أجرى «جيش التحرير الشعبي» الصيني، يوم الأحد الفائت، أول تجربة ناجحة لـ«القرش الطائر ج 15»، وهو عبارة عن طائرة حربية تنطلق من سفينة حاملة للطائرات، وتوازي قوّتها قوة طائرة الـ «اف 18» الحربية الأميركية.
لا شكّ أن القدرة العسكرية الصينية المتنامية، إضافة الى قوتها الاقتصادية، يمكن أن تتحوّل الى عنصر أساسي في تحديد طبيعة العلاقات الدولية، لكن القيادة الصينية تحرص على عدم التسرّع في الاتكال على هذا الجانب من قوّتها لحين اكتمال نموّ قدراتها القتالية تكنولوجياً.
حطّت الطائرة المقاتلة الجديدة، المحلّية التصميم والإنتاج، يوم الأحد، على متن حاملة الطائرات «لياو نينغ» في مكان مجهول في بحر جنوب الصين. ونقل التلفزيون الصيني صوراً للحدث في خطوة استعراضية لافتة بعد أيام قليلة على تولي الجيل الخامس من القادة، على رأسهم شي جينغ بينغ، الأمانة العامة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد قللت من شأن حاملة الطائرات الصينية التي انطلقت بحلة جديدة يوم 25 أيلول الفائت بعد تطويرها وتحديثها. ونقلت الصحيفة الأميركية عن خبير عسكري قوله إن صناعة الصين لطائرات حربية يمكنها أن تقلع وتحطّ على متن «لياو نينغ» ستستغرق «وقتاً طويلاً جداً جداً» (راجع مقال جين بيرليز في نيويورك تايمز، عدد 25 أيلول 2012). وبعد مرور شهرين على ذلك، أقلعت المقاتلة «ج 15» من مدرج حاملة الطائرات الصينية وحلّقت فوق شواطئ الصين الشرقية، قبل أن تعود لتحطّ على متن «لياو نينغ» بنجاح. وقدم ضباط «جيش التحرير الشعبي» عبر التلفزيون، خلال عرض مشاهد مسجلة للحدث، مواصفات آلة الحرب الجديدة: «من مجموعة الجيل الأول من المقاتلات ذات القوة الجوية المتنوعة». فإضافة الى صواريخ جوّ ــ جو وصواريخ مضادّة للسفن، فإن الـ ج 15 مجهّزة بصواريخ جوّ ــ أرض وبقذائف «فائقة الدقّة» محلية الصنع. وتوازي القدرة القتالية لـ«ج 15» قدرة مقاتلات «اس يو 33» الروسية و«اف 18» الأميركية، وبالتالي بات الأسطول الجوّي الصيني اليوم، الذي يتألف من ستة آلاف طائرة حربية، يشكل توازناً مع قوة الوجود العسكري الأميركي في جنوب شرق آسيا.
اللافت أيضاً أن توقيت استعراض المقاتلة الحربية الصينية الجديدة تزامن مع إصدار السلطات الصينية جواز سفر جديداً لمواطنيها يتضمّن خريطة للصين الشعبية تضمّ تايوان، التي لا تزال تتمسك باستقلالها، ومنطقة أكساي شن في جبال الهملايا المتنازع عليها مع الهند، وبحر جنوب الصين الذي تدّعي الفيليبين وفييتنام وبروناي وماليزيا أن أجزاء منه تنتمي الى كلّ منها. وفي أول ردّ فعل، وصف وزير الخارجية الهندي، سلمان خرشيد، أمس الجواز الصيني الجديد بأنه «غير مقبول». يُذكر أن من بين طائرات الأسطول الجوي الصيني مقاتلات متطوّرة من نوع «ج 10» محلية الصنع وطائرات مجهزة برادار «كي جي 2000» (توازي قوتها طائرات «الأواكس» الأميركية) ومقاتلات من طراز «سوخوي اس يو 27» روسية أدخل عليها الصينيون تعديلات لتطوير التكنولوجيا الملاحية وتفعيل قوتها التدميرية. ولا بدّ من الإشارة الى أن تعبير «الجيل الأول من المقاتلات ذات القوة الجوية المتنوّعة» الذي استخدمه الضباط الصينيون أول من أمس أثناء وصفهم «ج 15» يدلّ على أن تطوّر تكنولوجيا القوّة القتالية الجوية الصينية لا يزال في بداياته.
أما حاملة الطائرات الحربية «لياو نينغ» فكانت الصين قد استقدمتها من أوكرانيا عام 1998 (كان يطلق عليها اسم «فارياغ») وتمّ تطويرها وتجهيزها بمدفعية بحرية وبرادارات حديثة. لكن القيادة الصينية قرّرت تخصيص «لياو نينغ» للتدريب، ويتم حالياً تصنيع ثلاث حاملات للطائرات في موانئ شانغهاي الصناعية العسكرية.
إن تطوير القدرات للجيش الصيني كان قد احتلّ جزءاً هاماً من تقرير الأمين العام السابق للحزب الشيوعي، هو جين تاو، خلال المؤتمر الثامن عشر مطلع الشهر الجاري، الذي حدّد أهداف المرحلة المقبلة. وفي هذا الإطار، عمد خلفه شي جينغ بينغ يوم الجمعة الفائت الى ترقية العقيد وي فينغيه الذي يتمتع بخبرة فائقة في التكنولوجيا العسكرية الى رتبة عميد مسؤول عن الترسانة الحربية النووية الصينية.
يأتي هذا التطوّر في القدرات الحربية للصين في ظلّ تشديد القيادات الصينية على تفضيلها الحلّ السلمي للقضايا الخلافية في منطقة شرق آسيا وفي منطقة الشرق الأوسط. فعلى الرغم من المناورات العسكرية المتكرّرة في بحر جنوب الصين، يؤكد المسؤولون الصينيون عدم رغبتهم في تطوّر النزاع مع اليابان بشأن جزر دياووي والخلافات الحادة مع الفيليبين، الى صدام مسلّح. أما في منطقة الشرق الأوسط، فعلى الرغم من موقف الصين الثابت من رفض التدخل الأجنبي في سوريا والذي ترجم عملياً في مجلس الأمن الدولي بشكل غير مسبوق، فإن القيادة الصينية تعرب عن رغبتها في الحلّ السياسي وتجنب الصدامات العسكرية. وكانت الصين قد قدّمت في مطلع الشهر الجاري مبادرة من أربع نقاط للحل السلمي في سوريا. وبشأن العدوان الإسرائيلي، يدعو الصينيون الى العمل من أجل التوصل الى حلّ شامل وعادل على أساس معادلة الأرض مقابل السلام واحترام القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة.