أبقت السلطات البلجيكية في بروكسل أمس على حالة التأهب القصوى، وأعلن رئيس الوزراء البلجيكي، شارل ميشال، أن «التهديد الإرهابي» في العاصمة يبقى «جدياً ووشيكاً»، ما يتطلب إبقاء الإنذار على الدرجة القصوى لليوم الرابع على التوالي، ما يعني استمرار إغلاق المدارس ومحطات المترو، في ظل انتشار الجيش والشرطة في الشوارع. أما في بقية المناطق البلجيكية، فقد أبقت السلطات الإنذار عند الدرجة الثالثة، ما يعكس تقييماً أمنياً بأن خطر الهجمات «محتمل ومرجّح»، حسبما أدلى ميشال في ختام اجتماع لقادة أجهزة أمنية ومسؤولين حكوميين معنيين.
وجاءت تصريحات ميشال بعيد إعلان النيابة العامة الفدرالية البلجيكية توجيه الاتهام إلى شخص رابع يُشتبه في مشاركته في هجمات باريس، وإيداعه السجن، بانتظار محاكمته. وأضافت النيابة العامة أنه تم الافراج عن 15 شخصاً آخرين، كانوا اعتُقلوا مساء الاحد الفائت في أماكن عدة في بروكسل وفي مدينة شارلروا، جنوبي البلاد. وفي ظل إغلاق دور العرض الرئيسية في بروكسل أبوابها، أعلنت دار «أدفنتشر»، في وسط بروكسل، عرضها فيلم «بلاك»، الذي يصوّر الواقع المأساوي للحياة في الضواحي الفقيرة في بروكسل، ومنها مولينبيك، التي «اشتهرت» بعد هجمات باريس في 13 من الشهر الجاري بكونها ملاذاً لعدد من مدبري ومنفذي الهجمات المذكورة. وفي دار العرض تلك، حضر ما يزيد بقليل على عشرة أشخاص الفيلم الذي أخرجه عادل العربي وبلال فلاح، وهما بلجيكيان من أصل مغربي، يصوران اليأس الذي يملأ قلوب سكان الضواحي من الأصول المغربية خصوصاً، الذين «نشأوا وهم يعتقدون أن لون بشرتهم والضاحية التي ولدوا فيها من العوامل التي قد تعني أن لا مستقبل لهم». ومن شأن الأحداث الأخيرة أن تفاقم معاناة هؤلاء، وتدفع بالمزيد منهم إلى أحضان الجماعات «الإرهابية»؛ فبحسب العربي، «الناس يعتقدون أنك إما تاجر مخدرات أو إرهابي. وبالنسبة إلى الكثير من الشباب، فإن الخروج مع مجموعة من أصدقائك يكون أمراً صعباً. لا يوجد سوى العاطلين (من العمل) يفكرون في مدى جدوى المحاولة».

زادت الحوادث المعادية للمسلمين في بريطانيا 300%


وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، عن تقريرٍ لمجموعة «تيل ماما» التي ترصد الهجمات التي تستهدف المسلمين في بريطانيا، توثيق 115 حادثة تتراوح بين الهجمات الصريحة والمضايقات، اللفظية والجسدية، خلال الأسبوع الذي تلى هجمات باريس. وبحسب تقرير أصدرته المجموعة، فإن الزيادة في الحوادث المعادية للمسلمين في البلاد بلغت نسبة 300%، مضيفة أن النساء المحجبات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 14 و45 عاماً هن الأكثر عرضة لمثل هذه الحوادث، وأن «العديد من الحوادث وقع في وسائط النقل العام، وأن 8 من الضحايا كانوا بصحبة أطفالهم عند وقوع الاعتداءات». وأضافت الصحيفة أن «العديد من الضحايا أفادوا بأنه لم يساعدهم أحد أثناء تعرضهم لاعتداءات، ولا حتى من باب المواساة، وهذا يشعرهم بأنهم ضحايا محرَجون ووحيدون وغاضبون لما أصابهم».

وفي تقييم عام، توقّع محللون أمنيون أن يؤدي التحرك الواسع لقوى الأمن في فرنسا وبلجيكا إلى «اختفاء» الشبكات «الجهادية»، وانتظارها أشهراً قبل أن تعاود نشاطها، لكن من دون أن يمنع ذلك «جهادياً» من التصرف بمفرده وإطلاق النار من سلاح رشاش، في «عمل يائس يخلف أثراً عميقاً على المجتمع»، وفق أحد المحللين. «الإرهابيون ليسوا أغبياء؛ إنهم ينتظرون أن يهدأ الوضع... وهم لا يضربون بالضرورة في الوقت الذي يُتوقع أن يضربوا فيه، بل يعتمدون على عنصر المفاجأة. لست متأكداً من أن ذلك سيحدث خلال مؤتمر المناخ»، الذي يُفتتح في 30 من الشهر الجاري في باريس، قال قاضي مكافحة الارهاب السابق في فرنسا، مارك تريفيديك.

ومنذ دخول قانون الطوارئ حيّز التنفيذ قبل عشرة أيام، نفذت الشرطة أكثر من 1230 عملية دهم، بينها أكثر من 300 في منطقة باريس، وأدّت إلى توقيف 165 شخصاً واحتجاز نحو 120، كذلك ضبطت 230 قطعة سلاح. وقال محلل سابق في جهاز مكافحة الارهاب الفرنسي، طلب عدم ذكر اسمه، «لقد زجّوا (قوات الأمن) بكل طاقتهم؛ إنها عملية كبيرة وسابقة تاريخية». وتعليقاً على التحرك الاستثنائي للشرطة والقضاء والجيش، قال تريفيديك، أول من أمس، إنه «لا يمكن العيش هكذا إلى الأبد... إنهم (المسلحون) يتلاعبون بأعصابنا».

(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)