قبل حوالى شهرين، استنفر عدد من السياسيين (وخصوصاً الجمهوريين) والمراقبين الأميركيين، لمواجهة قرار الرئيس باراك أوباما استقبال 10 آلاف نازح سوري في بلدهم. أطلقوا خطابات وخطّوا مقالات وتحليلات تؤكد فرضية أن نتائج هذا القرار ستكون سيئة.
بالنسبة إلى هؤلاء ومن انضم إليهم خلال الأيام القليلة الماضية، ليس من الصعب إيجاد مادة للتجاذبات السياسية، وخصوصاً إذا ما استلهموا الفكرة من حجج ترتبط بالأمن القومي، الذي منه يمكن الانطلاق للوصول إلى أي هدف، وأيضاً يمكن الاستناد إليه للترويج لكل النظريات، حتى تلك التي لا تمت إلى المنطق بصلة.
أول من أمس، مرّر مجلس النواب الأميركي مشروع قرار يسمح بتشديد الإجراءات ــ الشديدة أصلاً ــ التي تسمح بقبول اللاجئين السوريين والعراقيين في الولايات المتحدة، متحدياً بذلك تهديد الرئيس الأميركي باستخدام الفيتو في حال وصول هذا التشريع إليه، ومتخطياً هذا الفيتو بالحصول على 289 صوتاً، خمسون منها من الديموقراطيين.
خلال فترة أسبوع ظهرت
الهستيريا بأبرز تجلياتها في تصريحات العديد من السياسيين الأميركيين
بدأ الأمر بعد اعتداءات باريس، يوم الجمعة الماضي، حين قام أكثر من نصف حكام الولايات المتحدة ــ كلهم من الجمهوريين عدا واحداً ــ إضافة إلى عدد من الصقور المحافظين، بشن حملة مفادها أنهم سيقومون بصد دخول اللاجئين السوريين إلى ولاياتهم. إلا أن حكام الولايات ليس لديهم السلطة لإبعاد اللاجئين، ذلك أن الوحيدة التي يمكنها اتخاذ القرار في هذا المجال هي الوكالات الفدرالية. أما الدعم القوي فقد كان من رئيس مجلس النواب بول راين وزعيم الغالبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، اللذين دعوَا إلى «إيقاف مؤقت» لبرنامج قبول اللاجئين السوريين. ثم يوم الخميس، قام مجلس النواب بإمرار مشروع القانون الذي يخلص إلى إيقاف البرنامج الذي تطبقه الولايات المتحدة على اللاجئين، وذلك إلى أن يتم إنشاء نظام تفحّص أكثر صرامة. التشريع الآن في طريقه إلى مجلس الشيوخ، ومصيره ليس معروفاً بعد، ولكن ما رشح حتى الآن يوحي بحظوظ كبيرة تسمح بإمراره.
هكذا بدت «الهستيريا»، وفق الوصف الذي أطلقه أوباما في مواجهة معارضيه. ولكن خلال فترة أسبوع، ظهرت هذه الهستيريا بأبرز تجلياتها في تصريحات العديد من السياسيين، وخصوصاً من الجمهوريين المرشحين للرئاسة، والذين أطلقوا العنان لأفكار واقتراحات غير منطقية. الملياردير دونالد ترامب، الذي يتصدر استطلاعات الرأي للانتخابات التمهيدية لدى الحزب الجمهوري، اقترح وضع قاعدة بيانات خاصة بالمسلمين الموجودين في الولايات المتحدة. وقال إنه «يجب وضع العديد من الأنظمة. واليوم نستطيع أن نفعل ذلك». أما بشأن كيفية تسجيل المسلمين، فقد شرح أن ذلك يمكن أن يتم في «مناطق عديدة» وليس فقط في المساجد، مؤكداً أن الأمر «يحتاج فقط إلى الإدارة الجيدة». ترامب تماهى مع أفكاره، إلى درجة أنه لدى سؤاله عن المقارنة بين الطلب من المسلمين التسجيل في الوقت الحالي، وطلب ألمانيا النازية من اليهود التسجيل في الثلاثينيات، قال «أنتم قولوا لي»، ما ينم عن استهتار بالفكرة التي يطرحها وأيضاً باللاجئين ككل.
استكمالاً للتصريحات المثيرة للجدل، أعلن المرشح الجمهوري تيد كروز أنه سيقبل اللاجئين المسيحيين فقط. فبحسبه، «فكرة إحضار عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين المسلمين إلى أميركا، ليست أكثر من جنون»، إلا أنه «من جهة أخرى، يجب تأمين منطقة آمنة للمسيحيين».
أما كريس كريستي فقد ذهب في فكرته إلى الأطفال، وصرّح بأنه لن يثق بالأولاد في ذلك الجزء من العالم، وقال «لا أظن أن الأيتام تحت سن الخامسة، يجب أن يتم قبولهم في الولايات المتحدة، في هذا الوقت».
بن كارسون الذي يعتبر واحداً من المرشحين الأوفر حظاً في انتخابات الرئاسة المقبلة، انهال على باراك أوباما بأشد الانتقادات، ولفت إلى ضرورة ابتكار آلية رقابية يمكن من خلالها فرز «الكلاب المسعورة»، معتبراً دخولها الأراضي الأميركية خطراً على أمن الولايات المتحدة. وقال «إذا لوحظ كلب مسعور في الحي، فلن ترى فيه على الأرجح خيراً، كما أنك ستبعد أولادك عن طريقه، لكن ذلك لا يعني أنك تكره الكلاب. علينا التمييز بين الأمن والإنسانية، ولا بد من اعتماد آلية تدقيق لتمييز الكلاب المسعورة».
في خضم هذه الأصوات، كانت هناك أصوات إعلامية تحاول تهدئة «السعار» الأميركي. نتاشا لينارد سعت في سياق تقرير على موقع «ذي انترسبت» إلى طمأنة ريز كاسيش ابنة حاكم أوهايو جون كاسيش إلى أن «خطة الحكومة الأميركية استقبال 10 آلاف لاجئ سوري خلال السنة المقبلة أمر ليس مخيفاً». انطلقت الكاتبة من تصريح لجون كاسيش نفسه ــ المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية أيضاً ــ قال فيه إنه أعطى ابنته (15 عاماً) «بعض الدروس»، التي وصفتها لينارد بـ»المثيرة للقلق». جون توجّه إلى ابنته بالسؤال «لماذا يجب أن لا تقبل الولايات المتحدة المزيد من اللاجئين السوريين»، ليجيبها بعد ذلك «ريزي، تعرفين، نحن نفهم أن هؤلاء الناس في ورطة، ولكن فكّري فينا، إذا ما استقبلنا في شارعنا، في مدينتنا، في بلدنا، الأشخاص الذين ينوون إيذاءنا، لا يمكننا فعل ذلك ريزي، هل يمكننا ذلك؟».
في مواجهة كلام كاسيش، حرصت الكاتبة على التأكيد لريز أن 10 آلاف «هو عدد محدود جداً من الأشخاص الذين يخضعون لاختبارات، ويجتازون عملية بطيئة وشاقة ومتداخلة بيروقراطياً، قبل أن يتم توطينهم في الولايات المتحدة». وقالت «لا أحد يستقبل أشخاصاً مخيفين في شارعك ريزي، والدك يحاول إيخافك». وفق ما تذهب إليه لينارد، فإن «الإرادة السياسية لمنع اللاجئين السوريين من الوصول إلى هذه البلاد مثيرة للقلق، وهي تعطي أيضاً الانطباع الخاطئ عن أن الإدارة الأميركية كانت تخطط لإعطاء مساحة كبيرة للسوريين». وهو أمر غير صحيح، ذلك أن «المساهمة الأميركية تجاه استقبال اللاجئين، كانت صغيرة بالنسبة إلى حجم الكارثة، وإلى قدرتنا»، بحسب ما تنقل لينارد عن المديرة في برنامج حماية اللاجئين التابع لجمعية «حقوق الإنسان أولاً» إليانور آيسر.
علاوة على ذلك، فإن اللاجئين السوريين يجري تفحّصهم أكثر من غيرهم. وهناك مستويات متعددة من الاختبار يخضعون لها، إضافة إلى أنه «يجري تحقيق معمّق معهم من قبل وزارة الأمن الداخلي، بينما لا يزالون خارج الولايات المتحدة»، بحسب ما تضيف آيسر. أما مشروع القانون الذي تمّ إمراره، قبل يومين، فيتطلب، عمّا تقدم، قراراً من مسؤولي الأمن الأساسيين الثلاثة ــ وزير الأمن الداخلي، مدير مكتب التحقيقات الفدرالية (FBI) وأيضاً مدير الاستخبارات الوطنية ــ ينص على كل لاجئ سوري أو عراقي لا يشكل تهديداً، قبل أن يتم قبوله في البلاد.
مدير برنامج اللاجئين التابع لـ»هيومن رايتس ووتش» بيل فريليك، أشار من جهته إلى أن عملية اللجوء في الولايات المتحدة عالقة في التراكم، وتحديداً بسبب إجراءات الفحص الطويلة والمرتبطة بوكالات اتحادية متعددة، وذلك في إطار البرنامج الموجود حالياً، والذي يسعى مشروع القرار الحالي إلى إبطاله وتشديد بنوده.