«العالم يتغير، وهذه الصدمة التي حدثت في باريس ستغيّر ربما قليلاً من سُلّم الأولويات لدى زملائنا في واشنطن وعواصم دول حلف شمال الأطلسي الأخرى»، قال أمس نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، على هامش قمة مجموعة العشرين في تركيا، وذلك رداً على أسئلة حول ما إذا كانت هجمات باريس ستقرّب مواقف العواصم الغربية من موقف موسكو حول الحرب في المشرق وشمالي أفريقيا، وما يُسمى «الحرب على الإرهاب».
وتُتّهم العواصم الأطلسية بـ«غض النظر»، أقله، عن قنوات تمويل وتسليح داعش؛ ويذهب كثيرون إلى اتهام العواصم تلك بالمسؤولية عن نشأة «الجهاد» التكفيري، وعن دعمه استخبارياً ولوجستياً، بهدف تدمير الدول «المارقة» على إرادة الغرب. ولكن ذلك قد يتغير، مع ارتداد «داعش» إلى عقر الدار الأوروبي، و«إظهار الهجمات المروعة في باريس للحاجة العاجلة إلى مبادرة قوية ومشتركة تجاه إيجاد حل للحرب في سوريا، من أجل ضمان مكافحة التهديدات الوحشية التي يشكلها تنظيم داعش وأتباعه»، حسبما قال وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، يوم أول من أمس.
وبعد نحو ثلاث سنوات من تمزيق «داعش» للبنى الدولتية والمجتمعية في المشرق، و«إتحافه» العالم بدعايته السينمائية للمجازر التي يرتكبها في البلاد التي وُضعت علناً في المهداف الأميركي بعد هجمات 11 أيلول، تأكدت جدية التحذيرات من خروج الوحش الذي رعته أجهزة استخبارات غربية وعربية عن السيطرة.

الـ«بريكس» متفقة
على أنه يجب على الجميع ترك الحجج والشروط المسبقة جانباً

فرنسا تريد «تدابير ملموسة» من «قمة العشرين»
«بمعزل عن التضامن والتأثر»، تريد فرنسا من رؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين إصدار «قرارات ملموسة في مجال مكافحة تمويل الارهاب»، قال وزير المالية الفرنسي ميشال سابان، ممثلاً هولاند. ومن جهته، رأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في اجتماع مع قادة دول «بريكس» (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) على سبق انعقاد القمة، أن «من غير الممكن السيطرة على التهديد الارهابي... ما لم توحد الأسرة الدولية جهودها». وأضاف بوتين أن من الضروري لدى محاربة الإرهاب الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والاعتماد على القوانين الدولية واحترام حقوق وسيادة ومصالح كل دولة، منوّهاً بأن هذه المبادئ وجدت انعكاساً في بيان «بريكس» الذي صدر هذا العام. وأوضح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن «كل بلدان بريكس كانت متفقة في المناقشات على أن (الهجمات الإرهابية)، بما فيها هجمات باريس، تفرض على الجميع ترك كل الحجج والشروط المسبقة جانباً، والتركيز على تكوين جبهة شاملة حقيقية لمحاربة الإرهاب».
أما أوباما، فتحدث في كلمة أمام قمة زعماء مجموعة العشرين عن «العمل مع أعضاء آخرين في التحالف لتحقيق انتقال سلمي في سوريا، وللقضاء على داعش»، متعهداً بتكثيف الجهود للقضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، ومنعه من تنفيذ هجمات على غرار ما حدث في باريس. ووصف أوباما هجمات باريس التي أعلن التنظيم المذكور مسؤوليته عنها بأنها «هجوم على العالم المتحضر»، وقال إن الولايات المتحدة ستعمل مع فرنسا لملاحقة المسؤولين عن الهجوم. وتتوقع واشنطن بالفعل من فرنسا أن ترد بلعب دور أكبر في حملة القصف الجوي التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش. وفي هذا السياق، قال نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، بن رودس، في مقابلة تلفزيونية، «نحن على ثقة بأننا سنتمكن، بالتعاون مع الفرنسيين، من تكثيف ضرباتنا ضد الدولة الإسلامية في كل من سوريا والعراق».
وبعد لقائه مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال أوباما إن «السماء اسودّت بسبب هذه الهجمات المروّعة التي وقعت في باريس قبل يوم ونصف». وتابع أوباما، «سنضاعف جهودنا، وسنعمل مع أعضاء آخرين في التحالف لتحقيق انتقال سلمي للسلطة في سوريا، وللقضاء على داعش، كقوة يمكنها أن تسبب كل هذا القدر من الألم والمعاناة للناس في باريس وأنقرة ومناطق أخرى من العالم». ومن جهته، قال أردوغان «إنّنا نواجه إرهاباً جماعياً، وإنّ الارهاب لا دين له ولا عرق، وموقفنا حيال الاعتداءات الارهابية التي حصلت في فرنسا لا يختلف عن مواقفنا من الهجمات التي حصلت في أنقرة وسوروج ودياربكر وغازي عنتاب».

مخاوف من ردود فعل عنصرية

من جهتها، وعلى هامش قمة مجموعة العشرين، جددت المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل دعوتها إلى «توزيع عادل» للاجئين في أوروبا، رافضة أي خلط بين اعتداءات باريس و«العدد الكبير من اللاجئين الابرياء». وفي السياق نفسه، وبعد التركيز الإعلامي على إيجاد جواز سفر سوري قرب أحد الانتحاريين في باريس، استبق أمس رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، الجدل حول تسلل انتحاريين بين سيل اللاجئين السوريين، فدعا «الدول الأوروبية التي تحاول تغيير أجندة الهجرة التي اعتمدناها إلى أن تكون جدية بشأن (خطة المفوضية)، وأن لا تستسلم لردود الفعل الأولية». وقال يونكر إن «الأشخاص الذين ارتكبوا الهجمات هم الأشخاص أنفسهم الذين يفرّ منهم اللاجئون، وليس العكس... فلا داعي لإجراء مراجعة كلية للسياسة الأوروبية بشأن اللاجئين». وفي هذا السياق، قررت رئاسة الاتحاد الأوروبي أمس الدعوة الى عقد مجلس طارئ لوزراء الداخلية والعدل للدول الأعضاء يوم الجمعة المقبل، استجابة لطلب قدمته باريس، إثر هجمات يوم الجمعة الماضي. وجاء في بيان الرئاسة أن المجلس «يهدف إلى تشديد الرد الأوروبي، وضمان تطبيق التدابير المقررة ومتابعتها».
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)