باريس ــ مرّت عمليّة «توريث» زعيم الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة جان ماري لوبن لابنته مارين (محامية ٤٣ عاماً) مرور الكرام، وحصدت الوريثة ٦٧،٥ في المئة من أصوات المحازبين بينما كان نصيب منافسها برونو غولنيش (أستاذ جامعي ٦١ عاماً) ٣٣،٢ في المئة. فقط النسبة المرتفعة للخاسر، الذي يعدّ من قدماء الحزب، تميز عملية «انتقال السلطة» في الحزب الفرنسي عن انتقالها في أحزاب جمهوريات الموز.وكشف أول خطاب لمارين أن هدفها الأول سوف يكون الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وحزبه، التجمع من أجل الأكثرية الشعبية. في أول جملة من خطابها توجّهت إلى الفرنسيين قائلة «نحن المدافعون الحقيقيون عن الجمهورية».
التغيير في خطاب الجبهة الوطنية واضح، والرغبة بالابتعاد عن «الاستفزاز»

كان النمط المسيطر على كلمة هادئة خاطبت عبرها الطبقات الفقيرة الفرنسية ورفعت عالياً شعارات «غريبة» عن خطاب التطرف اليميني: «العلمانية والجمهورية»، رغم أن العديد من مؤيديها يرون فيها «تكملة لمسار تاريخي معارض للجمهورية ومؤيد للكنيسة».
ورأت مارين أن الدولة بمؤسساتها المركزية هي «دعامة فرنسا التي نحبها»، منتقدة المؤسسات المالية الدولية «والعولمة التي تنهش الجميع». هذا الخطاب يتوجه أيضاً لمؤيدي الأحزاب اليسارية والفقراء الذين همّشتهم الأزمة المالية وتراجع القدرة الشرائية للطبقات الدنيا من المجتمع الفرنسي.
التاريخ أيضاً كان حاضراً، فجاء الخطاب على ذكر نابليون الذي يمثّل التحديث في الثورة الفرنسية، ولا يزال له حضور قوي في اللاشعور الفرنسي.
«الفستان الأسود» الذي ظهرت به مارين أمام ٢٠٠٠ عضو من طاقم آلة الحزب، يدلّ على أن «الزعيمة الجديدة» تبحث عن «الهيبة والاحترام» وتريد أن تقول للناخب الفرنسي «يمكنك الاعتماد علينا، لم نعد المشاغبين الذين عرفتهم في عهد أبي المؤسس التاريخي للحزب».
أحد المحازبين قال لـ«الأخبار»: «سنربح المعركة، نحن نمثّل اليمين الفرنسي المنفتح على الطبقات الفقيرة». ويرى المراقبون أن مارين لوبن، عبر تجديد خطاب الجبهة الوطنية، ترمي إلى قضم حصة اليمين المعتدل الذي يمثله ساركوزي، والذي باتت صورته مرتبطة بقوة بالرأسمالية الكبرى وبكبار رجال الأعمال وبالفضائح، من قضية المليارديرة ليلان بيتانكور إلى مسألة التحقيق مع وزير العمل السابق إيريك ورث، مروراً بفضائح أدوية ميدياتور.
وتسعى مارين اليوم إلى «النهش من اليمين ومن اليسار». ولا يستبعد البعض أن «تكون حاضرة في الدورة الثانية» في تكرار للانتخابات الرئاسية عام ٢٠٠٢، حين حل والدها ثانياً وراء جاك شيراك ومنع الاشتراكيين من التقدم للدورة الثانية. أما السيناريو اليوم فهو أن يكون الاستبعاد لمرشح اليمين، أي ساركوزي، ولا يعود ذلك لقوة الحزب الاشتراكي بل بسبب احتمال كبير بأن يترشح وسطي، بل اثنان، أي هيرفيه موران أو فرانسوا بايرو، مع ترشح شبه مفروغ منه لدومنيك دوفيلبان، الذي يترشح «لكسر ساركوزي» لا لربح المعركة. ويصطف كذلك في المعركة اليمينية «الديغولي» حامل شعار «قفي أيتها الجمهورية»، نيكولا دوبون أنيان، الذي يجعل من ترشح حزبه «مبدأ لا حياد عنه».
يدل كل ذلك على أن لمارين حظوظاً كبيرة بقلب المعادلات السياسية في فرنسا، وخصوصاً أن رياح النجاح تهبّ في أشرعة التيار اليميني المتطرف في أوروبا وتدفعه نحو مواقع الحكم.
ماذا سيفعل ساركوزي وقد بات عنده منافسة قوية؟