قتل مشبوهان بينهما انتحارية فجرت نفسها، واعتقل سبعة آخرون، أمس، في عملية كبيرة لقوات الأمن في سان دوني شمال باريس، استهدفت شقة بهدف إلقاء القبض على "الجهادي" البلجيكي عبد الحميد أباعود، الذي يشتبه في أنه مدبر اعتداءات باريس، في وقت بحث فيه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تبني مجلس الأمن قراراً لمكافحة الإرهاب "بأسرع ما يمكن".
إلا أن المدعي العام في باريس فرنسوا مولانس أعلن في وقت لاحق بعد العملية، أن أباعود ليس بين الأشخاص الذين أوقفوا، موضحاً أن العمل جار للتحقق من هويات القتلى في هذه العملية. وبحسب مولانس، فإن "شهادات واتصالات هاتفية ومراقبة" دفعت إلى الاعتقاد بأنه قد يكون في شقة في سان دوني في الضاحية الشمالية لباريس.
وأباعود (28 عاماً)، هو صاحب سوابق من بروكسل توجه إلى سوريا في عام 2013 حيث أصبح من أوجه دعاية تنظيم "داعش" تحت كنية أبو عمر البلجيكي. وتمكن في نهاية عام 2014 من السفر ذهاباً وإياباً إلى أوروبا، متحدياً أجهزة الأمن، وذلك لإعداد اعتداء تم إحباطه في نهاية المطاف.
وشن 110 رجال أمن هجومهم، فجراً في قلب مدينة سان دوني. ونقلت وكالة "رويترز" عن مصدر قريب من التحقيقات ومصدرين في الشرطة، قولهم إن الأشخاص الذين اعتقلتهم الشرطة كانوا يخططون لمهاجمة حي المال والأعمال (لا ديفونس) في العاصمة الفرنسية.
وفيما نظمت السلطات الفرنسية رد فعلها الذي توعدت بأن يكون "بلا رحمة"، وذلك بعد خروجها من الصدمة، أبحرت حاملة الطائرات "شارل ديغول"، وعلى متنها 26 طائرة مطاردة من طولون في جنوب شرق فرنسا، متوجهة إلى شرق المتوسط للمشاركة في العمليات ضد "داعش". وكثفت السلطات الفرنسية في ثلاثة أيام العمليات في الأوساط الإسلامية، ونفذت أكثر من 400 عملية تفتيش وفرضت الإقامة الجبرية على 118 شخصاً ووضعت 60 آخرين قيد الإيقاف التحفظي، بحسب الحكومة.
وفي السياق، بحث الرئيس الفرنسي مع الأمين العام للأمم المتحدة تبني قرار دولي ضد الإرهاب في أقرب وقت. وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نيته تقديم "خطة عمل" ضد التطرف، وبأسرع مما كان متوقعاً، إلى الدول الأعضاء في المنظمة الدولية. وخطة العمل هذه هي مدار بحث منذ عدة أشهر، ولكن بدأ تسريع العمل في وضعها بعد اعتداءات باريس الدامية.
وخلال توقيعه على سجل التعازي الذي فتح في مقر البعثة الفرنسية في الأمم المتحدة في نيويورك، أعرب بان عن "صدمته الكبيرة من الأعمال الإرهابية الوحشية"، التي ارتكبت الجمعة في باريس. وقال إن "أية مطالبة وأية قضية لا تبرر مثل هذا العنف".
وبعد مرور نحو أسبوع على اتخاذه وضع المحارب، دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمس مواطنيه إلى عدم الوقوع في "الخوف" و"الازدراء" و"المزايدة"، مؤكداً أنه "لا مجال للخلافات الحزبية" اليوم في فرنسا. وقال في خطاب أمام رؤساء بلديات مدن فرنسية إن عملية مكافحة الإرهاب التي جرت في سان دوني، "تؤكد لنا مرة أخرى أننا في حرب، حرب ضد الإرهاب"، مضيفاً أنه "لا يمكن التسامح مع عمل معاد للسامية أو مناهض للمسلمين". وأشار إلى أنه سيتم تعزيز نشاط رجال الأمن والجمارك وخلق 8 آلاف وظيفة في الإدارات العامة، وسيُجهَّز الأشخاص بمعدات أكثر لمواجهة الظروف الراهنة. وأشار هولاند إلى أن الحكومة الفرنسية ستعمل على عدم منح حق اللجوء للأشخاص الذين يهددون أمن فرنسا والشعب الفرنسي.
وقال هولاند إنه سيزور واشنطن وموسكو للتنسيق ضد "داعش"، مؤكداً رفع وتيرة العمليات الحربية ضد "داعش" في سوريا 3 أضعاف، بعد إرسال حاملة الطائرات الفرنسية. ولفت إلى أن هناك مشروع قانون سيناقشه البرلمان لتمديد حالة الطوارئ في البلاد لمدة 3 أشهر أخرى.
من جهته، دافع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن دول الخليج، معتبراً أنه ليس هناك تأكيد لاتهامات بتمويل الإرهاب كثيراً ما توجه إلى هذه الدول، ومشدداً على أن باريس لا يمكن أبداً أن تتساهل مع حكومات "تمول الإرهابيين". وأمام الجمعية العامة الوطنية، قال فابيوس: "بشأن اتهامات بتمويل إرهابيين بحق بعض دول الخليج، أجهزتنا قامت بعمليات التثبت الضرورية، وما نملك من معطيات، لا يتيح لنا توجيه الاتهام إلى حكومات هذه الدول". وأضاف: "قلنا باستمرار إنه إذا دلت معطيات في المستقبل على خلاف ذلك، فبديهي أن علاقاتنا ستتغير بشكل كامل وأريد أن أؤكد ذلك رسمياً هنا، لا يمكن ولن يكون هناك أدنى تساهل تجاه حكومات تساعد الإرهابيين". وشدد فابيوس على أن "مكافحة تمويل الإرهاب ضرورة مطلقة وأساسية، إذا أردنا القضاء على داعش".
في غضون ذلك، قررت المفوضية الأوروبية توسعة تشريعها لمكافحة الإرهاب أوائل العام المقبل، ليستهدف المقاتلين مثل من شاركوا في هجمات باريس.
وستوسع الإجراءات الجديدة نطاق الأفعال التي يستحق مرتكبوها العقاب، بموجب التشريع لتشمل السفر بغرض تنفيذ عمل إرهابي وتسهيل السفر أو تلقي تدريب لتنفيذ هجوم.
يأتي هذا التحرك في وقت عززت فيه روما إجراءات الأمن بصورة ملحوظة، فنشرت جنوداً في مناطق مزدحمة في العاصمة الإيطالية، وشددت إجراءات تفتيش الزائرين لمدينة الفاتيكان. ورفعت الشرطة السويدية مستوى التقويم للتهديد الإرهابي درجة واحدة إلى أربع على مقياس من خمس درجات.
(رويترز، أ ف ب، الأناضول)