يبدأ الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف، اليوم، جولة في المنطقة من باب عملية السلام، تشمل الأردن والضفة الغربية، وتستثني إسرائيل، التي طلبت تأجيل الزيارة «بسبب إضراب موظفي خارجيتها»، الأمر الذي أثار الكثير من الأقاويل.
وسعى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى نفي أمر إلغاء الزيارة إلى الدولة العبرية على خلفية استياء موسكو من تل أبيب، قائلاً «أريد التأكيد أنّ هذه الزيارة ستجري كما هو مقرر»، مشيراً إلى أن المزاعم القائلة إنّ مدفيديف قرر زيارة الأراضي الفلسطينية انتقاماً من عجز الإسرائيليين عن استقباله «لا علاقة لها بالواقع، بل يمكن اعتبار تلك المزاعم استفزازاً غير حميد».
لافروف تحدث أيضاً عن فحوى الزيارة، فقال «نحن نؤيّد بقوّة الجهود التي تبذلها واشنطن لتسوية النزاع العربي ـــــ الإسرائيلي، لكن بات من الواضح، أنّ هذه الجهود غير كافية».
إلاّ أنّ رئيس معهد الشرق الأوسط للأبحاث في موسكو، يفغيني ساتانوفسكي، قال إن «روسيا تريد إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط»، فيما أشار المحلل الروسي ألكسندر غولتز إلى أنّ «الدول العربية تستخدم موسكو لتثير غضب الغرب، لكن عندما تريد فعلاً الوصول إلى حلّ، تذهب مباشرةً إلى صانعي القرار».
زيارة مدفيديف تعكس المقاربة الروسية المستحدثة للتوترات في المنطقة والعالم، التي يحكمها التوازن بين القوى المتصارعة. معادلة تبدو فيها موسكو على صورة الكاهن الذي يستقبل رعاياه للاعتراف، إلا أنّ تعيين السفير الروسي الجديد في لبنان، الكسندر زاسيبكين، جاء مختلفاً من حيث التوجّه السياسي هذه المرة، ويعكس مقاربة الخارجية الروسية للأوضاع. فالكرملين طلب من زاسيبكين أن يكون على مسافة واحدة من الأفرقاء اللبنانيين، بعدما كان السفير السابق أقرب إلى فريق 14 آذار، اعتقاداً منها أن سياسات الاصطفاف أثبتت فشلها.
توجّه سياسي لا يخص لبنان وحده، بل ينسحب على المنطقة والعالم من خلال الإمساك بطرفي العصا. فإذا كانت روسيا تتمتع بعلاقة جيدة مع إسرائيل، فهي في الوقت نفسه تحرص على علاقة جيدة مع الحركات التي تصنّفها تل أبيب بـ «الإرهابية»، أي حركة «حماس» وحزب الله. وقد يكون إصرار روسيا على أداء هذا الدور قد عرقل زيارة مدفيديف إلى إسرائيل، وخصوصاً أن موسكو تجد في «حماس» شريكاً، لأنّ الحركة تعدّ مقبولة في العالم الإسلامي المحيط بها، كذلك تقدّر أنه في أيّ انتخابات نيابية، ستقارب حظوظ «حماس» في الفوز نسبة الـ 50 في المئة، كما تمثّل الحركة ورقة قد تستعملها روسيا ضد إسرائيل حين تتطلب الظروف السياسية ذلك، وخصوصاً أنها ستكون ربما من الدول القليلة جداً التي تحاور «حماس»، وانطلاقاً من ذلك فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس رحب بالاتصالات المنتظمة التي تجريها السلطات الروسية مع قيادة «حماس»، وأمل أن تسهم في تحقيق المصالحة الفلسطينية.
على صعيد آخر، تسعى روسيا إلى زيادة الاستثمارات الاقتصادية المتبادلة بينها وبين دول الشرق الأوسط. هدفٌ سيسعى مدفيديف إلى تكريسه خلال زيارة الأردن، وكان قد بدأها مع السعودية من خلال رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري خلال زيارته روسيا أخيراً، حينها حدد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين المصالح الروسية الاقتصادية بطريقة جليّة، طالباً من الحريري دعم عروض الشركات الروسية في المناقصات العمومية اللبنانية. ورأى أن التعاون يمكن أن يشمل عدة مجالات مثل الطاقة والنقل والاتصالات، وسكك الحديد.
كما تصرّ روسيا على عقد علاقة جيدة مع السعودية، لما لها من نفوذ في المجتمعات الوهابية التي تحيط بها، كالشيشان مثلاً، مدركةً زيادة التطرف الإسلامي ودور الرياض في إشعاله أو تخفيفه.
إنها سياسة التوازن بين الأقطاب. علاقة جيدة مع إسرائيل و«حماس» وحزب الله والسعودية وإيران. سياسة من دون موقف قاطع ترسم حدود العلاقة بين روسيا والأفرقاء في المنطقة على المدى القريب، إلى أن يعاد خلط الأوراق.