خرجت تركيا أمس، ولو جزئياً، من حذرها إزاء حساسية الزعامة السنيّة في منطقة الشرق الأوسط، التي أجبرتها على عدم اتخاذ موقف حازم منذ بداية الأزمة المصرية. وكالعادة، تولّى رجب طيب أردوغان مهمة تقديم المشورةخاطب رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان الرئيس المصري حسني مبارك باللغة التي يفهمها تماماً؛ ذكّره بأنّه سيموت يوماً، وبأن الخلود ليس مكتوباً له ولا لسواه. لم يركب الموجة الأميركية التي تتحدث عن تغيير سلس للسلطة، لكنّ كلامه جاء مليئاً بالدعوة إلى تلبية مطالب الشعب بالتغيير. ولأن أردوغان، المسلم الملتزم، يعرف أنّ مبارك يدّعي أنه أيضاً مسلم ملتزم، فقد ذكّره بأنّه سُيسأل في «يوم القيامة» لمحاسبته على ما فعله وما لم يفعله.
ووسط هتافات تأييد نواب حزبه «العدالة والتنمية» الحاكم، ألقى أردوغان كلمة في البرلمان، نالت أحداث مصر حيّزاً واسعاً منها. خاطب مبارك بالقول «أصغِ إلى أصوات الشعب ومطالبه الإنسانية. استجب من دون تردد لمطالب الشعب بالتغيير، لأنه لا ينبغي تأجيل الحرية». وبصيغة الأمر تابع «على الحكومة المصرية أن تتخذ خطوات لإعادة السلام والأمن والاستقرار إلى مصر من دون إعطاء أية فرصة للمستغلّين والأوساط الشريرة والذين يضعون سيناريوهات مظلمة لمصر. عليكم أن تتخذوا خطوات من شأنها إرضاء المواطنين».
وأشار رئيس الحكومة التركية، الذي يزور سوريا في 6 شباط المقبل ليوم واحد، حيث يجري مباحثات مع الرئيس السوري بشار الأسد في مدينة حلب، إلى أنه «لا يمكن تأخير الحريات في عالم اليوم، وسيكون من الصعب جداً للدول أن ترى مستقبلاً مشرقاً إذا كان هناك اضطرابات ورفض شعبي».
وفيما لم يصل أردوغان إلى حدّ دعوة مبارك صراحة إلى التنحّي، لكنه حثّه على أن يفكر في ما سيتركه وراءه ليسجّله التاريخ. وبكلمة حماسية نقلها التلفزيون التركي الحكومي مباشرة، توجه أردوغان إلى مبارك بالقول: «سيّد حسني مبارك، أريد أن أقدم نصيحة خالصة، تحذيراً صريحاً للغاية... كلنا سنموت وسنُسأل عمّا تركناه وراءنا. نحن كمسلمين سنوضع في حفرة مساحتها لا تزيد على مترين مكعَّبين». وتابع «عندما سنموت، لن يدعو الإمام للصلاة من أجل رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية، بل سيدعو إلى الصلاة على أرواحنا كبشر عاديين. يعود الخيار لك لتقرر إن كنتَ تريد نيل الصلوات الإيجابية أو اللعنات». وواصل أردوغان نصائحه للرئيس المصري: «استمع لصيحات الشعب ومطالبه التي تمسّ صميم الحق الإنساني... استجب لمطالب الشعب بالحرية من دون تردّد، على قاعدة أن حل المشاكل السياسية هو صندوق الاقتراع».
وظل دعم أردوغان للشعب المصري عمومياً، إذ اكتفى بالتشديد على أن حزبه «يتعاطف مع المغلوبين على أمرهم، كالتونسيين والمصريين». وشرح كلامه بأن «الشرق الأوسط أصبح منطقة مرتبطة بالحروب والصراعات والدماء والدموع والفقر والفساد والجهل وانتهاك حقوق الإنسان، ونحن كممثلين لتركيا نعتقد أن شعوب الشرق الأوسط والشعوب العربية لا تستحق هذا».
وللشعب المصري، قال أردوغان إن مصر «أرض الحضارات، لذلك أناشدكم أيها الإخوة المصريون الابتعاد عن السلاح والعنف خلال تظاهراتكم لتواصلوا نضالكم بشرف وكرامة، ولا تنسوا أنه إذا مات جندي أو شرطي أو مدنيّ فسينقطع جزء من قلب الأمة التركية. لا نريد أن يلحق الأذى بأحد في مصر. يجب أن تأتي قوة الشعب والديموقراطية بطريقة مسؤولة وحكيمة».
ولم يفصّل أردوغان مضمون الاتصال الذي أجراه معه الرئيس الأميركي باراك أوباما، «نظراً إلى أهمية المسؤول الأميركي كزعيم منتخب في دولة ذات تقاليد ديموقراطية قوية». غير أنّ مسؤولاً تركياً طلب عدم الكشف عن هويته كشف أن الأميركيين «سألونا: كيف ترون كل ما يجري الآن؟ وكيف يمكن تقويم هذه التطورات؟»، فما كان من المسؤولين الأتراك إلا تقديم رؤيتهم التي اختصرها أردوغان في كلمته أمام نواب حزبه في البرلمان أمس.
وفي وقت لاحق، أعلن أردوغان أنه أرجأ زيارته التي كانت مقررة في الثامن والتاسع من شباط الجاري إلى القاهرة، متعهداً بزيارتها «بمجرد عودة الأوضاع إلى طبيعتها». وكان وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو قد مهّد لكلام أردوغان بدعوة الشعب المصري إلى التعبير عن مطالبه «من دون اللجوء إلى العنف»، لأن أنقرة «تولي أهمية لضمان الديموقراطية في المنطقة مع اندلاع التوتر في تونس. وللشعب المصري مطالب محقة قطعاً». وغمز من القناة المصرية عندما لفت إلى أن «الحريات الديموقراطية، والشفافية والمسؤولية، هي القيم السائدة في المجتمع الدولي لمكافحة الفساد، لذلك على الشعب المصري أن يعبّر عن مطالبه لكن من دون اللجوء إلى العنف»، وذلك في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع نظيره الأوسترالي كيفين رود في أنقرة.
وفي السياق، أرجأت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون زيارة كانت تنوي القيام بها إلى تركيا، مطلع الأسبوع المقبل، وذلك بسبب الاضطرابات التي تشهدها مصر أيضاً. ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن مسؤول أميركي طلب عدم الكشف عن هويته تأكيده أن كلينتون أجّلت زيارتها المقررة الأسبوع المقبل إلى أنقرة، والتي ستحصل «في الوقت المناسب».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)