في الرابع من الشهر الجاري، سقط حاكم البنجاب، تيسير سلمان، قتيلاً برصاصتين في صدره من مسدس حارسه الشخصي؛ اغتيال أعاد تسليط الضوء على الصراع بين العلمانية والتشدّد الإسلامي، الذي اتخذ من قانون «التجديف» وجهاً له. وفي كل محطّة كانت قضية أحد الأشخاص المسيحيين المتهمين بالتجديف تعيد لهذا الصراع هيجانه، لينطفئ بإعدام ضحية جديدة. مع سلمان، كانت آسيا بيبي هي القضية.«آسيا بيبي»، هي امرأة باكستانية مسيحية وأمّ لخمسة أبناء، حُكم عليها بالإعدام في 8 تشرين الثاني بتهمة «التجديف». وتروي الحكاية أن آسيا كانت تجلب ماء إلى بعض العمال المسلمين في قريتها عام 2009، فرفض العمال شرب الماء من مسيحية «قذرة»، ورفعوا شكوى عليها لأنها تلفّظت بعبارات مسيئة للقرآن والنبي محمد.
حاكم البنجاب دعا إلى العفو عن آسيا ومنع تنفيذ حكم الإعدام. زارها في السجن وعقد معها مؤتمراً صحافيّاً وقال إن الرئيس سيعفو عنها. وفي رسالة قبل اغتياله على موقع «تويتر»، كتب «لقد تعرضت لضغوط هائلة للخضوع لليمينيين بشأن قانون التجديف، لكنني رفضته وسأبقى رافضاً له حتى لو كنت الرجل الوحيد ضدّه».
موقف سلمان أهدر دمه. اغتاله حارسه الشخصي ممتاز قدير، الذي نثر عليه الورود عندما دخل المحكمة محامون كانوا قد شاركوا في انتفاضة المعاطف السوداء التي غيّرت تاريخ باكستان الحديث، بعدما دفعت الجنرال برويز مشرف الى التنحّي.
وبما أن باكستان دولة إسلامية كبرى، وكرّست هذا الأمر في دستورها (المادة 2)، فمن الطبيعي أن تمنع الإساءة الى دينها. ويتضمن القانون الباكستاني عقوبات تتراوح بين الغرامات والإعدام لكل من تثبت إدانته بالتجديف.
ورغم أن معظم الدول الإسلامية تعاقب كل من يتعرض للدين وقيَمه ورموزه، فإن باكستان تعدُّ الأكثر تشدّداً. وتنصّ المادة 31 من الدستور على وجوب اتخاذ الدولة الإجراءات اللازمة لتطبيق الإسلام. ويتضمّن القانون الجنائي أحكاماً تتعلق بالتجديف، فيحظّر إتلاف أمكان العبادة أو المقدسات وإتلافها، أو خدش المشاعر الدينية، وتدنيس القرآن (يتعرض مرتكبه للسجن مدى الحياة) أو التشهير بالنبي محمد (عقوبته الإعدام). ويجب أن يترأس المحكمة التي تنظر في القضية قاض مسلم.
وتنص المادة 298 من القانون الجنائي أنه: إذا كانت هناك نيات متعمّدة لجرح المشاعر الدينية لأي شخص، في التلفظ بأي كلمة أو إصدار صوت على مسمعه، أو عمل أي إشارة أو وضع أي مواد على مرآه، يعاقب من يرتكبها بالحبس لمدة عام أو بالغرامة، أو الاثنين معاً. وفي المقابل، فإن رئيس البلاد يملك حق العفو أو تعليق عقوبة التجديف أو تخفيفها.
لكن «جرح المشاعر الدينية» والتعرض للإسلام قد لا يأتي من أفراد يعيشون داخل باكستان، وبالتالي يمكن ملاحقتهم ومعاقبتهم، وبما أن العالم بات قرية كونية صغيرة رُفعت فيها كل الحواجز المادية، فإن التعرض للدين الإسلامي ونبيّه قد يأتي من أحد غرف هذه القرية، لذلك عمدت السلطات الباكستانية في أيار الماضي الى منع الدخول لموقع «فايسبوك» الاجتماعي الذي بادر الى فتح صفحة «ليرسم كل شخص محمد» (تظاهرة رسم سنوية من أجل حرية التعبير تدافع عن الفنانين الذين رسموا النبي وتعرضوا للتهديدات)، قبل أن تسمح بالولوج الى الموقع بعد منع الدخول الى الصفحة. كذلك منعت السلطات الباكستانية الدخول الى 17 موقعاً في حزيران الماضي، لأنها مسيئة للإسلام، وتولّت الإشراف على محتوى مواقع «ياهو» و«غوغل» و«هوت مايل» و«أم أس أن» و«أمازون» و«يوتيوب».
ويرى منتقدو قانون «التجديف» فيه مبرراً لاضطهاد الأقليات، ولا سيما المسيحية، إذ إن المتشدّدين لا ينتظرون قرار المحكمة بالإدانة وينفّذون الإعدام بأيديهم. وحادثة اغتيال حاكم البنجاب هي محطة في طريق يبدو طويلاً، بعدما فشل رئيس البلاد آصف زرداري في توجيه إدانة صريحة للاغتيال. وثمة مشروع ضحية جديدة يلوح في الأفق، هي شيري رحمن، وزيرة الإعلام السابقة عن حزب الشعب، ومعدّة المشروع الذي أودع لدى البرلمان في تشرين الثاني 2010 ويهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام وتشديد الشروط اللازمة لإدانة من يحاكمون بتهمة «التجديف».
تلقّت شيري، التي كانت مقرّبة من زعيمة حزب «الشعب» الراحلة بنازير بوتو، تهديدات بالإعدام، ونصحتها وزارة الداخلية بمغادرة البلاد، عقب اغتيال سلمان. لكنها رفضت.
قالت إنها لم تعد تجرؤ على فتح بريدها الإلكتروني. ورُفعت عليها دعوى أمام محكمة في مولتان ـــــ البنجاب تتهمها بإهانة النبي محمد خلال مقابلة تلفزيونية، وهو أمر تنفيه وتعدّه جزءاً من حملة التخويف التي يشنّها المتشدّدون عليها.
ورغم التهديدات والفتاوى التي صدرت عن رجال دين وجماعات إسلامية متشدّدة بحقّ شيري بعد اغتيال سلمان، وعدّتها غير مسلمة وطالبت بإعدامها، رفضت شيري سحب مشروع تعديل قانون «التجديف».



الأسقف عن الطائفة الكاثوليكية الرومانية في فيصل آباد، جون جوزيف، لم يغتله أحد في أيار 1998، بسبب موقفه من قانون «التجديف»، بل اختار أن ينتحر تعبيراً عن اعتراضه على هذا القانون الذي يستغلّه المتشددون للتنكيل بالأقليات. قرر جوزيف أن يضع رصاصة في رأسه وينهي حياته على الباب الحديدي لمحكمة ساهيوال التي أدانت أيوب مسيح بتهمة التجديف وحكمت عليه بالإعدام. كان متحدثاً باسم حوار الأديان، وانتحاره أطلق موجة من الاستياء لدى الطائفة المسيحية، ولمحاصرتها، قيل إن جون قُتل على يد أب كاثوليكي كان ينافسه.