بعد كل حادثة إطلاق نار يرتكبها مواطن أميركي على أراضي الولايات المتحدة، يعود إلى الواجهة الجدل السياسي بشأن حق حيازة السلاح الذي تحميه المادة الثانية من الدستور الأميركي. غالبية الجمهوريين والمحافظين يعارضون المسّ بهذا الحق «المقدّس»، وبعض الديموقراطيين يطالبون بإقرار قوانين جديدة تفرض قيوداً على حمله واقتنائه. لكن، حتى اليوم لم يقوَ الرؤساء الأميركيون المتعاقبون على إجراء تعديلات جوهرية على ذلك الحقّ المشروع الذي يلي مباشرة حق التعبير عن الرأي في دستور البلاد، والذي تحميه شركات تجارية وهيئات سياسية نافذة، أهمها «الاتحاد الوطني للسلاح».
لكن بعد حادثة مدرسة نيوتاون في ولاية كونيكتيكيت الأخيرة، التي أودت بحياة 26 مواطناً، قال بعض النواب والمشرّعين الديموقراطيين إن هذه المرّة «ستكون حاسمة»، وإن المجزرة تلك يجب أن «توقظ الكونغرس وتدفعه إلى التصرف بجدية حيال الأمر». السيناتور الديموقراطية ديان فينشتاين، التي أعدّت خطة لحظر البنادق الهجومية ذات المخازن الكبيرة السعة، قالت إنها ستطرح تشريعاً جديداً هذا الأسبوع. والسيناتور ديك دوربن، ثاني أكبر عضو ديموقراطي في مجلس الشيوخ، أعلن أن المشرعين سيعقدون قريباً جلسات استماع بشأن فرض قيود على حمل السلاح، كذلك كرر عدة أعضاء آخرين أنهم سيولون القضية، التي تعرضت للتجاهل طويلاً، اهتماماً جديداً. وتدعم آخر المستجدات في التحقيقات في حادثة المدرسة وجهة نظر هؤلاء؛ إذ تبيّن أن مرتكب الجريمة، أدام لانزا، استخدم بندقية هجومية ذات مخزن كبير السعة ومسدسين، ما سمح له بقتل عدد كبير من الأشخاص خلال وقت قصير.
لكن المشككين في نجاح الديموقراطيين بتصعيدهم الأخير يلفتون إلى استحالة إقرار قوانين حظر وصعوبة فرض ضوابط على حمل السلاح في كافة الولايات، وذلك بسبب دفاع السياسيين والمشرعين الجمهوريين، وعدد كبير من الديموقراطيين بشراسة عن ذلك الحق، أضف إلى ذلك «ضعف موقف» الرئيس باراك أوباما في هذا الشأن.
فمعظم الصحافيين الأميركيين انتقدوا «تجاهل» أوباما الموضوع طوال فترة عهده الأول وكلماته «الضبابية» في تصريحه الأخير بعد مجزرة المدرسة، حين قال: «يجب اتخاذ إجراءات جدية للحؤول دون وقوع حوادث مماثلة في المستقبل»، من دون أن يحدد ما هي تلك «الإجراءات».
ولعل تصريحات بعض أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين يعبّر عن الشرخ الكبير الذي يقسم الطرفين؛ إذ قال نائب ولاية تكساس الجمهوري لوي غوهميرت إن «مديرة المدرسة المستهدفة كان بإمكانها أن تردي القاتل لو كانت تحتفظ ببندقية هجومية في مكتبها». وأضاف عبر شاشة «فوكس نيوز»: «كم تمنيت لو كانت لديها بندقية إم 4 الحربية». كذلك سُمعت بعض الدعوات إلى السماح بحمل السلاح الهجومي داخل المدارس، لكن بعض المحافظين حاولوا أن يحدّوا من تطرّف الآراء في قضية السلاح، ودعوا إلى «عدم الوقوف بوجه أي مبادرة لنقاش الأفكار والقوانين المقترحة».
وبشأن خطوات أوباما، قال المحللون إن قضية ضبط السلاح وفرض قوانين جديدة ستزيد الضغوط على الرئيس الذي كان مشغولاً بأولويات أخرى مثل المشاكل المالية العالقة في الكونغرس وعناوين سياسية وضعها خلال حملته الانتخابية الاخيرة.
صحيفة «ذي نيويورك تايمز» ذكرت، من جهتها، أنه قبل يوم من ارتكاب جريمة مدرسة نيوتاون، كان مشرّعون في ولاية ميتشيغن قد رفعوا مشروع قانون يجيز حمل سلاح هجومي في المدارس. وقبل أسبوع من الحادثة أعلن مسؤولون في فلوريدا أنهم سيصدرون قريباً الرخصة رقم مليون لحمل سلاح ناري.
لكن هل سينجح الناشطون الديموقراطيون بفرض قيود قانونية على حمل السلاح؟ هل سيستمرون أصلاً بالعمل بالزخم نفسه أم أن الموضوع سيبهت سياسياً وإعلامياً كالعادة بعد مرور فترة زمنية قصيرة؟ سأل معظم المحللون في ظل صمت ملحوظ من قبل لوبي السلاح الأول في الولايات المتحدة «الاتحاد الوطني للسلاح».
وفي هذا الإطار، سُجّل أمس إقفال حسابي «فايسبوك» و«تويتر» التابعين لـ«الاتحاد»، بعدما انهالت تعليقات المعارضين لحمل السلاح على الموقعين. وأطلقت حملات هجومية عليه عقب حادثة المدرسة. وكان «الاتحاد الوطني للسلاح» قد احتفل الأسبوع الماضي بتسجيله 1،7 مليون «لايك» على صفحته على «فايسبوك».