طهران| كم كانت جميلة طهران الأسبوع الماضي. تلك المدينة الكادحة التحفت الثلج. ارتدت لباسها الأبيض، للمرة الثالثة هذا العام. رداء حجب أبنيتها وشوارعها المزنّرة بالأشجار العارية، لأيام ثلاثة، وأقعد السكان في المنازل. وما إن انسحب الصقيع من أحيائها، حتى عادت الحياة تدبّ فيها مجدداً. هي المشاهد نفسها. وجوه عابسة، في معظمها للرجال، تقول التقارير إنها حالة تعود في جزء كبير منها إلى نسبة التلوّث المرتفعة، علماً بأنها عدوى يبدو واضحاً أنها لا تصيب النساء اللواتي يزداد حجابهن انحساراً، وجمالهن تألقاً. عشاق هنا يسيرون يداً بيد، وعائلة تمشي هناك تتقدّمها المرأة منتصبة القامة، يتبعها الرجل برأس منحنٍ ويدين متشابكتين، فيما الشوارع تزداد ازدحاماً.
ومع ذلك فإن إحساساً غريباً ينتابك للمرة الأولى في طهران. تشتمّه في كل زاوية وطريق. تقرأه بين السطور في كلام محدّثيك. هو الأمن يكشف عن نفسه. ليس بالطريقة الفجّة التي يتميّز بها العالم الثالث، لكنه واضح. يمكنك أن تجده في الشوارع، يفرّق تظاهرة هنا أو يعتقل أشخاصاً هناك. ظاهرة غريبة عن العاصمة الإيرانية، على الأقلّ حتى عام مضى.
لا يعني هذا أن المدينة لم تكن مضبوطة أمنياً، لكنك لم تكن تشعر بالأمن. الجديد في كثرة الأسئلة وشدّة الإجراءات؛ كل شيء يجب أن يكون مبرراً وله تفسير. على الأقل هذا ما يقوله سكان طهران، الذين باتوا يتندرون حول الإرباك الذي يعيشونه أثناء تجولهم في الشارع؛ إذا كانوا حليقي الذقن فهناك إمكانية أن يُحسبوا على «الخضر» إذا مرّوا في منطقة تشهد تظاهرة، وبالتالي احتمال التعرض لهم من الأمن. وبالعكس، إذا كانت أذقانهم مرخيّة، فهناك احتمال أن يُحسبوا على رجال الشرطة والباسيج، وبالتالي هناك احتمال تعرضهم لتحرشات من المتظاهرين بل حتى للطعن بسكين في إطار الردود على حملات الاعتقال.
وللمناسبة، باتت التظاهرات شبه يومية في طهران (الاثنين والأربعاء والجمعة)، حدّاً أدنى منذ نحو ٢٠ يومياً، على ما يفيد السكان أنفسهم. صحيح أنها تجمّعات صغيرة، قد لا تتجاوز في بعض الأحيان بضع عشرات، لكنها منتشرة في أربعة ميادين: إمام حسين، وانقلاب، وهافتير، وولي عصر، في مدينة يحسب شمالها على المعارضة وجنوبها على النظام. مدينة يوضح أحد سكانها: «ما يحصل أن شخصاً ما في لحظة ما وفي ساحة ما يقف ويهتف: يا حسين مير حسين والله أكبر الموت للديكتاتور، حتى يتجمع حوله بضع عشرات سرعان ما يفرقهم الأمن». وليس المقصود هنا القول بعجز المعارضة عن الحشد، لكن تضعضع القيادة داخلها وحملات التضييق يحولان دون إمكانية القيام بتظاهرة كبرى. كذلك قد تأتي الدعوة عبر المواقع الإلكترونية للمعارضة أو الفايسبوك.
وبات الجميع يعلم أن أجهزة الأمن تعمد إلى تصوير التظاهرة قبل تفريقها.. لتنفّذ مداهمات تعتقل في خلالها كل من شارك فيها، لساعات قبل أن تطلق سراحهم، عدا الذين تلتقطهم الصور وهم يقومون بأعمال تخريبية أو حاملين عصياً أو حجارة. والظاهرة اللافتة في هذه التظاهرات، أنها في معظم الأحيان تضمّ أبناء لكبار مسؤولي الدولة، من المدنيين والعسكريين.
وهناك أحاديث عن توافق في صفوف المعارضة على التظاهر عند الساعة الخامسة من بعد ظهر كل يوم، لكن أي إشارات لم تظهر على الأرض عن بدء التطبيق. والحديث مع رموز المعارضة يبدو شبه محظور في إيران. مير حسين موسوي ومهدي كروبي قيد الإقامة الجبرية، وممنوع عليهما الاتصال بالخارج. محمد خاتمي يعتصم بالصمت الإعلامي، وإن كان يجهد داخل حزبه للدفع باتجاه مصالحة مع النظام يفاوض عليها منذ مدة، ويقول العارفون بخفاياها إن نتائجها ستظهر قريباً. لسان حاله يقول، على ما تفيد شخصيات قريبة من أوساطه، إن موسوي وكروبي قد «خرّبا بنهجهما الخاطئ الحركة الإصلاحية التي عمل طويلاً من أجل تقدمها». مشكلته مع النظام، على ما تفيد المصادر نفسها، أنه «لا يزال مصرّاً على رفضه التبرؤ من معارضي النظام الإسلامي، من شاهنشاهيين ومجاهدي خلق ممّن يعملون تحت غطاء الحركة الإصلاحية». ما الذي يدفعه لخسارة قاعدة انتخابية بلا مقابل؟! أمّا باقي رموز المعارضة، وبينهم على سبيل المثال علي أكبر محتشمي وحفيدة الإمام الخميني زهراء إشراقي، فدون الوصول إليهم، إن كان ممكنا، حواجز وأسئلة واستفسارات وطلب هوية تجعل المهمة شبه مستحيلة، في ظل شائعات عن اعتقالات لشخصيات من ذوي قربى هذه الرموز.
لا إجابة مقنعة عن سؤال بسيط وبديهي يمكن أن تطرحه على كثير من المعنيين في طهران: «إن صدقتم في قولكم إن هذه المعارضة انتهت ولم تعد تمثّل أي مشكلة للنظام، فلماذا هذا التقييد كله، ولماذا لا يُفسح المجال لكاميرات المصورين لتسجل ذلك ويُنشر في العالم كله، بدل ما تنشره وسائل الإعلام الأجنبية من أنباء مضخمة؟».
الإجابة الرسمية التي يكررها أكثر من مسؤول تفيد بما يأتي: «الشعب يطالب بإعدام موسوي وكروبي، نحن على الأقل نبقيهما في منزلهيما مع زوجتيهما معززين مكرمين». ويأخذ هؤلاء على قادة المعارضة أنهم «أعطوا الفرصة للاستخبارات الغربية لإثارة الفتنة داخل إيران رغم علمهم بما يعدّه الغرب، وبتعاون بعض معاونيهم معه، وبالتدريبات العسكرية التي تجرى في أكثر من دولة شرق أوسطية لخلايا معارضة تعمل الأجهزة على تفكيكها منذ اضطرابات ٢٠٠٩».
لا علامات قلق تستشفّها لدى أيّ من هؤلاء المسؤولين، باستثناء التخوف من لعبة الدم، مستندين إلى إعلان لوزارة الأمن عن اعتقال مجموعة من «منافقي خلق» عمدت خلال التظاهرات الأخيرة إلى قتل عنصر باسيج ومتظاهر معارض في محاولة لاستدراج فتنة دامية.
ويمكن أن تسمع كلاماً عن خلافات بين وزارة الاستخبارات والحرس الثوري على كيفية التعامل مع هذا الملف، علماً بأن الشائع في طهران أن الحرس الثوري وحده مسؤول عن أمن العاصمة.
ويمكنك أيضاً أن تجد حالياً شخصيات من تلك المحسوبة على النظام تتحدث مثلاً عن «أنني أواجه صعوبة في الإجابة عن أسئلة أولادي. كيف أقنعهم بأن الناس الذين قادوا النظام منذ أيام الثورة حتى الآن هم من العملاء والمتعاملين؟ هذا معيب. يجب أن يُفسح للجميع التعبير عن أنفسهم. اتركهم يتظاهرون. ماذا سيحصل؟ مع تنبيهات من أنّ أي أضرار بالممتلكات العامة والخاصة سيتحملون مسؤوليتها. لماذا يجب أن يكون الجوّ مسموماً؟ لماذا يجب أن نقرأ في الصحف اسم إيران إلى جانب دول مثل مصر وليبيا وتونس واليمن والأردن؟».
الذي يدّعي الحياد في هذه المعركة يمكن أن يقول لك إن «مفاجأة الإصلاحيين في انتخابات ٢٠٠٩ كانت في خسارتهم الأرياف، حيث يقطن نحو نصف الشعب الإيراني، وحيث كان الفوز بالنسبة إليهم أمراً تلقائياً منذ زمن. لكنهم لا يزالون يمتلكون بالتأكيد اليد الطولى في طهران وأصفهان وشيراز. كذلك يجب الاعتراف بوجود فئة من الجيل الجديد، مثل الشاهنشاهيين، لا تريد نظاماً إسلامياً أو فيه مكان لرجال الدين».
يبقى الخلاف دائماً حول النِّسَب، التي تشير أعلى التقديرات إلى أن معارضي النظام بما هو نظام لا يتعدّون ٣٠ في المئة، وبينهم كثيرون ممن لا يحقّ لهم التصويت. مصادر من داخل النظام، وممّن عايشوه منذ بداية الثورة إلى اليوم، تقول «إن القيادة تمارس معهم (زعماء المعارضة) شكلاً من أشكال الذبح بالقطنة. محاكمتهم وسجنهم سيجعلان منهم أبطالاً. هم يتركونهم معلّقين حتى يقرف الناس منهم ويتساقطوا كأوراق الخريف. هكذا حصل مع آية الله حسين منتظري الذي حارب ولاية الفقيه مفهوماً ومبدأ وممارسةً، وهكذا حصل مع آية الله صانعي الذي حرّض النساء على خلع الحجاب».
أما بالنسبة إلى استعراض مجلس الشورى، حيث طالب النواب بمحاكمة قادة المعارضة ثم إعدامهم، فتضيف المصادر نفسها، «إنه كان موجّهاً إلى الخارج لا إلى الداخل، والرسالة: إن من تراهنون عليهم يمكننا أن ننهيهم في أي وقت».
4 تعليق
التعليقات
-
الاوضاع في ايران تختلف كثيراالاوضاع في ايران تختلف كثيرا عن مثيلاتها من الدول المحيطة, فحرية الراي والتعبير الموجودة في ايران اكبر يكثير من الدول التي تعتبر نفسها ديقراطية ... وعلينا ان لاننسى بان لهذا النظام الملايين من المريدين سواء في الداخل او الخارج....
-
شاهد عيانالعام الماضي وخلال زيارتي للجمهورية الاسلامية أتيحت لي الفرصة لاتجول في العاصمة طهران وخصوصا شمالها حيث كنت أحل ضيفا عند أحد الاخوة الايرانيين وكنت اتفاهم معه بالانكليزية وقليل من الفارسية وهو من الطبقة الغنية وخلال تجولي لاكثر من يوم في شوارع شمال طهران رأيت النساء وتقريبا غير محجبات لا احد يعترضنهن ولا يزعجنهن أحد بل كأنهم يعيشون في بلد غربي ,ولاحظت مرة ان احد الشبان مر من جنب شرطي وبادره بالشتيمة وبقي سائرا على الاقدام ولم يبادر الشرطي بأي ردة فعل وتركه على رسله فسألت الاخ الذي معي كيف يكون ذلك فرد قائلا هذا شيء عادي ان الشرطة لا يبالون لهذه الاهانات وأنهم رحماء, تعجبت لذلك الامر وقلت له لو ان احد ينظر الى شرطي في امريكا او استراليا او اي بلد غربي بنظرة غريبة مريبة لتناوله فورا ووضعه تحت القبض وأدخله مركز الشرطة للتحقيق معه وانهال عليه بالشتائم التي يتدربون عليها,وكذلك شاهدت شبابا كذبر الحديد بأشارة من المرشد الاعلى يملؤن الشوارع بالملايين ليحبطوا اي مؤامرة من الغرب الذي يتربص بهذه الدولة الفتية التي تقدمت على كل دول المنطقة بل دول العالم رغم الحصار الدولي والعقوبات المفروضة عليها وذلك عقابا ليس لانها تريد امتلاك التكنولوجيا الذرية بل لانها تدعم المقاومة في لبنان وفلسطين وتقف سدا منيعا في وجه الغطرسة الامريكية والدويلة الصهيونية, والرئيس الذي يبيع سيارته القديمة بالمزاد العلني كي يبني بها بيوت للشباب على حسابه الخاص والذي لا يتقاضي راتبا والذي يفترش الارض لينام والذي يدفع بنفسه ليصافحك بين الزحام ليس كمن يكنز البلايين من الدولاارات كزين العابدين بن علي وحسني مبارك والقذافي وبقية الامراء والملوك والسلاطين العرب, وهنا يكمن الفرق بين المعارضة في ايران التي ترتمي في حضن الغرب وتلقى الدعم الاعلامي والمادي والمعنوي والمعارضة في بلادنا العربية التي تحارب من قبل الغرب والسلطة ولكن حينما تنتصر الشعوب المقهورة المظلومة يتوجه الغرب ليجعل لنفسه موطيء قدم ويقدم نفسه على انه من انصار الديموقراطية ومدافعا مزيفا عن حقوق الانسان, أخيرا يجب على المعارضة الايرانية ان تعي انها تقدم بمشروعها هذا البلد النامي الحر السيد والغير مديون لاي دولة لقمة سائغة للعدو الامريكي الصهيوني ليقوم بتفتيته وعودته الى الوراء اي الشاهنشاهية المقبورة, ولكن لن يكون لهم ذلك ان شاء الله
-
جيل الشباب هو أشد التصاقا بالثورة أكثر من أي وقت مضىلا أحد يقول أن 100/100 من الشباب الإيراني مع الثورة , لكن مشكلة الذين هم ضد الجمهورية أنهم لو جمعوا 1000 متظاهر يجمع الموالون عشرين ألف , ولو جمعت المعارضة 100 ألف , يجمع الموالون مليونين , لهذا كل ما تقوم به المعارضة الإيرانية ما هو إلا مسرحيات على خشبة المسرح الدولي الذي يعمل كمتعهد لحفلاتهم مع علم المتعهد أنهم ممثلون فاشلون .
-
نهاية حزينة لرجل الثورةنهاية حزينة لرجل الثورة والدولة، الذي كان حتى في صمته وخوفه أحد أهم ركائز النظام الإيراني الذي يتداعى يوماً بعد يوم، وينذر بصراع أشد ضراوة بين مراجع سياسية وأمنية تعتبر الإصلاح عيباً او تآمراً، وبين أجيال شابة ربما ترى في خروج رفسنجاني أن النظام فقد صلته الأخيرة مع الواقع، وفرصته الوحيدة للبقاء.