نيويورك | رفع عدد من المفكرين الأميركيين دعوى في المحكمة الاتحادية الأميركية يطلبون فيها إلغاء المادة 1021 ( بي) (2) من قانون التفويض الدفاعي القومي. وهي المادة التي تتيح للقوات المسلحة والاستخبارات الأميركية اعتقال مواطنين أميركيين وحرمانهم من الإجراءات القضائية السليمة، والإبقاء على توقيفهم إلى أجل غير مسمى في مراكز اعتقال عسكرية. واستغرب المفكرون الأميركيون، وهم كريس هدجيز ونعوم تشومسكي ودانييل ألزبيرغ، سكوت مجلسي الشيوخ والنواب عن المادة بالرغم من قدرتهما على إلغائها في غاية البساطة.
وقال كريس هدجيز، في مقالة كتبها على موقعه، إنّ «المجلسين كانا قادرين هذا الشهر على تضمين نسخة عام 2013 من قانون التفويض الدفاعي القومي عبارة صريحة لا تقبل التأويل بعدم شمول المادة كافة المواطنين الأميركيين، بما يجعلها تطبّق على الأجانب وحدهم».
وأضاف هؤلاء أنّ القضية تنطوي على مخاطر تلاحق حتى رجال الإعلام بتهمة النيل من الولايات المتحدة وحلفائها بدعمهم المباشر لجماعات تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية. كذلك انتقدوا بشدة كيفية تصدّي حكومة الرئيس باراك أوباما لمذكرة تعطيل أصدرتها قاضية في نيويورك للمادة القانونية ريثما يبتّ القضاء القضية. ورأوا أنّ أسلوب التصدي السريع يدلّ على أنّ المادة باتت قيد التطبيق في معتقلات عسكرية أميركية.
وفي التفاصيل، اتهم المدّعون الثلاثة كلاً من الجمهوريين والديموقراطيين بالتقاعس عن إرجاع الحقّ بالمحاكمة العادلة للمواطنين الأميركيين. وقالوا إنّ ما كرّسته وثيقة الحقوق المدنية والتعديلين الرابع والخامس من الدستور الأميركي سيتحدد مصيره في الأشهر المقبلة عبر المحاكم، وإلا فإنّ مصير القانون في الولايات المتحدة سيكون مشابهاً لما كان سائداً في الدول الاستبدادية. وكان السيناتور الديموقراطي عن ولاية كاليفورنيا، دايان فاينستين، ونظيره الجمهوري عن يوتاه، مايك لي، قد قدّما تعديلاً لنسخة قانون الدفاع لعام 2013. ورغم أن تعديلهما تشوبه شوائب كثيرة، حافظ على الحق في المحاكمة العادلة، والمحاكمة بواسطة المحلفين. وحذفت لجنة تابعة لمجلس الشيوخ، بقيادة السيناتور الجمهوري عن ولاية أريزونا جون ماكين، التعديل من القانون الأسبوع الماضي. فأصدر فاينستين بياناً أعرب فيه عن حزنه وخيبة أمله من «عدم القدرة على اتخاذ خطوة أولية نحو حماية المواطنين الأميركيين والمقيمين الشرعيين في الولايات المتحدة من الاعتقال، وحرمانهم من القدرة على الدفاع عن أنفسهم أو من المحاكمة العادلة». وكان مجلس النواب أقرّ قانون الدفاع القومي، وميزانيته البالغة 633 مليار دولار لعام 2013 بأغلبية 315 مقابل 107، في وقت متأخر ليل الجمعة الفائت. ورأى كريس هيدجيز أنّ فاينستين قدّم التعديل من باب رفع العتب فقط من أجل تسجيل موقف يكسب فيه أمام الرأي العام، لكنّه مع ذلك شكّل نوعاً من الوقوف في وجه الهجوم المنظم على النيل من الحقوق المدنية، مع أن ذلك التعديل لم يتضمن أيّ إشارة إلى أنّه لا يجوز وضع أي مواطن أميركي في معتقل عسكري إلى أجل غير مسمى من دون محاكمة. بل إنّ القانون يتيح المحاكمة على أيدي قضاة عسكريين ويحرم الموقوفين من الحق في الدفاع عن النفس في المحاكم المدنية. وفي القضية المرفوعة على الرئيس باراك أوباما من أجل وقف تطبيق المادة 1021 (بي) (2)، قال محاميا الاتهام، بروس أفران وكارل ماير، «إنّ خطوة الكونغرس المتعلقة بقانون تفويض الدفاع القومي توضح بجلاء أنّ الكونغرس بمجمله لا يمتلك الجرأة على حماية الحريات المدنية». وكان لقاضية المحكمة الجزئية الجنوبية في نيويورك، كاثرين ب. فوريست، موقفها المميز في القضية، إذ قبلت الدعوى في أيلول الماضي بكل حيثياتها، وأصدرت إنذاراً قضائياً دائماً يعطّل عمل المادة 1021 (بي ) (2). وطلب محامو الدفاع منها تعليق الإنذار الدائم بانتظار الاستئناف بحيث يدخل القانون حيّز التنفيذ، ويبقى سارياً ريثما تبتّ محكمة الاستئناف للدائرة الثانية القضية، لكنها رفضت ذلك.
عندها توجّهت حكومة أوباما إلى محكمة الاستئناف وطلبت وقفاً مؤقتاً مع وعد بعدم توقيف المدّعين أو أيّ مواطن أميركي تحت ذلك البند. وقبلت محكمة الاستئناف طلب الحكومة بوقف موقت، وستنظر في القضية الشهر المقبل. وبذلك دخل القانون حيّز التنفيذ الفعلي. وإذا ما فازت الحكومة بالقضية في محكمة الاستئناف، فإن الحكم قد يعرض على المحكمة العليا خلال بضعة أسابيع بطلب من المدّعين.
محامي الادّعاء انتقد الرئيس أوباما بشدة على السعي لتطبيق القانون من خلال محكمة الاستئناف، وقال: «ما كان ينبغي للرئيس أوباما استئناف قضية أساسية تتعلق بالحقوق المدنية كهذه. وإذ فعل ذلك، فإن المعركة ستنتقل إلى المحكمة العليا». وستشكل هذه القضية معركة الحريات المدنية لمنع الولايات المتحدة من التحول إلى دولة استبدادية حتى حيال مواطنيها وسكانها، ولمنع الجهاز القضائي من مواصلة قضم الحريات المدنية تحت ستار الأمن القومي. وهي عملية بدأ مجلسا الشيوخ والنواب بتنفيذها بنحو ممنهج منذ الحادي عشر من أيلول 2001، عندما سمح جورج بوش الابن بمراقبة المكالمات الهاتفية. ومن بعده سمح الرئيس أوباما بمراقبة الشوارع بكاميرات فيديو عسكرية في كل مكان، وحتى بتحليق طائرات بدون طيار في الأجواء الأميركية وتصوير المتظاهرين والمعارضين بأساليب عسكرية. وقال هيدجيز «ما دام أوباما وقيادات الحزبيْن يريدون من العسكر ضبط الأمن في شوارعنا، فإننا سنتصدى لهم. لا يجوز هذا العمل، إنه عمل لاأميركي، لادستوري».