واشنطن| يرى خبراء ومحللون أن إطاحة الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، الذي بقي يحظى بدعم الولايات المتحدة حتى يوم رحيله، تثبت أن واشنطن لا تمسك بجميع خيوط اللعبة في المنطقة. ويلفت هؤلاء إلى أن ما حدث في مصر، وقبلها في تونس، طبقاً لتصريحات مسؤولين أميركيين، لم يكن ممكناً التنبؤ به على الإطلاق، وعرّض استراتيجيا الحكومة الأميركية في التعاطي مع الوضع في مصر للتساؤل، الأمر الذي يدفع أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى تركيز نشاطها وعمليات جمع المعلومات ورصد التطورات على بلدان أخرى في المنطقة العربية. وفي السياق، ذكرت مصادر مطلعة أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» خصّصت لهذا الغرض فريق عمل من 35 عاملاً في الوكالة، بينهم رؤساء محطات الوكالة في عدد من البلدان العربية، يتابع عن كثب ما إذا كان ما حدث في تونس ومصر قد ينتشر في بلدان أخرى في المنطقة.
وتشمل مهمة فريق العمل النظر والتدقيق في دور شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وقوة المعارضة في البلدان العربية الموالية للولايات المتحدة، وخصوصاً في السعودية والأردن واليمن.
وحذّر مسؤولون أميركيون في الإدارة الأميركية، من أن واشنطن تواجه فراغاً سياسياً في مصر بعد تنحي مبارك، مشيرين إلى امتعاض عدد من الزعماء العرب من طريقة تعاطي واشنطن مع الرئيس المصري المخلوع.
وأعرب مسؤولون أميركيون عن قلقهم من أن تؤدي انتفاضات شعبية مماثلة لما جرى في تونس ومصر، إلى عزل «حلفاء» الولايات المتحدة وإنشاء حكومات مناهضة للغرب. وقال نائب مستشار الأمن القومي لشؤون الاتصالات في البيت الأبيض، بن رودس، إن الحكومة الأميركية اتصلت بزعماء الدول العربية في الأيام الأخيرة، وشددت لهم على أن الولايات المتحدة ستفي بالتزاماتها.
من جهته، تحدث رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، جون كيري، عن وجود إشارات إلى أن الزعماء العرب ممتعضون من طريقة تعامل واشنطن مع مبارك.
ونقلت شبكة التلفزيون الأميركية «فوكس نيوز» عن مسؤول أميركي رفيع المستوى قوله، إن المحادثة الهاتفية بين أوباما والملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، يوم الأربعاء الماضي، كانت متوترة بطريقة غير عادية. وأضاف المسؤول، الذي لم تفصح الشبكة عن هويته، «عندما نقول إننا ندعو إلى الديموقراطية، فإن السعوديّين يعدّون ذلك دعوة إلى الفوضى». وفي محاولة منها لتدارك الأخطاء التي وقعت فيها منذ اندلاع «ثورة النيل»، تتطلع الإدارة الأميركية الآن نحو وزير الدفاع المصري المشير محمد حسين طنطاوي، ورئيس الأركان الفريق سامي حافظ عنان، باعتبارهما أبرز أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، الذي يمسك حالياً بإدارة شؤون مصر، للتأكد من مواقفهما السياسية، ومدى استعدادهما لنقل السلطة إلى حكومة مدنية في أجل قريب.
وكان وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية الأدميرال مايكل مولن قد واظبا على الاتصال مع طنطاوي وعنان. وبينما أكد الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» جيفري موريل، أن غيتس اتصل هاتفياً بطنطاوي 5 مرات منذ اندلاع الانتفاضة المصرية كان آخرها يوم الخميس الماضي، أوضح الناطق باسم مولن، النقيب جون كيربي، أن عدد الاتصالات الهاتفية بين مولن وعنان بلغت 4 مكالمات هاتفية.
وفي السياق، طلب «البنتاغون» من كل الضباط الأميركيين في الولايات المتحدة، ممّن لهم علاقات زمالة مع ضباط مصريين، وأيضاً من المستشارين العسكريين الأميركيين، الذين يعملون مع الجيش المصري من خلال مكتب التعاون العسكري الأميركي ـــــ المصري المشترك، الاتصال بالضباط المصريين للوقوف على حقيقة موقف الجيش المصري، والتأكيد على مواصلة العلاقة بين الجيشين الأميركي والمصري.
ويذكر أن بعض الوثائق التي نشرها موقع «ويكيليكس» أظهرت طنطاوي على أنه شخص مقاوم للتغيير ووفي لمبارك، فيما تنقل إحدى الوثائق عن عنان قوله إن حلّ الصراع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي سيسهم في منع التدخل الإيراني في المنطقة. وقال مسؤولون أميركيون إن الإدارة الأميركية أُبلغت في وقت متأخر من يوم الأربعاء الماضي، أن الجيش المصري وضع خطة لإعفاء مبارك من سلطاته الأساسية. وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن المسؤولين في الـ «سي آي إيه» والبنتاغون أُبلغوا خطة الجيش المصري لإعفاء مبارك من سلطاته الأساسية على الفور بما ينهي الانتفاضة الشعبية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الخطة التي ظهّرت الخميس لم تكن تحدد مصير مبارك بطريقة واضحة، حيث كان هناك سيناريوان؛ إمّا أن يترك منصبه أو أن ينقل سلطاته، غير أن مبارك قرر في اللحظة الأخيرة تغيير الخاتمة، وفاجأ العديد من مساعديه بخطاب بدا فيه أنه متمسك بالسلطة، وهو ما فاجأ أيضاً البيت الأبيض وأغضبه وأغضب المتظاهرين ودفع البلاد باتجاه الفوضى، ما دفع قيادة الجيش إلى توجيه إنذار أخير إلى مبارك بالتنحي طوعاً، أو أنها ستجبره على ذلك وتوجّه إليه وإلى نائبه عمر سليمان تهمة الخيانة العظمى.