تتجه أنظار العالم، خلال الأيام المقبلة، نحو اسطنبول، أملاً بدخان أبيض يخرج من اجتماع إيران بمجموعة 5 + 1، يخفف من حدة التوتر في المنطقة. وكالعادة مع اقتراب لقاءات من هذا النوع، يستنفر الطرفان أجهزتهما المختصة في سلسلة مناورات يأملان ترجمة نتائجها على طاولة المفاوضات، التي ارتفع منسوب التفاؤل بها عند بعض المعنيين إلى الحد الذي جعله يتحدث يقيناً عن أن اللقاء التالي سيعقد في طهران، مع ما يعنيه ذلك من اعتراف غربي بالهزيمة وزيارة مبعوث أميركي للجمهورية الإسلامية.أوساط الرئيس محمد أحمدي نجاد ترى «الأمور غير محسومة بعد في ما يتعلق بعقد اجتماع لـ5 + 1 في طهران. كل شيء رهن ما سيحصل في اسطنبول». وتضيف «لكن لا ينبغي التقليل من أهمية الاجتماع التركي الذي نراه مهماً جداً ونعدّه اختراقاً نوعياً، لكونه أخرج الملف من الدائرة الأوروبية الضيقة إلى دائرة آسيوية أو شبه آسيوية. لقد نجحت إيران، بدعم من تركيا والبرازيل، في جذب مجموعة 5 + 1 نحو الشرق».
كلام تلك الأوساط يصبح كثير التحفظ عند الحديث عمّا هو متوقع من هذا الاجتماع والآمال المعلقة عليه. حتى الكلمات المستخدمة تصبح أكثر دقة. تقول إن «القضية تنتهي في اسطنبول. لا إيران تتوقع اتفاقاً ولا الطرف الآخر يأمل شيئاً كهذا، رغم الأجواء الجيدة». وتضيف «خلافاً لما يتصور البعض، لا يمتلك المفاوضون الغربيون صلاحية التقرير الفوري. يكثرون من المشاورات والتقويم الذي يتركز، حسبما علّمتنا التجربة، على المدى الذي تستفيد منه إيران من خطوة ما أو الذي تتضرر منه. حتى رفض زيارة المنشآت النووية جاء بعد مشاورات».
وكانت طهران قد وجهت خطابات لعدد من السفراء لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، ليس من بينهم سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، تدعوهم فيها إلى زيارة منشأة ناتنز لتخصيب اليورانيوم ومجمع أراك للماء الثقيل. وبعد أيام، خرجت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي، كاثرين اشتون، لتعلن أن الاتحاد الأوروبي سيرفض الدعوة التي وجهت للمجر بصفتها الرئيسة الدورية للاتحاد، مشيرة إلى أنها تشاورت، قبل اتخاذ قرار كهذا، مع روسيا والصين اللتين شملتهما الدعوة.
وتقول المصادر نفسها إن «العلاقة بين الطرفين تقوم حالياً على المعادلة الآتية: إيران لا تريد توتير الأجواء وتعمل لعدم تصعيد الأمور إذ ترى المصلحة في القنوات المفتوحة. كذلك الأمر بالنسبة إلى الغربيين الذين لا يريدون قطع شعرة معاوية»، مشيرة إلى أن «أقصى ما يؤمل من اجتماع اسطنبول هو إذابة بعض الجليد، لا كله».
وكانت المفاوضات بين إيران و5 + 1 قد توقفت قبل نحو 14 شهراً، فرض في خلالها مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عدة وجبات من العقوبات على إيران، وذلك في أعقاب رفض الأخيرة الطرح الغربي لتبادل اليورانيوم، والرفض الغربي للاقتراح البديل الذي توسطت فيه تركيا والبرازيل. ويقوم الطرح الغربي، الذي قدم في تشرين الأول 2009، على أن تسلم طهران نحو 1200 كيلوغرام من مخزونها من اليورانيوم المخصّب بنسبة 3.5 في المئة (وكان آنذاك نحو 1300 كيلوغرام) إلى روسيا التي ترفع تخصيبه لنسبة 20 في المئة قبل أن ينقل إلى فرنسا، حيث يحوّل إلى 120 كيلوغراماً من القضبان النووية التي تُسلّم إلى طهران بعد عام من بدء التبادل لتشغيل المفاعل الطبي في طهران. أما العرض التركي البرازيلي الذي قبلته الجمهورية الإسلامية في أيار 2010 ورفضه الغرب، فكان يقوم على أن تودع إيران كمية اليورانيوم المطلوبة عهدة لدى تركيا وتحت إشراف إيراني، على أن تُسلّم للغرب ما إن يسلم هذا الأخير القضبان النووية لطهران خلال مهلة أقصاها عام. وقتها كان المخزون الإيراني من اليورانيوم منخفض التخصيب قد تجاوز الـ2400 كيلوغرام، وكانت طهران قد بدأت إنتاج يورانيوم 20 في المئة في شباط 2010.
كانت فكرة العرض الغربي تقوم على إخراج مخزون اليورانيوم من إيران لمدة سنة، فيما عمل الأتراك والبرازيليون على سد فجوة فقدان الثقة بالغربيين الذين كانت طهران تخشى ألا يعيدوا اليورانيوم إليها.
واستؤنف حوار طهران مع 5 + 1 في جنيف مطلع كانون الاول الماضي. ويومها تقرر استئناف المفاوضات في اسطنبول. لكن المفاجأة كانت في تصريحات رئيس وكالة الطاقة الإيرانية، علي أكبر صالحي، المكلف أيضاً وزارة الخارجية، قبل أيام والتي تزامت مع الإعلان التركي عن موعد لقاء اسطنبول. قال صالحي، بكل وضوح، إن مخزون بلاده من اليورانيوم المخصب 20 في المئة قد ارتفع إلى 40 كيلوغراماً، وإن طهران «أنشأت وحدة لإنتاج صفائح الوقود في مصنع أصفهان» ما يجعلها «من الدول النادرة القادرة على إنتاج صفائح الوقود النووي وقضبانه» خلال أشهر، وبالتالي فإن العرض الغربي السابق لتبادل اليورانيوم بات «بلا معنى». وكان صالحي قد أعلن في تشرين الثاني الماضي أيلول 2011 موعداً لإنتاج وقود نووي في إيران.
وتقول أوساط نجاد، في تعليقها على التصريحات الأخيرة لصالحي، «هي جزء من المناورات التي يمارسها الجانبان. رسالة طهران للغربيين واضحة: الوقت يجري لغير مصلحتكم. كلما أطلتم في الاستجابة لمطالبنا فقدتم جزءاً من عناصر قوتكم وبات الحل الوسط بعيد المنال. ها نحن على بعد خطوة من إنتاج الوقود النووي بأنفسنا. ويوم يحصل ذلك لن نعود بحاجة لكم وستفقدون هذه الورقة في التفاوض معنا». وتضيف «لا يبدو، حتى اللحظة، أن الغربيين وصلوا إلى النقطة التي تجعلهم يقبلون بكل شروط إيران. لا استعداد لديهم للقيام بذلك. بالأحرى، لا قدرة لهم على الانحراف 180 درجة فوراً. لا يزال بعضهم يراهن، على ما يبدو، على آثار العقوبات. لا أحد يحلم بتنازلات من جانبنا. لا عودة إلى الوراء. التجربة علّمتنا، من أيام (الرئيس السابق محمد) خاتمي، أن كل مبادرة تقوم بها إيران ينظر إليها على أنها دليل ضعف وتستدرج مطالبات أخرى بتنازلات جديدة. هذا لن يحصل». وتتابع « إن الملف بالنسبة إلينا تقني. عليهم أن يجلسوا إلى الطاولة ويتحدثوا تقنياً».
وبشأن الدور التركي في لقاء اسطنبول وعما إذا كان سيقتصر على الضيافة، تفيد الأوساط نفسها بأن «طهران تحبذ بلا شك جلوس مفاوض تركي إلى طاولة المحادثات، شرط أن يطلب الغرب ذلك. لكن هذا لا يعني أن أنقرة غير مشاركة في اللقاء، وإن بأساليب أخرى. هي بلا شك موضع ثقة إيران الكاملة، وهي تسعى دوماً إلى تأكيد صدقيتها، وبالتالي على الغرب أن يثق بها، علماً بأن إيران ترى مجرد دخول التركي على الخط إنجازاً لها». أما بالنسبة إلى البرازيل، فتضيف المصادر نفسها «لا شك في متانة العلاقة التي تربط طهران ببرازيليا، لكن علينا أن ننتظر لنرى إذا كانت الرئيسة الجديدة (ديلما روسيف) تتحلى بصلابة سلفها (لويس ايناسيو لولا دا سيلفا)».



طهران تضبط شبكة جواسيس الموساد


أعلنت السلطات الإيرانية، أمس، أنها ضبطت «شبكة جواسيس» ذات صلة بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) كانت وراء اغتيال العالم النووي الإيراني، مسعود علي محمدي، عام 2010. وأعلنت وزارة الأمن الإيرانية «اعتقال العناصر الرئيسيين الضالعين في اغتيال أستاذ الفيزياء في جامعة طهران»، مؤكدة أن «جهاز التجسس التابع للكيان الصهيوني (الموساد) كان له ضلع في عمليه الاغتيال».
وقال بيان الوزارة إن «العمليات الواسعة لكشف الجواسيس والإرهابيين واعتقالهم بدأت بالتركيز الاستخباري والأمني على الخيوط التي توصل إلى العناصر والشبكات العميلة للكيان الصهيوني، وبعد أشهر من العمل المضني والسري والإجراءات المعقدة واختراق العمق الاستخباري للكيان الصهيوني، تمكنت كوادر وزارة الأمن من الحصول على معلومات مهمة جداً وحساسة عن فرق التجسس التابعة للموساد، ما ألحق ضربات موجعة بالهيكلية الاستخبارية والأمنية للكيان الصهيوني».
(إرنا)