باريس | مرة أخرى لا يخيّب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي آمال أحد، ويبرهن أنه «لم يتغير»، فهو وصل إلى الإليزيه بواسطة أصوات اليمين المتطرّف، بعدما غرف من معين ملفّات الأمن وخوف الفرنسيّين من الهجرة والمهاجرين، وربط بين الخوف والإسلام والمسلمين وتراجع القدرة الشرائية وارتفاع البطالة والضواحي والهجرة غير الشرعية.الثورات العربية، التي يُخشى أن ترمي على سواحل أوروبا مئات آلاف المهاجرين، هي بمثابة هدية لساركوزي من السماء، قبل سنة وبضعة أسابيع من الانتخابات الرئاسية. فهي أفضل وسيلة لمحو ذكريات المواطنين عن إعادته القذافي إلى مسرح المجتمع الدولي، وسوق مقولة أنه «تاب عن الإرهاب»، وذلك عبر تصدّره موقع من «يساعد اللاجئين على البقاء بعيدين عن أرض فرنسا»، عن طريق تسخير فرقاطة وحاملة طوافات وتسيير رحلات جوية مكثفة لمنعهم من العبور إلى أوروبا.
تصرّف دفعَ رئيس المجموعة الاشتراكية في البرلمان الفرنسي، جان مارك إيرو، إلى الصراخ في وجه الصحافيين قائلاً «لقد ضقت ذرعاً بفرنسا الخائفة من وصول المهاجرين من العالم العربي». وطالب بعدم السماح لليمين المتطرف بفرض الخطوط السياسية على البلد، في ردّ مباشر على طرح «جديد» لساركوزي بفتح ملف «الإسلام في فرنسا».
ساركوزي يستعدّ مرة أخرى لفتح الملفّ عبر «مناظرة وطنية عن دور الإسلام في المجتمع الفرنسي»، وهو ما أثار انقساماً نادراً داخل حزبه تجمع الأكثرية الشعبية. ورأى منتقدوه أن المخاوف من دور الإسلام في المجتمع الفرنسي العلماني بات من الموضوعات الرئيسية، التي يركّز عليها الرئيس الفرنسي قبل فترة الحملات الانتخابية. كذلك يرى بعض المراقبين أنه يستفيد من الجدل الذي غذّاه اليمين المتطرف، بشأن صلاة المسلمين في الشوارع، إلى جانب مطاعم الوجبات الحلال السريعة وارتداء النساء النقاب. ومن المنتظر أن تبدأ المناظرة العامة في الخامس من أيار المقبل، لكن الانشقاقات بدأت تظهر في داخل اليمين المعتدل بشأن صواب الفكرة، ما يشير إلى أنّ تصميه على «استغال الإسلام مرة أخرى» قد يجعل الحزب يفلت من قبضته في ظل مؤشرات تفيد بأن «عدداً لا يستهان به من زعماء اليمين باتوا يفكّرون باستبدال ساركوزي مرشحاً للرئاسة»، بعدما أظهرت استطلاعات الرأي أنه «خاسر أياً كان المرشح المواجه له».
وفي تأكيد لهذا التوجه العام، قال رئيس الوزراء فرنسوا فييون لإذاعة «ار.تي.ال» «إذا كانت هذه المناظرة ستقود إلى استهداف المسلمين فإنني سأعارضها». كذلك حذّر وزير الخارجية ألان جوبيه من استهداف الإسلام مباشرة واعترض على مبدأ المناظرة. إلّا أن ساركوزي يبدو واثقاً من «صلاح هذا التوجه»، الذي يمسّ الخوف الفرنسي من التطرف الإسلامي، وقد خدمه «الوقت» إذ صادف أمس صدور قانون منع النقاب في كل الأراضي الفرنسية، ويبدأ تطبيقه ابتداءً من أول الشهر المقبل، ما يعني أن أيّ منقبة ستكون عرضة للاستدعاء إلى مركز شرطة والطلب منها خلع النقاب ودفع غرامة.
ورغم أن عدداً من المسؤولين يقول إن «القانون رمزي بالأساس» وإن الشرطة لن تستدعي كل منقّبة، يرى منتقدو القانون من أئمة ورجال سياسة أن «إجبار المنقّبات على تقديم أنفسهن إلى مركز شرطة لن يكون أمراً مريحاً» في حد ذاته، كما يتخوف البعض من «معاملة الشرطة للمنقبات على نحو غير عادل أو تعرضهن للتحرش».
ويرى معارضو القانون أنه أداة سياسية في ضوء ندرة المنقبات في فرنسا اللواتي لا يتجاوز عددهن ٣٠٠. ويذكّر هؤلاء بأن الحظر قانوناً سوف يؤدي إلى إهانة المسلمين ،ويذكرون كيف هاجمت امرأة فرنسية سائحة إماراتية منقبة في متجر فاخر متعللة بالحظر المقرر.
رغم هذا، لا يزال ساركوزي مصرّاً على «مسار التهويل الديني»، كما اتهمه عدد من المواقع الإلكترونية التي تدافع عن «علمانية فرنسا» مذكّرة بخطابيه الدينيين في الرياض وفي الفاتيكان، وخصوصاً بعد خطابه أول من أمس في كنيسة «بوي أن فلاي» العتيقة الذي شدد فيه على «ميراث فرنسا الكاثوليكي». وأشار إلى أنّ «جذور فرنسا متأصلة في المسيحية». وأكّد أنه لا «يمارس التبشير بل يتكلم بحكم منصبه رئيساً لجمهورية علمانيّة».