفط عاملاً سلبياً في الاقتصاد. في عام 1946، انخفض سعر النفط، ولم تكن العائدات كافية لتغطية النفقات. وصدف أن الانكليز لم يدفعوا ثمن النفط الذي كانوا يستوردونه. كان هذا بداية ما يعرف بثورة مصدّق، الذي كان بحاجة الى المال. قال للناس ما معناه: هذا خبزكم الذي يسرقه الانكليز. كان الشعب معه، لكنه كان على خطأ لأنه لم ينظر إلى الدخل النفطي على أنه رأس مال، بل على أنه دخل للحكومة».
ويضيف «بعد تأميم النفط، أصبحت شركة النفط الوطنية شركة حكومية مئة بالمئة. لم يأت ذلك لمصلحة الشعب، بل لمصلحة الحكومة التي استغلت هذه المادة لتدعيم سلطتها على الناس، لا كرأسمال لتدعيم الاقتصاد الوطني. وسنة بعد سنة، مع ارتفاع أسعار النفط، بدأ الاقتصاد الحكومي يتغوّل على حساب الاقتصاد الخاص. الاقتصاد الإيراني ينمو، لكن الاقتصاد الخاص لا يتحرك بالمقارنة مع الاقتصاد الحكومي».
«هذه هي الخلفية التاريخية لما يعُرف اليوم بخطة رفع الدعم»، يقول أردكاني، مضيفاً إن ما كان يجري حتى الأمس القريب «لا يختلف أبداً عما جرى وقتها. في موازنة الحكومة التي قدمت الأسبوع الماضي، قدرت الحكومة، لأسباب إنفاقية، سعر برميل النفط بـ80 دولاراً. لكن إذا ما نظرت إلى النفقات، تجد أن سعر برميل النفط يجب أن يكون 90 دولاراً لتغطيتها، أي إن جميع أموال النفط مع 10 دولارات إضافية عن كل برميل يجب أن تذهب إلى الميزانية. حسناً، ماذا يحصل لو انخفض السعر إلى 70 دولاراً؟ بحسب هذه الميزانية، يكون لديك عجز بقيمة 20 دولاراً عن كل برميل نفط».
ويوضح أردكاني أن «اقتراحي كان أن عليك ألا تحوّل أياً من أموال النفط إلى الموازنة. تضع المال كرأس مال وتستخدم فوائد هذا المبلغ. النفط يجب بيعه بطريقتين: التصدير، وبالتالي تحصل على عملة صعبة. وفي الداخل، وهنا تُستَهلك كميات ضخمة نحصل في مقابلها على ريالات. هذه الريالات والعملات الصعبة يجب أن تُجمع كرأس مال، وعلى الحكومة أن تغطي نفقاتها من الضرائب والرسوم». ويتابع «خطتنا تقول إننا سنبدأ بالمبيعات التي تعود علينا بريالات، أي الاستهلاك الداخلي. ليس النفط فقط، بل المبيعات من الغاز. هذا يعود علينا بحوالى 120 مليار دولار سنوياً يجب أن تتحول إلى رأس مال. إن لم تبع 120 ملياراً حالياً فسيكون عليك أن تطبع عملة محلية، وبالتالي مواجهة التضخم».
ويشدد أردكاني على أنه «بحسب حساباتي، طوال القرن العشرين، فقط 20 في المئة من مدخول النفط حوّل إلى رأس مال، بينما كان يجب تحويل 80 في المئة. منذ 20 سنة وأنا أحاول إقناع المشرعين من دون جدوى بأن بيع البنزين بأسعار زهيدة أمر خطأ، وأنه يجب رفع الدعم عنه. الرئيس نجاد تدخل بعدما أدرك أنه يستطيع أن يجمع 120 مليار دولار بالعملة المحلية من دون أن يُطرح عليه أي سؤال، فقال لنفعل ذلك، وكانت هذه نواة خطة رفع الدعم. قال في نفسه: سأجمع 120 مليار دولار بالعملة المحلية برفع الدعم عن البنزين والكهرباء والخبز، أوزع 40 في المئة منها على الفقراء، بقيمة 80 دولاراً شهرياً لكل من يسجّل نفسه في لوائح معينة (30 في المئة من العائلات لم تسجل أسماءها) والباقي للموازنة ولأصحاب العمل على شكل قروض».
ويقول أردكاني إن «القانون الذي أقرّ ينص على أنه في العام الأول، 30 في المئة من هذا المبلغ ستذهب إلى أصحاب العمل و30 في المئة الى الخزانة و40 في المئة الى الناس. وفي العام التالي، ستصبح النسب على الشكل الآتي: 37.5 في المئة للناس و35 في المئة لأصحاب العمل و27.5 في المئة للخزانة. وفي العام الذي يليه: 35 في المئة للناس و25 في المئة للخزانة و40 في المئة لأصحاب العمل». ويضيف «كان يمكن نجاد، الذي بقي لديه عامان رئاسيان، أن يبدأ تطبيق الخطة في الربيع، بحسب القانون، لكنه انتظر حتى الخريف. فكر أنه لو بدأ في الربيع، لدخل تطبيق الخطة عامه الثالث في ولايته، لذلك فضل انتظار بداية السنة المالية الفارسية التي تبدأ في 21 آذار مع أعياد النوروز». ويوضح «دفع نجاد أموالاً للناس لمدة ثلاثة أشهر، وجمع أموالاً من رفع الدعم لمدة أربعة أشهر، وقام بلعبة محاسبية. أدخل المال في حساب الناس قبل زيادة الأسعار من دون القدرة على استخدامها، فلما ارتفعت، لم يشعر الناس بوطأتها لأنهم كانوا يمتلكون المال الذي يغطي الزيادة».
ويتابع أردكاني «الشيء الآخر، قلنا لهم تعالوا لنقوم بشيء آخر، شيء جيد للشباب بأسعار تفضيلية. بما أنكم لم تدفعوا ما يكفي للصناعيين تعالوا واشتروا منهم كميات كبيرة من البضائع. وزارتا الصناعة والتجارة توافقتا على شراء 200 ألف غسالة صناعة إيرانية و200 ألف براد و200 ألف مكواة، نحو 15 سلعة معظمها كهربائية، وقالوا للناس تعالوا واشتروها بالتقسيم بلا أرباح وبلا فوائد. عملية الشراء هذه جرت بشروط أن تعمل الصناعات على خفض استهلاك السلع من الطاقة بنسبة 10 في المئة، فقال الصناعيون إنهم بحاجة الى استثمارات من أجل تطوير المنتجات، فردّت الحكومة بإعطائهم نوعاً من السندات باسم ريال ال سي وقروض بفائدة 3 في المئة لسد العجز الذي يمكن أن يصيبهم من جراء ارتفاع أسعار الطاقة». ويلفت إلى أن «المصانع لم تتضرر فقط بارتفاع الأسعار، بل إن الحكومة، التي كانت توصل هي الوقود إلى المصانع على حسابها، قالت للصناعيين العام الماضي إن عليكم أن تدفعوا أنتم مصاريف الشحن من المصافي إلى المصنع. ومن أجل تغطية هذه التكاليف، قدّمت الحكومة قروضاً للمصانع، في مقابل أن تمتنع هذه الأخيرة عن رفع سعر منتجاتها هذا العام بل ترجئه إلى العام المقبل، وكذلك تسديد القروض».
ويقول أردكاني «إذا تحدثت إلى رجل الشارع، يقولون لك إن الأمور تسير على ما يرام. لكن هل تكمل على هذه النحو؟ أعتقد أن نجاد فاز بالخطوة الأولى، حصل على المزيد من المال للحكومة. جيوب الفقراء، الأكثر حساسية لإجراءات كهذه، في حالة جيدة، أسعار الخبز انخفضت، بعدما منعت السلطات إضافة السمسم إليه، كذلك أسعار اللحم والبيض وما إلى ذلك قياساً بما كانت عليه قبل خمسة أشهر. في المقابل، ارتفعت أسعار البنزين والكهرباء وأجرة التاكسي. لكنها زيادة أقل مما تدفعه الحكومة في حسابات المواطنين المسجلين التي يفيض منها. هو يدرك أن الأسعار سترتفع في مرحلة مقبلة. لكنه يقول في نفسه، على ما أعتقد، من الآن وحتى ذلك الحين يخلق الله ما لا تعلمون». يعتقد أنه لا تزال أمامه سنتان فقط قبل أن يخرج من الحكم، وما سيحصل من بعده شأن الذي سيخلفه، على قاعدة «من بعدي الطوفان».
وعن توزيع الثروة في إيران، يقول أردكاني «ليس لدينا شركات احتكارية كبرى تمتلكها عائلات. المؤسسات الضخمة ملك الدولة، وجزء منها في سوق الأسهم. مثلاً إيران خودرو التي تنتج سيارات، فقط 41 في المئة من أسهمها خاصة يمتلكها الملايين من الناس، والباقي للدولة التي خلقت أيضاً ما يعرف بأسهم العدالة حصتها 20 في المئة من هذه الشركة».
وأسهم العدالة، بحسب الخطة الخمسية الرابعة التي أوجدتها والتي شارفت على الانتهاء، هي «الأسهم المخصصة لست شرائح اجتماعية دنيا من ذوي الدخل المنخفض». وهذه الأسهم تشتريها الشركات الاستثمارية للمحافظات لمصلحة أعضاء التعاونيات، على ألا تتجاوز 40 في المئة من أسهم الشركات الممكن نقلها إلى القطاع الخاص. ويفترض أن تنتقل ملكية هذه الأسهم إلى المواطنين الفقراء، بلا مقابل، وفق آلية نصّ عليها القانون الذي حدّد الأفراد المعنيين بها، وبينهم المتقاعدون والمحاربون القدامى وأعضاء الحرس والباسيج والعمال السابقون في الشركات المعنية...
ويقول أردكاني إن «20 مليون مواطن إيراني يمتلكون اليوم أسهم عدالة، لكن إدارة هذه الأسهم لا تزال بأيدي الشركات الاستثمارية. لا يمكن الآن بيع هذه الأسهم. يحصل المالك على أرباحها، لكن في وقت لاحق، وعندما تطرح هذه الأسهم في البورصة، عندها يمكن تداولها».
هذا نموذج من حملة الانتقادات التي تطال نجاد، وهناك غيره الكثير، مما يصدر على ألسن معارضي نجاد ومؤيّديه. نموذج وضعته «الأخبار» أمام أحد أعقل عقلاء إيران. جاء الجواب: «إنكم تبحثون في التفاصيل التي لا قيمة لها. أحمق من يعتقد أن إيران جمهورية فاضلة، دولة مثالية. وغبيّ من يراها دولة غارقة في السوء. ونجاد، مهما علا شأنه، ليس سوى راكب قطار. مسافر سينزل منه في المحطة التالية بعد عامين. المهم سائق القطار والبوصلة التي يحملها. سائق مصمّم على إبقاء الاتجاه نحو فلسطين».



«خصولتي»


يؤكد أردكاني أن عملية الخصخصة في إيران مختلفة عن كل دول العالم، مشيراً إلى أنها عبارة عن نقل الملكية من الدولة إلى مؤسسات تابعة للحرس الثوري في إطار شراكة مع شركات تابعة للقطاع الخاص. ويقول إن «هناك مؤسسات تابعة للحرس الثوري هي التي تأخذ المشاريع الكبرى في البلاد. هي ليست خصخصة (خصوصي بالفارسية) ولا تأميم (دولتي)، هي شيء ما بينهما أسمّيها خصولتي». ويضيف «لكن هذا شيء مختلف عما يجري في كثير من الدول العربية، حيث يسيطر أفراد من العائلة الحاكمة على القطاع العام عبر الخصخصة، وعن طريق أشخاص يؤدّون دور الواجهة، كما كان يجري في مصر أيام حسني مبارك. لا أحمد عزّ في إيران. شركات الحرس هي عبارة عن مؤسسات تابعة لجهاز يضم مئات آلاف العناصر». ويتابع «شركات الحرس عندما تدخل مشروعاً ما أو تشتري مؤسسة عامة لا تأخذها منفردة، بل تتشارك مع شركات ومؤسسات خاصة أخرى، على أن تمتلك الشركة التابعة للحرس معظم الأسهم، ما يجعلها ترأس مجلس الإدارة». ويشير إلى أن «شركة خاتم الأنبياء لعلّها من أهم الشركات التابعة للحرس، لكنها ليست الوحيدة، هناك عشرات الشركات الأخرى».