نواكشوط | وفق ما كان مرتباً له، أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في موريتانيا، أول من أمس، التمديد لرئيسها جميل ولد منصور لولاية جديدة من خمس سنوات بعد «اقتراع» عاصف كاد أن يتحول إلى حمام دم بسبب الصراعات والعشق الإخواني للسلطة. ودعا قياديون بارزون في الجناح المدني الإخواني إلى ضرورة تناوب سلمي على السلطة، داعين ولد منصور إلى ضرورة التنحي لمصلحة نائبه محمد غلام ولد الحاج الشيخ، أو للقيادي الشيخاني ولد بيبه، لكن جميل ولد منصور لم يتقبل دعوة خصومه وسارع إلى تجييش بعض الإخوان من الجناحين المدني والميليشياتي لاحتكار المنصب الذي مكنه خلال الأعوام الماضية من تكديس أموال طائلة.
وفي خضم هذه الأجواء، أسهم تدخل قيادات إخوانية دولية، من أبرزها زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، الصديق الحميم لولد منصور وأحد الداعمين للعلاقات الإخوانية الموريتانية مع الولايات المتحدة الأميركية، في منع تحول التنافس إلى حمام دم بسبب العشق الإخواني للسلطة، ورغبة كل من المرشحين الثلاثة في التمتع بالكرسي، وخصوصاً أن صاحبه يتلقى الأموال القطرية ويمنح توقيعه لفرع بنك قطر في نواكشوط على أنه الوصي على التمويلات الخاصة بإخوان موريتانيا.
انتخاب ولد منصور لفترة رئاسة جديدة فاجأ الكثير من المراقبين، وحتى أنصار الإخوان المسلمين، وجاء الإعلان مدوياً على إخوان موريتانيا الرافضين للرجل. وبعد ملاسنات حادة رددت فيها تحويلات وذكر فيها من بين أمور أخرى اسم بنك قطر، سارع بعض شيوخ الحزب إلى التدخل «حقناً للدماء» وحتى لا تخرج الأمور عن السيطرة، وخاصة أن تجربة الإخوان في حل الصراعات، دموية، والاحتكام بينهم إلى السيف أفضل الحلول وأسرعها.
وكشف متابعون للعملية الانتخابية أن «عقلاء» إخوان موريتانيا وجدوا صعوبة كبيرة خلال عمليات الاقتراع في إقناع المئات من المؤتمرين بقبول هذا الحل «التوافقي» حفاظاً على مسيرة الجماعة وتداركاً لانجرافها نحو الفوضى. وعلى مضض، قَبِل المنافسون لمنصور قرار المرشد وطويت «الانتخابات».
في ظل هذه الأجواء المشحونة تساءل المراقبون في نواكشوط عن سبب تعلق ولد منصور بالمنصب وهو العضو في البرلمان وعضو في العشرات من المنظمات التي ترعاها الدوحة. ولماذا يسعى لفترة رئاسية ثانية. وتساءل المراقبون عن السبب الذي يمنع منصور من التنازل لبيبه ومحمد غلام، مفسحاً المجال أمام وجوه جديدة لقيادة الحزب في مراحل أخرى وضارباً المثال في التناوب «السلمي» على السلطة. كذلك تساءل المراقبون عن الفائدة من هذه المسرحية السيئة الإخراج، ولم لا يسحب الرجلان ترشحيهما أسوةً بباقي المرشحين، وخصوصاً أن نائب رئيس الحزب ولد الحاج الشيخ غير مرحب به في مراكز القيادية من طرف شريحة عريضة من الراغبين في علاقات جيدة مع الغرب، وهو الرافض لكل تلك العلاقات المشبوهة. كذلك إن ولد بيبه غير جاهز حتى الآن لقيادة الحزب بسبب تنافس الأجنحة المحتدم.
إلى ذلك، استعان الإخوان بمشاركة القيادات الإسلامية في المؤتمر، الذي رعته قطر، في النقاشات على هامش المؤتمر مع بعض القوميين. وكادت الخصومة العقيمة بين الإسلاميين والقوميين في موريتانيا وحساسية الطرفين من كلمة «العلمانية» تفسد هذا النقاش، ما جعل بعض الحاضرين يزج بالغنوشي في هذه الخصومة العقيمة، ناسين أن الشيخ حليف سياسي للعلمانيين في تونس، وأن خطابه أكثر «علمانية» من خطاب جميع التيارات القومية في موريتانيا.